هذا المقال بقلم علي شهاب، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
أنا كواحد من كثيرين من اللبنانيين كان يأمل خيراً في حملة #طلعت_ريحتكم و #بدنا_نحاسب وغيرهما من الحملات. وكوني كاتبًا وإعلاميا يعاني في بعض الأحيان من ظلم الرأي العام في تصنيفي على هواه، فقد كنتُ حريصا على رفض الاتهامات التي يتداولها بعض المعارضين بحق قادة بعض الحملات المطلبية تارة بالعمالة للسفارات الاجنبية وطورا بالتصويب على مسائل شخصية، وذلك من منطلق الحرص على دعم الحراك المطلبي الضروري على أمل احداث ثغرة في النفق الوجودي المأزوم الذي دخلته البلاد.
وكي تتضح للقراء العرب الغاية من عنوان مقالتي هذه، دعوني أشرح لكم ما يلي.
- طوال عقود من الزمن، كانت الطائفية والمذهبية سلاح الحكام الفعال في رسم الاطار العام للمجتمع اللبناني، فتقدم الانتماء المذهبي والطائفي على ما سواه من معايير في قياس الجماهير لمصالحها.
- يقوم النظام في لبنان على عقد اجتماعي "جنتلمان" غير مكتوب بين الطوائف وزعمائها، يقضي باطلاق يد زعماء الطوائف في السياسة وتقاسم السلطة في مقابل توفير الخدمات والحماية السياسية للمواطنين. وهذه النقطة بالغة الاهمية، فلا يظنن احد ان النظام في لبنان هو مجموعة من الدخلاء، بل هو ببساطة نتاج انتخابات نيابية يمارسها الشعب منذ سبعين عاما. ولا يمكن بالتالي استقدام التجربة المصرية او الليبية او السورية او التونسية واسقاطها على النموذج اللبناني.
- وسط لوحة الفسيفساء اللبنانية هناك حالة جماهيرية موجودة من رحم معاناة أهل الجنوب اللبناني مع الاحتلال الاسرائيلي وتفرض نفسها بقوة خياراتها السياسية وهي حزب الله. وكي أكون اكثر دقة دعوني اعتمد تسمية "المقاومة" لأني لست بصدد الدفاع هنا عن حزب الله كتيار سياسي يصيب ويخطئ (ولكم أن توافقوا او تختلفوا معه في سياساته وتحالفاته المحلية والخارجية)، ولكني اقصد قضية هذا التيار الشعبي في مقارعة اسرائيل ودعم القضية الفلسطينية. وهذه القضية هي للكثيرين معيار الحكم على أي حراك ينادي باسقاط النظام في لبنان.
لقد رفعت الحملات المطلبية حتى الساعة شعارات جميلة كالدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية ومحاسبة الفاسدين في السلطة ومعالجة مشكلة النفايات عبر اطلاق يد البلديات، ولكن الذهاب بعيدا في اطلاق شعارات تسترجع ثورات "الربيع العربي" السيء الذكر في أذهاننا يستحضر عندنا سؤال: "و بعدين ؟.
ويفتح هذا السؤال الباب واسعا على موقف الحركة التغييرية من قضية المقاومة. وهنا يكمن بيت القصيد.
قرر بعض الناشطين المنفعلين تصنيف حسن نصرالله ضمن فئة الزعماء الفاسدين ماليا، مع ان الرجل لم يكن يوما من المنتفعين من كعكة السلطة، بل تفيد التجارب الحكومية والنيابية منذ انطلاقه في العام 1982، بأن أحد مآخذ جمهور المقاومة على حزب الله عدم فعاليته في الشأن العام والملفات المعيشية للمواطنين بدعوى تقديم قضية الدفاع عن لبنان على ما سواها.
في موجز الكلام، لا تستطيع أي حركة شعبية في لبنان ان تعالج مشاكلنا باستعداء نصف الشعب وتنفيره عبر طرح شعارات مستفزة واطلاق العنان للتعميم بدعوى "الثورة".
تنشأ الثورات لإحقاق الحقوق وفرض العدالة لا ممارسة اساليب السلطة بالتعميم الظالم.
لقد أصدر حزب الله قبل أيام قليلة بيانا لافتا دعم فيه بوضوح مطالب الشعب (و في ادبيات الحزب يمكن البناء على هذا البيان الى حد اعتباره تغطية سياسية للمتظاهرين)، غير أن الاصرار على ادراج صور نصر الله مع "المتهمين" فيه الكثير من التجنّي على شخص يشهد له اعداؤه بالمناقبية والمصداقية.
يمكنكم الاختلاف ما تشاؤون في السياسة مع أي مكوّن، ولكن ليس من مصلحة حركة شعبية معاداة نصف الشعب.
لقد قتل فينا زعماء الفساد في لبنان الأمل في أن نعيش في كنف دولة تحترم شعبها، فلا تقتلوا فينا الأمل بالتغيير.