هذا المقال بقلم رابحة علام، باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
في تاريخ الحروب حيث يأخذ العنف دورته من الصعب أن يتم وقفه فوراً، وإنما لابد أن تتوفر الظروف المواتية لوقفه سواء دائما أو مؤقتا. وفي بلد بأهمية وموقع وتعقيدات سوريا لابد أن تتوفر هذه الظروف على مستويات ثلاث محلي وإقليمي ودولي. وهنا تبدو المشكلة أكثر تعقيدا واعتمادا على عوامل هشة وسريعة التغير. ومع ذلك يمكن القول أننا اليوم بصدد بعض المؤشرات التي قد تنذر بالتفاؤل إزاء وقف العنف بسوريا أوعلى الأقل كبح جماحه تدريجيا.
ثمة بعض التداخل على المستويين الدولي والاقليمي، من جهة جاء الاتفاق النووي الايراني الغربي ليعزز فرص التفاؤل بشأن كبح الطموح الإيراني في المنطقة بالأخص نوويا. فمع صمود الاتفاق ومروره بمراحل التصديق المختلفة خاصة داخل ايران، يمكن توقع بعض التطور بسلوك ايران بالمنطقة وبالاخص في سوريا. ولكن لا يمكن الجزم بأن ايران ستقبل باستبدال الاسد ضمن لعبتها للتحالف والسيطرة على كل من سوريا ولبنان.
من جهة ثانية، بدا أن المفاوضات القائمة بين السعوديين والروس حول المنطقة وفي قلبها سوريا قد قاربت مرحلة استعراض الحلول والبدائل وفي ذلك مدعاة للتفاؤل أيضا. فالروس غير حريصين على استمرار الأسد بشخصه ولكن ما يهمهم هو استمرار مصالحهم في عقود التسليح والبنية التحتية المدنية والطاقة. والسعودية قادرة على تقديم ضمانات جادة لمرحلة مابعد الأسد، ومن ثم فالتفاهم الروسي السعودي قد ينعقد بالفعل ضمن صفقة اثمان متبادلة تضم سوريا واليمن وربما مناطق اخرى.
من جانب ثالث، يأتي الاتفاق الأمريكي التركي على استخدام قواعد عسكرية تركية في الضربات الجوية للتحالف الغربي العربي ضد داعش. وهنا حصل الأتراك على رخصة دولية لضرب معاقل حزب العمال الكردستاني -وفي ذلك مصلحة قومية وأخرى انتخابية لهم- ولكنها رخصة مشروطة بمدى انخراطهم في قتال داعش جوا وبراً -عبر تطويق نفوذها وشبكاتها المتشعبة داخل الحدود التركية بمحاذاة سوريا. وهنا تبرز مؤخرا جهود تركية متصاعدة للايقاع بمجندي الدواعش قبل عبورهم الي سوريا. أما مسألة المنطقة الآمنة التي تريدها تركيا بمحاذاة حدودها، فمن الصعب انجازها عنوة دون موافقة ضمنية من إيران. وقد تقبل بها ايران بالفعل في مُعرض البحث عن تهدئة مشابهة في مناطق الساحل أومناطق محاذية للبنان. وإذا وصلنا بالفعل لذلك، حينها ستكون كافة الأطراف بصدد التهدئة وصولا للحل السياسي.
***
أما على المستوى المحلي، فالمعارضة المسلحة حققت مكاسب حقيقية وأدارت الارض الجديدة التي كسبتها بأداء أفضل من ذي قبل. جيش الفتح ضرب المثل في إدلب والتجربة بصدد إعادة انتاجها في مناطق أخرى. وجبهة النصرة صارت أكثر وعيا بحساسية الغرب تجاهها وأصبحت تقبل بتقاسم الأدوار مع كتائب أكثر اعتدالا كالجبهة الشامية وربما أيضا أحرار الشام. أما وقف اطلاق النار المتبادل بين الزبداني بريف دمشق والفوعة وكفريا بإدلب فهو يدعو للتفاؤل لعدة أسباب. أولا لأن المقاتلين هم من فاوضوا، وليس معارضة الخارج التي تطلب تفويضا مطلقا من المقاتلين للتحدث باسمهم ثم قبول مخرجات مفاوضاتها. ثانيا أن الكتائب قد فاوضت الإيرانيين مباشرةً وفي ذلك نقطة جيدة لأن اي اتفاق مع الأسد أو نظامه فقط ليس بوارد التطبيق. فإيران صاحبة القرار في سوريا بشكل شبه مطلق، واي استبعاد لايران من التفاوض يعني إسقاط الجدية عن المفاوضات -- رابحة سيف علام. ثالثا والأهم أن المفاوضات الجزئية الصغرى في الميدان قد شملت منطقتين في محافظتين متباعدتين نسبيا، مما يعني درجة أرقى من التنسيق بين الكتائب المسلحة، وهذا أمر حسن. ورعاية تركيا لهذه المفاوضات يعني أنها تقبل بإيران كلاعب يأخذ منه ويرد ولابد أن يتم مخاطبته بشكل مباشر. ولكن هل تقبل السعودية بذلك؟ هنا تكمن المعضلة.
***
نحن الآن أمام نفس المباراة بين نفس اللاعبين ولكن بتوزيع أكبر للأدوار بين أعضاء كل فريق. أمريكا وتركيا تفاوضان إيران والسعودية تفاوض روسيا، ثم إيران -لكونها حاضرة دوليا وإقليميا ومحليا بنفس الوقت- قد فاوضت كتائب المعارضة القوية. هنا يُعاد ترتيب الأوراق بما يشي ببعض التفاؤل ويعد بتغيير بتوازن القوى في سوريا. لكن يبقى السؤال عن مصير الأسد؟ وهنا تجيبنا مذبحة دوما التي ارتقى فيها أكثر من 110 شهيدا من المدنيين. هكذا يحب الأسد أن يثبت وجوده في زحمة المفاوضات الجارية الآن حول مصيره ومستقبل سوريا. أراد أن يُذكر الجميع -حلفائه قبل خصومه- أنه يمتلك سلاح المذابح ليُربك المفاوضين الكُثر بشلال جديد من الدماء البرئية.
***
أما داعش المتمددة يومياً، فرغم عدائها مع الجميع إلا إنها تملك الاستفادة من تناقضات الجميع لتحقق مكاسبها. فهل تجب مواجهة داعش قبل اتفاق الحل السياسي أم بعده؟ إذا كانت المواجهة سابقة للاتفاق، فلن تشمل الجميع في صف واحد، فالسعودية لن تتعاون مع إيران بشكل مباشر لدحر ذات الخطر التكفيري المؤرق لهما معا. أما إذا كانت المواجهة بعد الاتفاق، فمن يضمن أن داعش لن تفسد تطبيق الاتفاق أو تستفيد منه وتتمدد على حساب الجميع. الافضل أن تستمر مواجهة داعش قبل الاتفاق وبعده، قبله عبر جبهات متفرقة وبعده عبر جبهة موحدة ممن يستفيدون من اتفاق الحل. مع بقاء فرضية أن من سيخرج خاسراً من هذا الاتفاق قد يسعى للتحالف الضمنى مع داعش لافساد الاتفاق على الجميع. رغم تعقد الصورة وتشابك خيوطها، يلوح بعض التفاؤل الحذر يمكن حتى للمتشائمين إبصاره.