هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
حينما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع الأسبوع القادم، فإن العالم سيتابع كيف ستكون نتائج انتخابات البرلمان الذي سيحدد مصير الحكم فى الدولة التي اقترب تعداد سكانها من الثمانين مليونا وشهدت انتخاباتها الصيف الماضي نتائج غير متوقعة منعت أي حزب من الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة أو لتعديل الدستور وأجبرت الجميع على التفاوض لتشكيل حكومة ائتلافية! فشل التفاوض ودعا رئيس الدولة إلى انتخابات ثانية لعل وعسي يتمكن حزبه من تحقيق الأغلبية المطلوبة، فماذا سيحدث في رابع انتخابات ستشهدها الدولة خلال ثمانية عشر شهرا ؟ قطعا السؤال يخص الانتخابات التركية وهل تعتقد أنى أتحدث عن انتخابات غيرها؟.
كانت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية يونيو الماضي مبهرة ومثيرة، فحزب العدالة والتنمية الذي حكم البلاد منفردا لزهاء ثلاثة عشر عاما خسر الأغلبية المطلقة وإن ظل في المقدمة، بينما حصد حزب الشعوب الديمقراطي (ممثل الأكراد والأقليات) للمرة الأولى على ١٣٪، فيما تقاسم باقي المقاعد حزبي الشعب الجمهوري (العلماني/الاتاتوركى) الذي جاء ثانيا وحزب الحركة القومية (يميني قومى) الذي حصل على المركز الثالث فى ظل نسبة مشاركة بلغت ٨٦٪ وهى الأعلى أوروبيا وضمن الأفضل عالميا.
كثرت التوقعات حول شكل الحكومة ورئيسها الجديد الذي سيتغلب على أردوغان (الذي تحول للرئاسة فى السنة التي قبلها بتأييد ٥٢٪ من الأصوات)، وهل ستكون حكومة ائتلافية بين الحزبين المتضادين دوما (العدالة والتنمية مع الشعب الجمهورى)، أم بين العدالة والتنمية وأحد الحزبين الصغيرين الآخرين (الشعب الجمهوري أو الحركة القومية)، أو تحدث المفاجأة وتشكل الأحزاب الثلاث تحالفا ضد العدالة والتنمية وتشكل حكومة أقلية؟ انتهت الفترة الدستورية لتشكيل الحكومة بلا اتفاق ليعلن أردوغان (في الواقع أعلن قبل انتهاء الفترة) الذهاب ثانية إلى صناديق الاقتراع في الأول من نوفمبر أملا في تغيير يصب لصالح حزبه بحيث يتمكن من تشكيل الحكومة منفردا، كيف يتوقع المراقبون النتائج إذن ؟
***
قبل الحديث عن النتائج المتوقعة، من المهم أن نشير إلى أربعة عوامل جديدة دخلت فى المعادلة السياسية بين يونيو الفائت (حيث جرت الانتخابات البرلمانية الأولى) وبين نوفمبر (حيث ستجري الانتخابات ثانية.)
أولا: زادت التهديدات الأمنية علي تركيا جراء تفاقم الأوضاع في سوريا مع تزايد أعداد اللاجئين المتدفقين على أراضيها في ظل تدخل روسي عسكرى في المنطقة يثير القلق التركى بالتوازى مع عدم استقرار أوضاع الأكراد مع تهديد الداخل التركى بعد أسوأ حادث إرهابي يضرب تركيا الحديثة ازاء تفجيرات أنقرة أكتوبر الجاري، وهو عامل يرى المراقبون أنه قد يعمل لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المنتظرة.
ثانيا: غيّر أردوغان من طريقة إدارته للمشهد السياسي بعد أن تعرض لانتقادات داخلية من حزبه بسبب سيطرته على الحملة الانتخابية للحزب في انتخابات يونيو الماضي، فقد مضى في حديثه عن أهمية فوز الحزب فى الانتخابات القادمة منفردا في أحاديثه العامة ولكنه ابتعد عن الحملة في ظل حديث متصاعد عن مفاوضات على مستويات رفيعة تجري بين مسئولين من العدالة والتنمية والشعب الجمهوري لبحث امكانية تشكيل ائتلاف حكومي حال جاءت نتائج الانتخابات الجديدة مشابهة للقديمة.
ثالثا: غازل الاتحاد الأوروبى أردوغان وتركيا مجددا ولكن هذه المرة عن طريق المستشارة الألمانية ميركل التي زارت تركيا مؤخرا وأطلقت تصريحات ايجابية بخصوص الاستعداد لقبول عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بالتوازي مع الحديث عن حزمة مساعدات اقتصادية لتركيا، والسماح بتحرك المواطنين الأتراك بين دول الاتحاد الأوروبي بدون الحصول على تأشيرة دخول والبحث عن خطة لإعادة توزيع اللاجئين ستكون تركيا فيها على ما يبدو لاعبا رئيسيا. هذه المغازلة الأخيرة قد تدعم موقف أردوغان وحزبه في الانتخابات المنتظرة.
رابعا: زاد الانقسام الداخلي بخصوص الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا وهو ما يعد التهديد الأبرز لأردوغان وحزبه في الانتخابات القادمة. فقد أعلن مؤخرا مركز PEW البحثي الأمريكي عن أحدث استطلاعاته فى الداخل التركى وفقا لاستبيان جرى الربيع الماضي ويوضح حجم الاستقطابات التى تضرب تركيا، منها علي سبيل المثال أن نسبة الرضاء عن الديموقراطية التركية قد انخفضت إلى ٤٩٪ (الرضاء كان مرتفعا بين أنصار العدالة والتنمية وقد وصل إلى ٨٤٪، بينما توقف عند ٣٢٪ فقط عن أنصار الشعب الجمهوري)، بينما أظهر الاستطلاع أن نسبة الرضاء هذه قد تناسبت طرديا بين المسلمين بحسب درجة التدين، فهي ٧٢٪ بين من يصلي خمس مرات في اليوم، تنخفض إلي ٦١٪ بين من يصلي يوميا أقل من خمس مرات، لتصل إلي ٣٤٪ فقط بين من لا ينتظم فى أداء الصلوات، كما أن نسبة الرضاء هذه تناسبت عكسيا مع مستوي التعليم، فالأكثر تعليما كانوا أقل رضاء عن الديموقراطية (٣٧٪ فقط من الحاصلين علي شهادة أعلى من الاعدادية كانوا راضين عن الديموقراطية في تركيا)، كما أنها تناسبت طرديا مع العمر، فالأجيال الأكبر أظهرت رضاء مرتفعا (٦٣٪ ممن ارتفعت أعمارهم عن الخمسين عاما كانوا راضين في مقابل ٤٢٪ فقط للفئة السنية بين ١٩ و٢٩).
***
هل تختلف النتائج إذا؟ يتوقع معظم المهتمين بالشأن التركى أن النتائج لن تختلف كثيرا رغم إقرارهم بأن بعض العوامل قد تغيرت بالفعل لصالح العدالة والتنمية، إلا أن استطلاعين للرأى أظهرت نتائجهما الأسبوع الماضى أن النسب التي سيحصل عليها العدالة والتنمية تتراوح بين ٤٠ و٤١٪ في إشارة واضحة أن النتائج ستكون متشابهة مع نتائج انتخابات يونيو، فهل نشهد ائتلاف حكومي أم نذهب لانتخابات ثالثة؟
هناك أربعة سيناريوهات متوقعة، الأول أن يتحالف العدالة والتنمية مع الشعب الجمهوري في ائتلاف نادر ومثير بين خصمين لدودين، أما الثاني فهو أن يتحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية اليميني، فيما يأتي السيناريو الثالث أن يلجأ العدالة والتنمية إلى تشكيل حكومة أقلية بتفاهمات جزئية مع الشعب الجمهوري والحركة القومية بحيث يحصل منهما على أصوات داعمة بحسب طبيعة التشريع، وأخيرا يأتي السيناريو الرابع في أن يلجأ أردوغان الي انتخابات للمرة الثالثة.
ترتفع حظوظ السيناريو الأول رغم الاشتباكات الكثيرة بين الحزبين الكبيرين وخصوصا علي خلفية اتهام أردوغان وكبار قادة في حزبه في قضايا فساد متنوعة حفظها القضاء لكن يهدد الشعب الجمهوري بإعادة فتحها من حين إلى آخر، بينما تقل فرصة السيناريو الثاني (وإن ظل في الحسبان) بسبب موقف الحركة القومية الرافض للانضمام للاتحاد الأوروبي بعكس حلم أردوغان في العضوية الأوروبية، بينما تقل كثيرا احتمالات السيناريوهين الثالث والرابع خاصة وأن الأخير لا يملك ترفه أي فاعل سياسي تركى.
يحلم أردوغان بأن يحل عليه العام ٢٠٢٣ (الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية) وقد احتل مكانة أتاتورك في قلوب الأتراك وفى مخيلة العالم، يحلم أن يحل عليه هذا العام وقد عدل الدستور لتصبح تركيا دولة رئاسية هو قائدها، وقد حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبي لتصبح أول دولة مسلمة في قلب أوروبا المسيحية، يحلم أردوغان بتأسيس ثانى للجمهورية التركية وقد تصالحت عثمانيتها مع هويتها الإسلامية، يعلم أن الطريق طويل، وفى مقدمة هذا الطريق إعادة الديمقراطية المتدهورة في تركيا خلال عهده إلي سابق عهدها، والتغلب علي المشاكل الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، وإعادة السيطرة على الوضع الإقليمي المتدهور وحل أزمة اللاجئين، واستعادة ثقة الناخب التركي والذي أظهرت الاستطلاعات الحديثة أنه يثق في المؤسسة العسكرية بنسبة ٥٢٪ فيما يثق في الحكومة بنسبة ٤٥٪ فقط وهو ما يعيد شبح عسكرة السياسة التركية، لا تبدو أن الانتخابات القادمة ستمكنه من تحقيق كل ذلك، لكنه زعيم لا ييأس، فهل يتخلص من غرور السلطة الذي مسه مؤخرا ويعيد ثقة الشعب التركي فيه وفي حزبه.