مصطفى النجار يكتب.. "قضية المعتقلين السياسيين مفتاح لتخفيف الاحتقان"

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير مصطفى النجار
مصطفى النجار يكتب.. "قضية المعتقلين السياسيين مفتاح لتخفيف الاحتقان"
Credit: Mario Tama/Getty Images

هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة  CNN

إذا أردتَ أن تعلَمَ قسوةَ السجّان وتواطؤ السجن فاسأل سجين، أو ذويه، إذا أردتَ أن تتذوَق صِدق المعاناة، وتتذوّق طعمَ الحياة الآخَر فرجاءً لا تقرأ رواية عن الحبّ السرمديّ ولكِن إقرأ في أدبِ السجون ( الطاهر بن جلون فى رواية تلك العتمة الباهرة)،  مساكين أولئك الذين ظنوا أنَّ الموت أو الغياب السحيق سوف يُودِي بصاحب الجبّ، لم يَدُرْ في خلدهم يوماً أن الفضاءات المطلقة تبدأ من الجحور الضيقة، هنالك تصنع الحياة، ويُعاد ترتيب مُكوّناتها، هناك يتهجّأ الإنسان حروف ولادته من جديد (أيمن العتوم من رواية يا صاحبى السجن).

عرفت مصر أدب السجون الذي جسدته الأعمال الفنية والأدبية فى النصف الأول من القرن العشرين إبان الاحتلال الإنجليزي ثم عقب فترة الستينيات بشكل خاص وارتبط هذا الانتاج بفترات الاستبداد السياسي وخنق الحريات وقمع المعارضين، أدب السجون مرتبط بشكل أساسي بالدول البعيدة عن الديموقراطية والتى تشهد ممارسات تنتهك حقوق الانسان وتهدر كرامته ولعل أهم الروايات العربية التى كُتبت فى هذا الاتجاه وثقت تجارب حقيقية شديدة الإنسانية والمأساوية فى مصر وسوريا.

فى يونيو2012 صدر تقرير هام عن مؤسسة ماعت الحقوقية عن أوضاع السجناء بمصر قالت فيه أن مصر بها 180 ألف سجين بـ 45 سجناً فى أنحاء الجمهورية، 28% منهم مدانون في تهم مادية وقروض والأوضاع الاقتصادية الصعبة هى الدافع الأساسى لارتكابهم الجريمة، وأشار التقرير أن حوالى 28.8% منهم عليهم أحكام مخدرات ما بين اتجار وتعاط، و4.7% اعتقال سياسى، و12.7% مقاومة سلطات وبلطجة وشروع في قتل، و4.5% تزوير ونصب وسرقة، و9.5% قتل، و5% حيازة سلاح، و6% تهم أخرى. ومن عدة شهور قالت منظمة هيومان رايتس ووتش أن عدد المعتقلين السياسيين فى مصر يقدر بحوالى 41 ألف معتقل وأصرت الحكومة على أنه لا يوجد معتقلين سياسيين فى مصر وأن كل الموجودين بالسجون هم محبوسون احتياطيا على ذمة قضايا أو صدر ضدهم أحكام واجبة التنفيذ وهو ما تراه المنظمات الحقوقية التفافا حول قضية المعتقلين السياسيين التى تصاعدت بالتوازى معها ظاهرة الاختفاء القسري وعودة زوار الفجر.

لفت نظرى خلال الأسبوع الماضى ما نشرته الصحف عن تظاهر العشرات من أعضاء منظمة العفو الدولية بنيوزيلندا، تضامنا مع الطفل محمود محمد، المعروف إعلاميا ب (معتقل التيشيرت) ومحمود محمد أحمد، طالب بالصف الثاني الثانوي، ألقي القبض عليه في 25 يناير 2014 خلال أحداث الذكرى الثالثة للثورة بسبب «تيشرت» ارتداه وكتب عليه جملة «وطن بلا تعذيب». ووجهت له اتهامات بـ«الانتماء إلى جماعة إرهابية، حيازة مفرقعات ومولوتوف، والتحريض على أعمال عنف»، وما زال في السجن حتى الآن رهن الاعتقال.

الجدل الدائر بين الحكومة والحقوقيين حول قضية المعتقلين السياسيين لن يغير من حقيقة تأثير هذه القضية عن عزوف الناخبين عن المشاركة فى الانتخابات البرلمانية الحالية ومقاطعة الشباب للعملية السياسية وانهيار ثقتهم فى السلطة وعدم رضاهم عن ممارساتها، يُصر البعض على تسطيح الأمور والايحاء بأن الأصوات الشبابية الغاضبة محدودة وأنها مجرد انعكاس لبعض النشطاء السياسيين المعروفين من أصحاب الصوت الاحتجاجي العالي والحقيقة أن المسألة أعقد من ذلك بكثير.

حالة الانفصام بين الشباب والسلطة آخذة فى الازدياد ولن تنجح هاشتاجات تافهة على مواقع التواصل الاجتماعي فى التحقير من قضية المعتقلين السياسيين أو الترويج لمبررات لإبقاء الشباب بالسجون، الاحتقان يتصاعد والنفوس تغلى والغضب يتفاقم والمشهد السياسى العام مثير للإحباط ويؤكد على صدق خيار الانصراف عنه لعدم جديته وهزله وقبحه بعد أن امتلأ ببلطجية السياسة وأبواق الشتائم وآلهة الوطنية الذين يكيلون الاتهامات الحقيرة للشرفاء ويوزعون صكوك الوطنية على هواهم فى ابتذال منحط.

لا أحد يصدق أننا نسير فى الاتجاه الصحيح فكل الشواهد تؤكد أننا على خطر عظيم، يبدو المشهد فى مصر الآن كإناء يغلى ويتصاعد منه البخار فنقوم بإحكام غلقه بدلا من فتحه للتنفيس ومنع انفجاره، هذا ما يحدث فى مصر حرفيا، فبدلا من انهاء قضية المعتقلين السياسيين إذا بهم يزيدون وترتفع أعدادهم وتتوسع دائرة البطش لتطال أناسا لا غبار عليهم كان آخرهم الصحفى والباحث المعروف هشام جعفر الذى تعكس كتاباته وأطروحاته قيم الاعتدال والتسامح وتتجلى منها المهنية الرفيعة التى علمها لكثير من شباب الاعلاميين والباحثين الذين تتلمذوا على يديه

نحن ندير مصر بمنطق الخوف وكل من يتوقع منه أي تأثير محتمل لا بد من إخراس صوته بطريقة ما، فهذا يتم اغتياله معنويا عبر الاعلام وهذا يتم اعتقاله وهذا يتم ابتزازه وارهابه بتلفيق وافتراء وزيف مع إفساح الفرصة للشتامين ومدعى الوطنية لتصدر المشهد ومنع المعارضين من الظهور فى الاعلام واقتصار المساحات المتاحة لهم فى عدة سطور يكتبونها قد لا تصل إلى لعدد محدود.

الانفراد بالرأي وإقصاء المختلف يخلق طبقة سياسية طفيلية تنافق النظام وتمجد فيه وتعميه عن الشعور بالسلبيات والمخاطر وإذا عصفت الرياح يوما بالسفينة فإن هؤلاء سرعان ما يقفزون منها خوف الغرق ويبحثون عن سفينة أخرى، قضية المعتقلين السياسيين قضية تأسيسية ومفتاح لتخفيف الاحتقان الحالي والتقاط الانفاس لإعادة قراءة المشهد وتصحيح المسار، عدم إدراك أننا وصلنا لمرحلة التيه كارثة لأننا لن نكلف أنفسنا بالبحث عن مسارات النجاة، فلنفتح أبواب الحرية لندلف للمستقبل.