هذا المقال بقلم د.عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
يمكن اعتبار أن مسار الأزمة السورية يدخل في مرحلة يمكن اصطلاح تسميتها بمرحلة "صناعة المعارضة" في ظل حالة من التناغم والتوافق بين واشنطن وموسكو بهذا الصدد. مع التدخل العسكري الروسي في سوريا، كان من الطبيعي ان يتم البحث عن تفعيل الجانب السياسي للأزمة لمحاولة اقتناص لحظة انطلاق العملية السياسية. السعي الروسي لاستثمار التحرك العسكري سياسياً وضع موسكو أمام التحدي المتمثل بغياب جسم حقيقي للمعارضة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري، الأمر الذي تسعى موسكو جاهدة اليوم لتجاوزه حتى يتسنى لها تجسير آخر الخلافات الدولية حول الصورة العامة للحل السياسي في سوريا خصوصاً أن موسكو كانت قد قطعت شوطاً مهماً في التواصل مع أطياف المعارضة السياسية السورية، وبدأت تسعى في هذه المرحلة لايجاد طرف عسكري على الأرض يمكن التواصل والتنسيق معه.
فبعد أن صرحت موسكو عدة مرات بعدم وجود أي تنظيم يمكن التنسيق العسكري معه وخصت بذلك الجيش الحر، عادت وأبدت استعدادها للتعاون مع فصائل التنظيم العسكري، الأمر الذي يثبت أن موسكو تسعى اليوم لصناعة معارضة عسكرية يتم التعاون معها على الأرض وبالتالي تتحول موسكو من حليف حصري للنظام الى حليف لكافة القوى "غير الإرهابية" الساعية لمكافحة الارهاب مما يقوي نفوذها كوسيط قادر على الدفع ببدء العملية السياسية. فالحالة التي انتشرت في سوريا على مدار السنوات الماضية في سوريا أثبتت تحول مجمل تفريخات المعارضة العسكرية الى تنظيمات "اسلامية" سواء بالاسم او بالسلوك او الفكر، وهو ما يفسر ان حجم الدعم المادي واللوجستي والتسهيلات كانت تقدم لهذا النمط من المعارضات. لكن مع التحول في الموقف الدولي مؤخراً أصبح من الضروري افراز معارضة وطنية مقاتلة على الارض وهو ما يعني ضرورة الابتعاد عن المفاهيم السائدة سابقا والركض الى الامام باتجاه خلق تركيبة قادرة على الاندماج مستقبلاً في المؤسسة العسكرية السورية.
الاتفاق على مفهوم الارهاب وتصنيف التنظيمات الارهابية يضع مجمل التنظيمات الحالية العاملة في سوريا في عين الاستهداف العسكري ويحولها الى نقطة يتم بناء التقاربات بين كل من يرغب في قتتلها.
أما في الحالة السياسية، فمعطلات انطلاق عجلة الحل السياسي اليوم بدأت تختزل بصورة واضحة لتصل الى موضوع حق الرئيس الأسد بالترشح من عدمه مما يعني ان الاتفاق على الخطوات الأولية قد تم وبالتالي ليس هناك ما يمنع ان يتم التعامل مع الحل السياسي ضمن سياسة التجزيء و التي قد تبدأ بتشكيل حكومة سورية ذات صلاحيات واسعة وممثلة من المعارضة والدولة السورية.
تعاظم التحديات الارهابية واحتمالية توسع المواجهات يجعل من الصعب استمرار تعطيل الاتفاق على مبادئ الحل السياسي للازمة السورية خصوصاً أن معظم أدوات ودول التعطيل لم تقدم الى اليوم اي طرح عملي او عقلاني لشكل الحل، ولم تستطع ان تساعد في بناء معارضة وطنية قادرة على قيادة عملية تغيير سياسي او الاضطلاع بدور أساسي في المشهد السوري، لهذا من الطبيعي ان تسعى كثير من اطراف المشهد السوري الى التكيف مع الواقع الجديد والنأي بنفسها عن عوامل تعطيل عملية الحل السياسي.