هذا المقال بقلم د. ألون بن مئير والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
لا يمكن لأي شكل جديد لمفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين أن ينجح إلا إذا أخذ بعين الإعتبار الأسباب الكامنة وراء فشل المفاوضات السابقة للتأكد من أن نفس الأخطاء لن تتكرر. وفيما يلي بعض أهم الأسباب البارزة وراء انهيار المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية السابقة.
الخلاف حول قواعد الإنخراط في المفاوضات: نظراً للخلاف الشديد بين الطرفين على مختلف القضايا، أصر كل طرف على قواعد الإنخراط التي يمكن أن تخدم مصالحه الاستراتيجية أولاً. على سبيل المثال، أصرت إسرائيل على أن المفاوضات يجب أولا ً أن تأخذ بعين الإعتبار قضاياها الأمنية الوطنية الحيوية ، في حين أن الفلسطينيين يريدون التفاوض بشأن الحدود أولاً لوضع معايير دولتهم.
علاوة ً على ذلك، فقد فشل كلا الجانبين في فصل القضايا المتنازع عليها عن بعضها البعض بحجة أنه لن يتم الإتفاق على شيء ما لم يتم الإتفاق على كل شيء في نفس الوقت. أضف إلى ذلك، من خلال عدم وضعهم جانباً أية قضية كانت موضع خلاف وتمّ بشأنها التوصّل إلى اتفاق، أصبح من الصعب عليهم إحراز تقدم كبيرلأنهم في كل مرة يدخلون في مفاوضات جديدة يكون لزاما ً عليهم البدء من نقطة الصفر.
انعدام الثقة: واحدة من أكثر المشاكل الصعبة هو انعدام الثقة بين الجانبين، كما أن أياً منهما لم يبذل أي جهد للتخفيف من ذلك. بل على العكس، فقد قام كلّ منهما بإجراءات على أرض الواقع بشكل ٍ إستفزازي، مثل بناء وتوسيع المستوطنات، تطور نحو العنف المتعمّد، والإنخراط في الإنتقادات العلنية بطرق من شأنها أن تعمّق فقط عدم الثقة. وعلاوة على ذلك، "الكيمياء الشخصية" والإتصالات التي يمكن أن تحفز الثقة بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، كانت وما زالت غائبة.
الفشل في إشراك الجمهور: لقد فشل كلا الجانبين في إشراك الرأي العام في بلدانهم في تقدم عملية السلام (أو عدم تقدّمها) ، في طلب الدعم لذلك، وإعداد مواطنيها لقبول التنازلات التي لا مفر منها والتي ستكون ضروريّة للتوصل إلى اتفاق.
وعلاوة على ذلك، ُتركت الصحافة في الظلام ولم ُيسمح لها أن تشهد أو تقيس أي جانب من جوانب المفاوضات لإحداث نقاش عام، الأمر الذي يترك الجمهور بتوقعات ضئيلة أو معدومة أو أمل ضعيف في أن مفاوضات السلام قد تؤدي في الواقع إلى اتفاق.
الفصائليّة السياسية: ولما كانت غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين (إستنادا ً إلى العديد من استطلاعات الرأي التي أجريت على مدى السنوات الأخيرة) تدعم بثبات حلّ الصراع على أساس دولتين، فقد جعل التشرذم السياسي داخل المجتمعين التنازل عن تلك القضيّة أو أية قضية أخرى أمرا ً صعباً للغاية.
وعلى الرغم من أنّ المعارضة الرئيسية من طرف المعارضين السياسيين الذين لديهم أجندات مختلفة تمثل فقط جزءاً صغيرا ً من العدد الكلي للسكان، إلاّ أنها كانت تفسد باستمرار محادثات السلام. حركة الإستيطان في إسرائيل و الجماعات الجهادية المتطرفة بين الفلسطينيين تمارس نفوذا ً سياسيّاً أكبر بكثير من أعدادها ونجحت حتى الآن في إقصاء أي احتمال للسلام، مبرّرين رفضهم لاستيعاب الآخر.
تفاوت القوة في المفاوضات: حيث أنّ إسرائيل تتمتع بتفوق القوة العسكرية والاقتصادية وتتفاوض من موقع قوة، يعيش الفلسطينيون تحت الإحتلال بقدرة محدودة على تحدي إسرائيل. ونتيجة لذلك، فقد سعوا لتحقيق التوازن بين علاقات القوّة على طاولة المفاوضات أو قبل بدء المفاوضات مع اسرائيل من خلال المطالبة، على سبيل المثال، بتجميد الإستيطان أو إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، الأمر التي رفضته اسرائيل.
عدم وجود إستراتيجيّة أمريكيّة شاملة: لم تتبع الولايات المتحدة بعناية كوسيط إطاراً للمفاوضات من شأنه أن يوجه كلا الطرفين لتقديم التنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق.
في الواقع، بما أنّ كلا الطرفين، إسرائيل والفلسطينيين، كانا في كثير من الأحيان مترددين وغيّرا مسارهما عن قصد أو بحكم الظروف، فقد غيّرت الولايات المتحدة (من واقع الإحباط) نهجها الإستراتيجي تبعا َ لذلك، وبالتالي فقدت الثبات والسيطرة على عملية التفاوض، الأمر الذي أدى إلى الفشل المتكرر.
عدم وجود عواقب للفشل: على الرغم من أن الولايات المتحدة عرضت الحوافز الإقتصادية والأمنية على الطرفين للتوصل إلى اتفاق، غير أنها افتقرت إلى نهج استراتيجي ولم تضع أية عواقب في حالة عدم التوصل إلى اتفاق. ومع عدم وجود آلية لمعاقبة أحد أو كلا الجانبين لعدم إحراز تقدم جدي، جعلهما في وضع ٍ يقاوم أي ضغط، مع علمهما أنّ بإمكانهما القيام بذلك بدون عقاب.
غياب القيادة الجريئة: لقد كان هناك غياب خطير على كلا الجانبين لقيادة شجاعة ذات رؤية تتحرك ضد التيار السياسي من أجل هدف أكبر وذلك من خلال تقديم تنازلات مهمة لبعضهما البعض للمضي قدماً في مفاوضات السلام. فمنذ اتفاقات أوسلو عام 1993، التي وقّعها اسحق رابين وياسر عرفات، لم يقدّم أيّ من الطرفين زعيما ً بقوة وقناعة للمخاطرة من أجل التعايش السلمي. وهذا الشعور بضعف القيادة يجب أن يُعالج قبل البدء بجولة جديدة من المفاوضات ، ولكن هذا ليس من المرجح أن يحدث من دون ضغوط خارجية مكثفة وثابتة.
يجب على الجهود الدوليّة الجديدة الرامية لاستئناف مفاوضات السلام ألا تغفل عن المطلب الشعبي للأغلبية على كلا الجانبين للعيش في سلام، لأنها لا تستطيع من تلقاء نفسها أن تصطلح مع بعضها البعض.
ويجب على الإضطرابات والثورات الإقليميّة ألا تحبط عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. على العكس من ذلك، ينبغي أن تكون بمثابة الحافز الذي يمكن أن ينهي واحداً من أطول الصراعات في التاريخ الحديث.
كشفت التجارب السابقة أيضاً أنه على الرغم من إحراز بعض التقدم من خلال وساطة الولايات المتحدة، فشلت المفاوضات في التوصل إلى اتفاق وليس هناك ما يشير إلى أن استئناف المفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مختلفة.
وعلى هذا النحو، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن التدخل الدولي هو الوحيد الذي من شأنه أن يوفر القناة العملية لمفاوضات السلام وتشجيع أو تحفيز الجانبين على التوصل الى تفاهم على حتمية التعايش السلمي بينهما.
ودور الولايات المتحدة أمر أساسي ومركزي لنجاح هذه الجهود، شريطة أن يتوقف أوباما أو خلفه عن تمكين إسرائيل من متابعة مسار تدميرها الذاتي، وذلك بعدم تزويدها بصورة غير مشروطة بالدعم السياسي والإقتصادي والعسكري.
في الواقع يبقى حل الدولتين الخيار الوحيد القابل للتطبيق الذي يسمح للتعايش السلمي، والذي يجب أن تستند عليه أية مبادرة جديدة.