رأي.. "الحرب على "داعش".. هل ستتفق الدول على استراتيجية مشتركة؟"

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير عامر السبايلة
رأي.. "الحرب على "داعش".. هل ستتفق الدول على استراتيجية مشتركة؟"
مقاتل كردي يسير بالقرب من رسم بشعار تنظيم "داعش" في شمالي بلدة سنجار الغراقية في 13 نوفمبر/تشرين ثاني عام 2015.Credit: SAFIN HAMED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم د. عامر السبايلة، والآراء الواردة أدناه لا تعكس بالضرورة وجهة رأي شبكة CNN.

بالرغم من اجماع كافة القوى على ضرورة محاربة تنظيم داعش عبر استراتيجية فاعلة الا ان الخلاف على شكل هذه الاستراتيجية بدا واضحاً منذ البداية. منذ بدء التحالف الدولي ظهرت حالة التخبط في شكل هذا التحالف وأهدافه وحتى في نمط عمله وقدرته الفعلية على وضع حد لتمدد تنظيم داعش. حالة التخبط هذه رسخت القناعة بعدم وجود استراتيجية حقيقية قادرة على مواجهة المخاطر القادمة، الامر الذي وضع كثير من الدول امام تحدي حقيقي لا يمكن السكوت عنه او التعامل معه وفق منطق الانتظار. في ظل ها التخبط جاء الدخول الروسي الى المشهد السوري عبر بوابة مكافحة الارهاب واعتبار أن تجفيف منابع الارهاب المتشكل في سوريا وملاحقة امتداداته وتفريعاته المتعددة بات أمراً لا يقبل التأجيل. 

معظم الدول وخاصة العربية التي رحبت وشاركت في التحالف الدولي وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع الواقع الجديد وفي ظل استمرار غياب اي استراتيجية امريكية وجدت كثير من الدول نفسها تنساق للموقف الروسي الذي بدا وكأنه الموقف الوحيد القادر على اتخاذ اجراءات حقيقية على الارض. جاءت أحداث باريس الاخيرة لاحقاً لتعلن بداية انتقال هذا التحرك الى الدول الاوروبية وأهمها فرنسا التي وجدت نفسها في خانة المتضرر الاول من معادلة السكوت على التنظيم، لتتبعها بريطانيا ومن المتوقع ان تقوم كثير من الدول بخطوات مشابهة.

هذه المعطيات تشير ان الاحداث على الارض أصبحت هي من تفرض تشكيل الاستراتيجية القادمة، وتفرض على الدول ضرورة اتخاذ مواقف حقيقية في إطار المواجهة التي باتت لا تستثني أحداً. لكن في خضم هذه الاخطار يبقى السؤال المنطقي يتمحور حول قناعة الجميع بحجم هذا الخطر المشترك. فان كان خطر تنظيم داعش يطال الجميع فما الذي يمنع اليوم ان تتوحد الجهود للوصول الى صيغة مواجهة موحدة دون التفكير بالمكاسب السياسية التي قد يكسبها او يُحرم منها أحد الاطراف.    

في سياق التطورات على الارض، جاءت حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا لتضع الجميع على المحك، خصوصاً أن موسكو تصر على عدم قراءة هذه الواقعة بعيداً عن سيناريو تعطيل اجراءات مكافحة الارهاب التي اتخذتها أو التشويش على احتمالية انجاز الحل السياسي. في المقابل وجدت كثير من الاوساط السياسية الاوروبية والاطلسية في عملية استهداف الطيار اثناء نزوله الى الارض أمراً مرفوضاً تماماً ولا يمكن قبوله تحت أي اعتبار. لهذا فان هذه الحادثة وضعت تركيا اليوم تحت مجهر المراقبة الدولية و بدا واضحاً ان حالة التشكيك بالإجراءات التركية في التعامل مع الارهاب العابر للحدود تحولت اليوم الى اصابع اتهام توجه مباشر لأنقرة في بعض الحالات، او على شكل اقرار دون تصريح في حالات أخرى، مما يعني انه لابد أنقرة أصبحت مضطرة ان تنأى بنفسها عن هذه الاتهامات خصوصاً ان كثير من التقارير الامنية الاوروبية تشير ان أغلب الارهابيين و المتشددين الذي يشكلون تهديداً حقيقياً لأوروبا او من قاموا بعمليات مباشرة على الارض الاوروبية في الفترة الاخيرة كانوا قد عبروا الحدود التركية باتجاه سوريا أو أقاموا على الاراضي التركية و بالتالي فان تركيا مطالبة بإظهار تعاون حقيقي و فعال في مواجهة التحديات القادمة.    

 استراتيجية مكافحة الارهاب لا يمكن ان تكون استراتيجية فردية ولا يمكن الحصول على نتائج ايجابية في هذه المواجهة الا بتوحيد الجهود لا بتعددها. المواجهة مع الارهاب وصلت مرحلة حاسمة لا يمكن السكوت عنها، مما يتطلب تحرك نوعي تجاه تجسير هوة الخلافات بين التحالف الدولي والتحرك الروسي الذي بات يعتبر أمراً واقعاً ولابد من استيعابه والتعامل معه وفقاً لكثير من الادبيات السياسية الجديدة التي باتت دول رئيسية في المحور الامريكي تتعامل معها من باب الواقع الجديد.