هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
من جماعة التوحيد والجهاد بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي انطلق، وبمرحلة دولة العراق الإسلاميّة فالدولة الإسلاميّة في العراق والشّام مرّ، ثمّ بالدولة الإسلاميّة بزعامة العراقي أبي بكر البغدادي حطّ الرحال، كانت هذه قصّة أخطر وأغنى تنظيم جهادي إرهابيّ عرفه التّاريخ الحديث ببساطة.
لم تكن "الدّولة الإسلاميّة" سوى مجموعة من الجماعات الجهاديّة والوطنيّة التي قاتلت الجيش الأمريكي في العراق إبّان سنوات الإحتلال، متّخذة من محافظة الأنبار معقلا لها بعد أن خاضت في مدنها أصعب وأشرس المعارك في التاريخ الحديث.
عام 2006 شكّلت الولايات المتحدة الأمريكية ودعمت مجالس الصّحوة في العراق بالمال والسّلاح بعد أن ضمّت عشرات التجمّعات العشائريّة السنيّة، وولّت زعامتها لعبد الستار أبو ريشة وكان الهدف من ذلك مواجهة دولة العراق الإسلاميّة ووقف تمدّدها داخل المدن العراقيّة.
بعد سنوات معدودة نجح منتسبو الصحوات في إخراج المقاتلين الموالين لتنظيم القاعدة من المدن العراقيّة وإجبارهم على التراجع إلى صحاري محافظة "الأنبار"، والّتي أصبحت فيما بعد منطلقا لعمليّاتهم ضدّ قوّات التّحالف بقيادة الولايات المتحدة وضدّ الجيش العراقي.
في 9 من شهر أبريل 2013 أعلن زعيم تنظيم الدّولة الإسلاميّة أبو بكر البغدادي في كلمة صوتية عن تمدّد دولة العراق الإسلاميّة إلى سوريا وحلّ الفرع السوري لتنظيم القاعدة "جبهة النصرة" وانصهاره في مسمّى جديد "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام"، لكنّ قراره جوبه بالرفض من قبل أمير "النصرة" أبو محمد الجولاني ليبدأ أوّل انشقاق بين الجهاديّين وأوّل تمدّد فعلي لتنظيم الدّولة في الآن ذاته.
كان إعلان التّمدّد محاولة لإعادة ترتيب الأوراق داخل دولة العراق الإسلاميّة وبناء قاعدة صلبة في سوريا تنطلق بعد بنائها نحو إعادة الهجوم والسيطرة على بعض المدن العراقيّة الّتي أُخرِجوا منها عُنوة بقوّة سلاح القوّات الأمنيّة العراقيّة المدعومة بمقاتلي الصّحوات السنيّة.
وفي شهر ديسمبر كانون الأوّل 2013، كانت جموع الجهاديّين منظّمة داخل المدن السّورية بفضل امتلاكها لكمّيّة هامّة من السّلاح وعدد كبير من المقاتلين بينما كانت في العراق مشتّتة ومتفرّقة في صحاري الأنبار، ممّا أنذر بقرب زوالها حتّى أنّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال الأحد 22 ديسمبر 2013 إنّ أسبوعا واحدا يكفي للقضاء على "تنظيم القاعدة" بعد بدء عملية عسكرية واسعة في المناطق الصحراوية الواقعة بمحافظة الأنبار.
ربّما تناسى القائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية نوري المالكي قبل أن يتوعّد بهزيمة مسلّحي القاعدة في أسبوع واحد، ما قاله زعيم تنظيم الدّولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في كلمته "باقية في العراق والشّامّ" الّتي من المؤكّد أنّه سمعها بتمعّن ورويّة ولكنّ النسيان آفة هذا الزّمان، ففي تلك الكلمة "لم يكن البغدادي ينطق عن الهوى، ولم يكن يتلقى "وحيا يوحى" عندما وعد أنصاره بأنّ دولته باقية رغم كلّ المصاعب لأنّه يعلم جيّدا أنّ تنظيمه يتوافر على خبرة نظرية وعملية طويلة في التعامل مع بؤر التوتر ومناطق النزاعات والصراعات ستمكّنه من البقاء لأطول فترة ممكنة.
بعد 3 أسابيع من إخماد الإنتفاضة السنية بالقوّة من قبل قوّات الأمن العراقيّة، خرجت "داعش" من الصّحاري ودخلت المدن السنّية بعد أن وجدت بداخلها حواضن شعبيّة، فبدأت المدن تتساقط الواحدة تلو الأخرى في قبضة التنظيم ليستفيق العالم بعد ستّة أشهر على وقع السيطرة على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى وثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السّكّان.
لتحقيق أهدافه المرسومة مسبقا، اعتمد تنظيم الدّولة على استراتيجية الصدمة والمفاجأة في عمليّاته العسكريّة وإصداراته المرئيّة وكلمات قيادييه، فبعد أن أعلن أبو بكر البغدادي في التاسع من نيسان/أبريل 2013 عن تأسيس "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وبعد سيطرة مقاتليه الثلاثاء 10 يونيو/حزيران 2014 على مدينة الموصل العراقية، ظهر المتحدّث الرسمي "للدّولة الإسلاميّة" أبو محمد العدناني في 29 من نفس الشهر ومع أول أيام شهر رمضان مفاجئا العالم بإعلانه قيام دولة "الخلافة" وتعيين أبي بكر البغدادي "خليفة للمسلمين".
وبعد أكثر من سنة على إعلان ما أسماه الخلافة الإسلامية، نجح تنظيم الدولة في البقاء والصمود أمام مئات الآلاف من القوات العراقية والسورية والميليشيات الشيعية المدعومة من تحالف دولي فاقت عدد دولة الستين، رغم كثافة القصف برا وبحرا وجوّا، بل نجح أيضا في التمدّد خارج حدوده والسيطرة على مدن أخرى في كلّ من العراق وسوريا.
كان نجاح تنظيم الدّولة في البقاء واقعا لا يمكن انكاره في حين خضع التّمدّد لقاعدة الكر والفر بين مقاتلي التنظيم والقوات الحكومية العراقية والسورية، ففي العراق وبعد أكثر من سنة على سقوط مدينة الموصل، تعاقب مقاتلو "الدّولة الإسلاميّة"والقوات العراقيّة على حكم مدينة "بيجي" الّتي ظلّت محاصرة من جانب القوّات العراقيّة لأشهر عديدة قبل أن تتمكّن من السّيطرة الكاملة عليها في شهر أكتوبر الماضي بعد معارك عنيفة خاضتها ضدّ التّنظيم.
.بيجي" لم تكن المدينة الوحيدة الّتي شهدت معارك كرّ وفرّ بين القوّات العراقيّة وبين مقاتلي تنظيم الدّولة، فمدينة الرّمادي عاصمة محافظة "الأنبار" شهدت هي الأخرى طيلة الأشهر الأخيرة معارك ضارية أسفرت عن سقوطها في قبضة التّنظيم وضمّها إلى "مدن الخلافة" وهو ما أحدث صدمة داخل التّحالف الدّولي حتّى أنّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما من هول الخسارة وصفها في مقابلته مع مجلة ذي أتلانتك الأمريكية بأنها "تراجع تكتيكي بسبب أنّ المدينة في وضع هش منذ وقت طويل".
في الأشهر الماضية بدأ تنظيم الدّولة بخسارة بعض المناطق في كل من العراق وسوريا، حيث تمكنّت قوّات البيشمركة من إعادة السّيطرة على قضاء سنجار غرب محافظة نينوى كما سيطر مقاتلو وحدات حماية الشعب الكرديّة على مدينة تل أبيض التابعة لمحافظة الرقّة السوريّة بالإضافة إلى بسط قوات سوريا الديمقراطية نفوذها على بلدة الهول قرب الحدود السورية العراقية وعدد من القرى على طريق الحسكة – الشدادي.
تنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة في مواقع دفاع لا هجوم في المدن والقرى التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا والسبب الرئيسي في ذلك كثافة قصف طائرات التحالف التي ملأت سماء العراق وسوريا بدءًا من الطائرات بدون طيار وصولا الى آخر أنواع السوخوي والرافال والـF الأمريكية بأنواعها، لكن ورغم ذلك يبقى الشّعار الّذي رفعه التّنظيم "باقية وتتمدّد" حقيقة لا جدال فيها، فالبقاء متواصل مع تواصل السيطرة على مدينتي الرقّة والموصل في كلّ من سوريا والعراق، في حين خضع "التّمدّد" لمبدأ الكرّ والفرّ.
فهل تبدأ مرحلة الفناء والتّبدّد بعد مرور أكثر من سنة طبّق خلالها التّنظيم فعليّا شعار باقية وتتمدّد؟