كاتب المقال: محمد داودية، المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بأي شكل وجهة نظر لـ CNN.
يضيف النزاع السعودي – الإيراني الدبلوماسي الجديد، الناجم عن انتهاك حرمة سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، حطبا كلاميا إضافيا فوق مراجل العنف والدم والخراب، الذي يعم المنطقة، وتشكل السعودية وإيران أكبر القوى المشاركة فيه والمؤججة له.
وتتراوح التخمينات والتكهنات، حول مدى تدهورعلاقات الدولتين وانهيارها، بعد هاتين المقارفتين الايرانيتين، ما بين الحرب العابرة للتصريحات الإعلامية وبين التهدئة المشوبة بتوتر، سيطوق ويضبط.
لا صدى لأية قرقعة سلاح في الخليج العربي، ولا توقع ان يتفاقم النزاع السعودي الإيراني الدبلوماسي، الى اية احتكاكات عسكرية، ولو من ادنى الدرجات، فالدولتان تتقاتلان بالوكالة منذ سنوات، في اكثر من ساحة - لبنان، سوريا، اليمن- ولا فرصة لحرب بالاصالة بينهما، لانها ستكون حربا لا تبقي و لا تذر، ستحرق الخليج وآبار نفطه ومقدراته ورفاهه، علاوة على ان إرادتي الدولتين في هذا الميدان، مسيرتان ومسخرتان وليستا متروكتين الى النزق او الخرق.
أيضاً: لماذا يستمر تدهور أسعار النفط بذورة المواجهة بين السعودية وإيران؟ خبراء يشرحون الأسباب
إن المرجح هو ان يدفع الاتفاق الروسي الأمريكي الى تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، لا الى دفعها نحو هاوية الحرب، التي لا تستطيع الدولتان تحمل كلفتها، حتى لو رغبتا فيها.
ان اميركا وروسيا، اللتان تمسكان دفة الحرب والسلم في سوريا والاقليم، والتي تشكل الرياض وطهران اداتين فاعلتين من ادواتها، قد حسمتا امريهما كليا باتجاه وقف الحرب السورية وقفا كاملا، تحت ضغط 3 عوامل اكبر من طاقة الغرب على تحملها هي:
- حريق الإرهاب الذي يمسك بثوب الغرب ويمكن ان يتطور.
- الخوف من تدفق اللاجئين غير المضبوط واللامحدود، الى أوروبا.
- عدم القدرة على اطاحة الأسد، ولاحقا عدم الرغبة في اطاحته، تحت ضغط صموده لمدة خمس سنوات ومخاطر بدائله وغموضها وتعددها.
تنوء دول الاتحاد الاوروبي والغرب عموما، تحت "رهاب الإرهاب" وتهديده الخطير، الذي جعل شوارع أوروبا شبه خالية في ليلة راس السنة، بسبب التحذيرات الحمراء، من عمليات إرهابية، خاصة في المانيا.
وتضطرب دول الاتحاد الاوروبي وتنوء تحت ضغط موجة لاجئين سوريين، تقدر بمئات الآلاف، وتسارع الى اغراء تركيا بـ 3 مليارات دولار، للمساعدة في وقف تدفق اللاجئين الى دولها، وتُمنّي دولَ الجوار، بالمزيد من المساعدات، لاستضافة المزيد من اللاجئين السوريين ( الأردن، تركيا، لبنان، العراق )، ويدفع الفزع دولة أوروبية كالمجر الى رفع اسلاك شائكة على طول حدودها مع صربيا، في حين تسارع أوروبا الى مجلس الامن الدولي، الذي "يسك" لها قرارا عاجلا بالاجماع، يرسم خريطة طريق للمسار السياسي للحرب السورية، وفورا تستضيف السعودية ملتقى للمعارضة السورية، لتسمي فيه ىقياداتها ولتسمي وفدها المفاوض مع النظام، وتضع الأردن لائحتها التي تصنف المنظمات المتقاتلة في سوريا الى ارهابية ومعتدلة ومتطرفة.
حرب دموية وحشية تستمر منذ خمس سنوات في سوريا، ازهقت أرواح نحو 250 ألف سوري، يضع الساسة الأوروبيون والايرانيون والعرب، الذين غذوها واداموها، تفاصيل نهايتها خلال أسبوعين فقط، ويدفع بضعة الاف من اللاجئين والمشردين السوريين، دول أوروبا الى الفزع، ولا يثير فزعها نحو 6.7 مليون نازح سوري داخل سوريا و4.3 مليون لاجئ سوري خارجها.
ضربات الإرهاب الدموية في العراق وسوريا واليمن وليبيا والسعودية وتركيا، التي خلّفت آلاف القتلى، لم تحرك اساطيل أوروبا الجوية والبحرية. في حين ان سقوط 129 قتيلا فرنسيا -ندين قتلهم- يحرك الاساطيل والبوارج وحاملات الطائرات والصواريخ الأحدث، وفوق كل ذلك، يستولد في جلسة واحدة، قرار مجلس الامن 2254 وكل اجتماعاته الاقليمية.
سحابة عابرة، هي زوبعة الرياض طهران الدبلوماسية، التي سرعان ما تنفثيءُ فقاعتها، دون ان تعيق انطلاق محركات الحل السياسي للحرب السورية، التي تأخذ في الدوران الآن، وستتسارع عما قريب.
تظل بقايا كعكة النفط التي ستزدردها الدول بائعة السلاح: اميركا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، وستعصر موازنات الدول النفطية وستفرغ خزائنها وتسجل المزيد من العجز وتأتي على مدخراتها لدرجة دفعها الى الاقتراض، فموازنات الدول النفطية، لم تعد تتحمل المزيد من الانفاق على شراء الذخائر والأسلحة، لإمداد جماعاتها المسلحة في سوريا واليمن.
لم يعد في مستطاع الدول المتورطة في حروب الإقليم، الاعتماد طويلا، على عائدات النفط، لتديم حروب الاقليم العبثية، اليمنية والسورية، ولذلك نشاهد تدشين غرف المفاوضات والتهيؤ الى إعادة ترتيب المنطقة وتركيبها على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" وإقناع الأطراف الممولة والمتقاتلة بإكراه التنازلات المؤلمة المتبادلة.
وتقف متأهبة على اطراف الإقليم، شركات إعادة البناء الغربية والروسية والصينية واليابانية الشرهة، التي تضغط -عبر إعلامها واحزابها ونقاباتها وبرلمانييها- بلا توقف، من اجل وقف حروب الاقليم، لتنطلق تلزيماتها وجرافاتها وجحافل مهندسيها وعمالها ولتتحول سيوف المتقاتلين المنهكين الى محاريث، فتقديرات كلفة إعادة إعمار سوريا وحدها تزيد على 500 مليار دولار وتقارب تقديرات كلفة إعادة اعمار اليمن وليبيا مبلغ 500 مليون دولار، رقم فلكي يقارب تريليون دولار، هو في انتظار البنوك المقرضة وشركات إعادة الاعمار ورجال الاعمال، الذين يختبؤون الان خلف سواتر مشاريع الحلول السياسية.