الرباط، المغرب (CNN) احتل موضوع الجهاد مكانة في الورقة التأصيلية لمؤتمر الأقليات غير المسلمة في الديار الإسلامية، الذي تحتضنه مدينة مراكش المغربية، وورد ضمن باب المفاهيم الملتبسة التي يقول المنظمون إن "الفكر المأزوم انحرف بها عن سياقاتها"، إذ يقول عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، إن الجهاد "مفهوم إنساني لا يختلف فيه الإسلام عن ميثاق الأمم"، بينما تٌطلق التنظيمات المتطرّفة لقب المجاهدين على مقاتليها، أثناء تنفيذهم عمليات ضد المدنيين والعسكريين.
ويثير موضوع الجهاد نقاشًا مهمًا بين العديد من الأقطاب الدينية عبر العالم، سيما وأن التنظيمات "الجهادية" حسب ما يسميها الإعلام، تستند إلى هذه الكلمة لتبرير مجموعة من عملياتها، وتعتبر أن كلمة الجهاد تعني خوض الحرب لأجل رفع راية الإسلام وإعادة خلق دولة الخلافة التي تحكم كل الأقطار الإسلامية بالشريعة، وتعمل هذه التنظيمات على استعمال نصوص من التراث الإسلامي، للتأكيد أن الجهاد لا يمرّ سوى بالطرق التي تنهجها.
ويتحدث بن بيه، رئيس المنتدى المنظم لهذا المؤتمر إلى جانب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، إن "الأصل في الجهاد هو تدبير حكومي للدفاع عن الوطن والحوزة، وعن الحرية بما فيها حرية التدين، وهو مفهوم إنساني له ضوابطه وروابطه وآدابه وأخلاقه، ولا حرب في الإسلام تفرض الدين على الناس".
وتابع بن بيه في الورقة التأصيلية للمؤتمر أن الجهاد ارتبط بسياقين، الأول عام وهو أن بيئة تشريع الجهاد ارتبطت بضرورة الدفاع عن حرية التدين، وإيجاد سلم في الجزيرة العربية التي كانت عبارة عن قبائل متناحرة، إذ لزم قدر من القوة لاستقرار الأوضاع، ولتبليغ الدعوة دون إكراه على التدين بالإسلام، فضلًا عن ضرورة تأمين الحدود.
أما الثاني فهو خاص حسب بن بيه، بمعنى أن آيات السيف ترتبط بسياق خاص جدًا، وإن العلاقة بينها هي علاقة إرجاء حيث تكون أحكامها مؤجلة حتى يرد ما يناسبها من الظروف والخصوصية، وإن آية "لا إكراه في الدين"، هي التي تنسخ كل أحكام القتال الديني، بمعنى أن اللجوء إلى السلاح فرضته بيئة معادية، لغرض حماية الدعوة الإسلامية التي تعتمد أساسًا على الموعظة والتذكير، وتوفير البيئة السليمة لمن يقبل الدخول في السلم.
ولعلّ "داعش" من أكبر التنظميات المتطرّفة التي تجعل كلمة الجهاد عنصرًا أساسيًا في قوامها، بل إن "داعش" يعتمد على منظومة فقهية متكاملة يُشرعن من خلالها الهجمات التي يقوم بها، ويستقطب بواسطتها مئات المقاتلين من عدة دول، وفي هذا يقول طلعت تاج الدين، المفتي العام لمسلمي روسيا، إن الجهاد لا يستقيم مع قتل الناس وتشريد الأسر وإراقة الدماء، بل إن معناه هو الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة والنقاش القائم على الاحترام.
ويمضي تاج الدين في حديثه مع CNN بالعربية، إلى أن معنى الجهاد في هذا العصر يجب أن يطال مجال التعاون مع بقية شعوب العالم للرقي بالإنسانية، معتبرًا أن الجهل هو أحد أسباب استمرار الالتباس في مفهوم الجهاد، وأن "إعلان مراكش" الذي سينبثق عن هذا المؤتمر، سيكون فرصة لشرح الجهاد بشكل علمي، ممّا يساهم في رفع أي ضبابية عن المفهوم.
ويقدّم الباحث المغربي في الشأن الديني، محمد عبد الوهاب رفيقي، ما يراها طريقة لتجاوز الالتباس الحاصل في مفهوم الجهاد، وذلك عبر العودة إلى كل النصوص الإسلامية التي يستدل بها حاليًا في شرعنة الجهاد من عدمه، للوصول إلى خلاصة أن هناك نصوصًا عامة لا سياق خاص لها، صالحة لكل زمان ومكان، ومنها أن الإسلام يحمي حرية المعتقد، وبين نصوص خاصة لها سياقات لم تعد حاضرة حاليًا، وهي النصوص التي تخصّ العلاقات مع الآخر الأجنبي.
ويضيف رفيقي لـCNN بالعربية أن الخلفاء الراشدين، تجاوزوا الكثير من النصوص رغم أنه واردة في القرآن، ومنها ما يخصّ توزيع الغنائيم وإقامة الحدود، ممّا يبين حسب قوله، أنه لا يمكن تنزيل كل نصّ ورد في القرآن حاليًا، وأنه اليوم، بعد مرور 14 قرنًا على نزول هذه النصوص، أضحت ضرورات الاجتهاد كثيرة جدًا.
ويتابع رفيقي: "لا يوجد في القرآن ما يدعو إلى قتال الآخر دون أن يكون ذلك دفاعًا عن النفس، أما الفتوحات الإسلامية التي يسميها البعض جهادًا، فهي عمليات توسعية امبراطوية لا علاقة لها بهذا المفهوم، إذ كانت الكثير من الامبراطوريات في القرون الماضية، تبحث عن التوسع عبر ضم أراضي جديدة، ومنها الدول الإسلامية".