تونس (CNN) مع دخول سنة أمازيغية جديدة، تواصل الاقلية الأمازيغية في تونس نضالها لإثبات وجودها في مجتمع كبر وترعرع في حضن ثقافة واحدة، إذ يرون أن اليوم أضحى يشكّل فرصة مواتية بالنسبة لهم لإثبات هويتهم كمكوّن من مكونات الدولة التونسية وتكريس وجودهم بعد تجاهل متعمّد قوبلوا به من طرف الأنظمة السابقة.
وانطلق سعي الأمازيغ في تونس لإثبات الذات بخطى ثابتة منذ ثورة الياسمين معتمدا بالخصوص على النشاط الجمعياتي للتعريف بوجودهم وإحياء ثقافتهم مستفيدين من مناخ الحرية الموجود في البلاد، فالثورة فتحت لهم الطريق للعودة من جديد الى الساحة والمطالبة بحقوقهم. هي طموحات وآمال وتطلعات وانتظارات كثيرة تحملها جراب الأمازيغ يرغبون في تحقيقها، عبر رحلة النضالية بدأت قبل 5 سنوات.
الإحصاءات الرسمية في تونس تقول، إن عدد الأمازيغ يبلغ نحو 500 ألف، أي ما يعادل نسبة خمسة في المائة من العدد الإجمالي لسكان البلاد، ولا يتحدث اللغة الأمازيغية سوى اثنين في المائة منهم، ويعيش أغلبهم بين قبائل الجنوب التونسي في محافظات قابس وقبلي وتطاوين خاصة بمطماطة وتمزرط وزراوة وتاجوت، وكذلك ببعض مدن الشمال الغربي، والحركة الأمازيغية في تونس ضعيفة مقارنة بما هو موجود عند جيرانها في الجزائر وليبيا والمغرب.
جيزال المحروقي إعلامية من أصل أمازيغي، تقول إن الأمازيغ هدفهم الوحيد من وراء تحركاتهم الأخيرة، هو الدفاع عن هويتهم وثقافتهم من الاندثار ومزيد التعريف بها والاعتراف بوجودهم، خاصة وأنه تم حرمانهم من الظهور خلال العهود السابقة، مشيرة إلى أن هذا الطلب يحق لهم بعد أن تم طمس هويتهم، معتبرة أن ذلك يمكن أن يخدم التنوع العرقي والثراء الثقافي والحضاري للبلاد.
ومنذ الاستقلال عملت الدولة التونسية على منع تداول اللغة الأمازيغية حيث قرر الرئيس الحبيب بورقيبة حظر أي نشاط للأمازيغ وكان يهدف من وراء ذلك إلى إدماج الشعب التونسي في كتلة متجانسة، وواصل الرئيس السابق زين العابدين بن علي تطبيق نفس هذا المنهج، وقام بالتضييق على أنشطة الأمازيغ وتجاهل هويتهم، وبدوره لم يشر الدستور التونسي الجديد للبلاد في أي من فصوله إلى الأمازيغ، واكتفى بالتأكيد على "عروبة تونس وإسلامها".
فيصل الصالحي ناشط بالجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، اعتبر أن هذا المنهج المتبع من طرف الأنظمة الرسمية، يدل على أن الاعتراف بهم لا يزال يواجه تحديات، مشيرا الى أن الأمازيغية بدأت تنتشر و أنهم يجدون تفهما كبيرا في الوقت الحالي لمطالبهم وتقبلا من الناس، وكذلك يجدون ترحيبا في وسائل الإعلام لطرح قضاياهم، أما الأطراف السياسية والدستور فإن الرحلة مازالت طويلة لإقناعهم بجدية مطالبهم وأحقيتهم بها.
ويقول لموقع CNN بالعربية: "الأقلية الأمازيغية في تونس تريد إعادة كتابة تاريخ شمال إفريقيا الأمازيغي الذي تم تزويره من العرب بدعوى الفتوحات الإسلامية وتريد الوحدة مع أمازيغ المنطقة. نريد للناس أن تعرف كذلك معاناة أجدادنا من القتل والبطش وسبي نسائنا، نريد الاعتراف بهويتنا الأمازيغية وتدريس لغتنا الأمازيغية إلى جانب اللغات الأخرى".
ونص الفصل 38 من دستور الجديد للبلاد، على أن الدولة التونسية تعمل على تجذير الناشئة في هويتها العربية الإسلامية وعلى ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها، وهو فصل قوبل بانتقادات شديدة من طرف نشطاء الامازيغيين بسبب تغييب هويتهم ولغتهم والتعدي عليها، على غرار النوري النمري الذي يقول إن الاقلية الناطقة بالامازيغية في تونس، لا تمنع حقيقة وجود اكثر من 62 بالمائة من التونسيين أصولهم أمازيغية، لكن نسوا اللغة نتيجة ممارسات الاستعمار الفرنسي وسياسات الانظمة التعليمية والنزوح و تهجير القرى.
وتستمر الحركة الأمازيغية بتونس في عدم تسييس مطالبها، إذ ركزت على المستوى الثقافي، وتأسست لهذا الغرض حوالي 10 جمعيات للدفاع عن قضاياهم والترويج لهم ولمطالبهم دون التدخل في الشأن السياسي.
ويقول النمري وهو ناشط أمازيغي من منطقة تمزرط التابعة لمحافظة قابس لـ CNN بالعربية، إن مطالب الأمازيغيين في معظمها ثقافية ومنها ما قوبل بتساهل من السلطة على غرار تأسيس الجمعيات أو تنظيم التظاهرات والتجمّعات، ما عدا مطلب دسترة الأمازيغية الذي لم يتبناه كل النشطاء، لأن هناك من يرى أنها فرصة مناسبة والبعض رآها خطوة سابقة لأوانها.
وبخصوص الطموحات السياسية للأمازيغيين، كشف النمري أن هناك دعوات من قبل العديد من النشطاء لتأسيس كيان سياسي، لكنها مازالت خطوة سابقة لأوانها لأن التحرك الآن مازال في مراحله الاولى، مرحلة توعية التونسي بالأمازيغية، مشيرا إلى أن أمازيغ تونس يختلفون في هذا المجال مع أمازيغ المغرب والجزائر أو ليبيا، لأن لكل بلد ظروفه وامكانياته وخصوصياته.
وبخصوص مبدأ المساواة بينهم وبين باقي التونسيين، أكد النمري إنه لا يوجد مشكل في هذا المجال ولا يوجد تمييز من ناحية الحقوق المدنية على غرار الشغل والسكن أو العرق وهي مشاكل غير مطروحة، باستثناء وجود تمييز في حق تاريخ الأمازيغ وفي حق قادتهم وحضارتهم، مشيرا إلى أنه لا توجد مشكلة في الاندماج بالنسبة للأقلية الأمازيغية مع العرب أو العكس.
وفي هذا السياق تقول الإعلامية جيزال المحروقي لموقع CNN بالعربية، إن أمازيغ تونس تميزوا بميلهم إلى الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية، وليس هناك عداء بين الثقافتين بما يجعلهم محصنين من أي محاولات للتفرقة أو الفصل بينهما، فالاندماج والتواصل قائم والتماسك موجود.