رأي.. من تونسي إلى الرئيس المصري: لا تتدخّل في شأننا وانصح نفسك قبل أن تنصحنا

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز
رأي.. من تونسي إلى الرئيس المصري: لا تتدخّل في شأننا وانصح نفسك قبل أن تنصحنا
Credit: LOUISA GOULIAMAKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.

من المؤسف جدّا أن ينصح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التونسيين وأنا أحدهم، بالمحافظة على بلدهم وبعدم إضاعتها لأنّ الظروف الإقتصادية صعبة لكل العالم.

لماذا من المؤسف أن ينصحنا عبد الفتاح السيسي؟

ببساطة لأنّنا كتونسيين لا نقبل أن تأتينا الحكمة من رئيس تسبّب في دخول مصر في دوّامة من العنف الّذي لا تحمد عقباه، حتّى أصبحت تقارير المنظمات الدولية تتحدّث عن أنّ مصر السيسي أسوأ من مصر مبارك على جميع المستويات.

بعد نصيحة الرئيس المصري للتونسيّين، دشّن عدد من رواد مواقع التواصل الإجتماعي “هاشتاغ” جديد بعنوان “مصر مش تونس”، للتعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب التونسي، تم انتشاره بسرعة على كل من “فيسبوك” و”تويتر” تضاربت فيه الآراء حول مصير مصر، لا سيّما مع اقتراب ذكرى 25 يناير.

السيسي قال في كلمته "أقول هذه الكلمة الآن عسى أن الله سبحانه وتعالى يمنحني أجرا بأنني وصيت بالخير والسلام والأمن والتعمير والتنمية والإستقرار، وليس بالترويع ولا التخريب ولا التدمير ولا القتل ولا الشر ولا سعيت له، أقول لكل من يسمعني في كل دولة حافظوا على بلادكم ولا تضيعوها".

عدة مواقع إخبارية تناولت تصريحات الرئيس المصري من زاوية خوف الرجل من امتداد الإحتجاجات التي شهدتها محافظات تونس إلى نظيرتها في مصر وهو ما يهدّد كيان نظامه إذا ما تمّ ذلك خاصّة وأنّ خطاب الرجل جاء قبل يومين من الإحتفال بالذكرى الخامسة لثورة 25 يناير التي احتفلت بها قوات الأمن والجيش في مصر على ما يبدو بمفردها في ميدان التحرير التاريخي.

صحيفة الغارديان البريطانية، نشرت الأحد تقريرا اقتبس عنوانه من حوارها مع الصحفي المصري حسام بهجت "الإجراءات القمعية للنظام المصري هي الأسوأ منذ أجيال" وكأنّها بذلك تتبنّى رواية الصحفي الإستقصائي الّذي تعرض للإعتقال على يد الأمن المصري هو الآخر في شهر نوفمبر الماضي.

قد يهمك أيضا.. فيديو يلخص 5 سنوات من عمر مصر بذكرى يناير: من سجن مبارك إلى سجن مرسي.. مجدداً

.بهجت" أكّد للصحيفة البريطانية، أن القمع الذي تشهده مصر حاليا أسوأ مما كان عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، ولم يكتف بهذا فقط، بل نسب إلى بعض كبار السن القول بأنه أسوأ أيضا مما كان سائدا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كما صنّفت الصّحيفة ذاتها منتصف ديسمبر الماضي مصر كثاني أسوأ بلد بالنسبة لسجن الصحفيين على مستوى العالم.

بعد هذه المقدّمات، يحقّ لنا أن نتساءل كيف ينصحنا السيسي في حين نشرت له وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بلغات مختلفة غسيله في كلّ أنحاء العالم وأكّدت في أكثر من مناسبة أنّه أسوأ نظام تعامل مع الصحفيين ونكّل بهم في مصر منذ عقود.

ففي 12 من شهر ديسمبر الماضي، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن الحكومة المصرية كثفت حملات قمعها للصحفيين وبلغ عدد المعتقلين الصحفيين أكبر عدد له منذ عقود-وفقا لجماعات حقوق الإنسان، بل ونقلت عن شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين قوله إنّ " مصر سجلت أكبر عدد من الإعتقالات منذ أن بدأنا توثيق الإعتقالات في عام 1991، إن الوضع يسير نحو الأسوأ."

كذلك.. حرب تغريدات في مصر حول ثورة يناير.. ووائل غنيم: غصب عنكم هنفضل نحلم

بل إنّ الأمر أسوأ من ذلك بكثير، حيث أكّد خالد البلشي رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين المصريين إن عدد الصحفيين المسجونين أكثر من 30 صحفيا، وأنّ الصحافة في أسوأ مناخ في تاريخ مصر."

كيف ينصح السيسي التونسيين وأنا منهم، في حين تحتلّ بلاده بحسب قائمة أصدرتها منظمة "مراسلون بلا حدود" المركز 159 من أصل 180 دولة في مجال حرية الصحافة، كما أنها على قائمة أكثر المناطق تهديداً لحياة الصحفيين في العالم.

من العجيب أن يعظ الرئيس المصري "الديمقراطي" الفائز بنتيجة 96.9 بالمائة في فضيحة الإنتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة في شهر مايو 2014 التونسيين، في حين لم يتجاوز الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حاجز 55 بالمائة في أوّل انتخابات رئاسيّة ديمقراطية في تونس منذ استقلال 1956 وفق ما صرّحت بذلك المنظمات الدولية والمجتمع الدولي بأسره.

نريد أن نهمس في هذا المقال للرئيس السيسي بأنّنا في تونس لم يسبق لنا أن وجد في برلماني ما بعد 14 يناير، من يشوّه الثّورة الّتي صعدت بهم من أقبية السجون والملاحقات الأمنية والإقامة الجبريّة إلى مناخ الديمقراطية والتعدّدية وليس مثلما صرّحت به لميس جابر، عضو مجلس النواب “المعينة” من السيسي، أنّ الثوار في مظاهرات 25 يناير 2011، التي أطاحت بحكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ونظامه، “قتلوا أنفسهم" وأنّ “ما حدث في أحداث يناير، سلوك غريب وليست ثورة بل كلّ ما حدث كان افتعالا لأحداث دموية، لأنّها وجدت أن الثوار يقتلون أنفسهم من أجل أن "يلبسوها لمبارك."

و.. انفوجرافيك: مبارك ومرسي والسيسي.. ميادين ووجوه بذكرى 25 يناير والجيش الحاضر الأكبر

لا يمكننا أن نقبل نصيحتك حضرة الرئيس "السيسي" حامي الحمى والدّين، لأنّنا لا نعتبر شهر “يناير مؤامرة كاملة الأركان" ولا نتمنى أن يحذف من العام ويكون أول شهور السنة فبراير مباشرة” كما صرّحت بذلك النائبة الّتي عيّنتموها.

إنّ تونس ليست مصر ولا يعني نقد "السيسي" بالضّرورة تزكية نظيره "السبسي"، ولكن من المنطقي أن تكون النقطة الفارقة في لقب الرجلين وفي سياستهما في قيادة الدولتين أبعد من نجوم السماء وترجّح كفّة قائد السبسي على "السيسي" قائد الجيش المصري.

تونس عصيّة عليك يا معالي الرئيس، ونحمد الله أنّه ليس لنا أزهر شريف يصدر البيانات المبطّنة الّتي يحرّم فيها التظاهر في الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير ويهنّئ فيها رئيس النظام والشعب ورجال الشرطة بمناسبتها، في حين كان من الداعين للتظاهر في 30 يونيو 2013 وسمّى ذلك ثورة.

في ختام مقالنا، لا يمكننا أن نقول لأسوأ رئيس في تاريخ مصر الحديث، إلّا أننا نرجو منك كتونسيّين وأنا أحدهم، أن لا تدخّل فينا وفي شؤوننا الداخلية والخارجية، كما نطلب منك أن تتركنا نواجه مصيرنا وحدنا حتّى ولو رأيتنا داخلين جحر ضبّ، لأنّنا نحمد الله ونبتهل إليه بالليل والنهار على الأوضاع الّتي نعيشها مقارنة بما يعانيه أشقاؤنا المصريون اللّذين فقدوا أحبابهم وأمنهم وحرّيّتهم وكرامتهم باللّيل والنهار أثناء فترة حكمك.