منية غانمي، ليبيا (CNN)-- يُواجه ما تبقى من مستشفيات ليبيا مسقبلًا صحيًا مجهولًا في ظل نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية والإطارات، فالحرب الداخلية والقتال الشرس بين الطرفين والذي استخدمت فيه كل أنواع الاسلحة ألقت بظلالها السيئة على القطاع الصحي فأصبح في وضع لا يحسد عليه، ممّا يهدد بكارثة إنسانية قد تمس أكثر من مليون مواطن.
ويصف محمد خليل طبيب مختص في أمراض العظام والمفاصل الوضع الصحي في بلاده بالسيء جدا، مضيفا أن الليبيين لم يعودوا يجدون مستشفيات مؤهلة لاستقبالهم لأن العديد منها أغلقت بعد تدميرها، وما تبقى من مستشفيات مفتوحة تعمل بصفة جزئية بعد توقف عدة أقسام فيها عن العمل، خاصة أقسام الجراحة التي استنزفت معداتها لصالح المستشفيات الميدانية بهدف مداواة جرحى الحرب، مشيرا إلى أن بعض الأدوية أصبحت معدومة والكوادر الطبية نقصت بعد مغادرتها البلاد.
وأرجع خليل في حديثه لـ CNN بالعربية تدني الخدمات الصحية والخلل الحاصل في المنظومة الطبية في بلده، إلى انعدام الأمن واستمرار الخلافات السياسية بين حكومتين متصارعتين إضافة إلى مغادرة الأطقم ال.جنبية ليبيا والعودة إلى بلادهم بعد استهدافهم من قبل المليشيات المسلحة بالاختطاف وتهديد حياتهم،" كل هذا نتج عنه تسجيل عدة حالات وفيات خاصة لدى الأطفال حديثي الولادة والرضع بسبب غياب الرعاية الطبية الموجهة لهم وانعدام وسائل العلاج".
وبخصوص ظروف عمل الكادر الطبي، أوضح خليل أنها أصبحت جدّ صعبة وغير مؤمنة وغير مضمونة العواقب إضافة إلى التهديدات، مما اضطر بالعديد من الأطباء إلى التوقف عن تقديم خدماتهم والتزام البيت خاصة من النساء، في حين اتجه البعض الآخر لمغادرة البلاد والبحث عن فرص عمل أخرى بعد استحالة قيامهم بدورهم الإنساني والأخلاقي على أكمل وجه لإنقاذ المدنيين المرضى وتلبية احتياجاتهم الصحية.
وبدوره قال محمد البوندي، تقني مختص في التخدير بمستشفى الخضراء بطرابلس لـCNN بالعربية، إن منتسبي الصحة وجدوا أنفسهم يعملون في ظروف بائسة، فهم من جهة يعملون تحت الضغط العددي للمرضى ومن جهة أخرى لا تتوفر لهم الإمكانيات والمعدات اللازمة للقيام بعملهم، إضافة إلى أنهم يعملون دون مرتبات بسبب الأزمة المالية التي تعيشها البلاد وتفشي الفساد في قطاع الصحة، وفي بعض الأحيان يتعرضون إلى الاعتداءات سواء من قبل المرضى أو أهلهم أو المليشيات.
وأمام هذه الظروف القاسية يجد المرضى الليبيون الذين يتوجهون للمستشفيات صعوبة كبيرة في التماثل للشفاء وفي إيجاد حلول لمشاكلهم الصحية، على غرار أحمد ابراهيم الذي تعرض إلى محاولة اغتيال أثناء ذهابه إلى عمله في مدينة الكفرة الواقعه جنوب شرقى ليبيا، نتجت عنها إصابة عميقة في يديه ورجليه جراء شظايا رصاص مما استوجب نقله إلى المستشفى لتبدأ معاناته مع الخدمات الصحية التي توفرت له.
واستنكر أحمد غياب الإحاطة الطبية بالمرضى والجرحى، مضيفا أنه تعذّرت مداواته في المستشفى بسبب نقص متطلبات الجراحة و المعدات الطبية وغياب أطباء الاختصاص، إذ أجريت له بعض الإسعافات الأولية التي لم تنجح، ممّا زاد من تدهور حالته الصحية، ليضطر في نهاية المطاف إلى مغادرة البلاد نحو تونس لإسعاف حاله على حسابه الخاص.
وقال عبد الرحمان المحجوب، وهو مريض يشكو من سرطان الرئة، إن الإمكانيات المادية لا تتوفر لكل الليبيين للذهاب إلى الخارج لعلاج أمراضهم، متحدثًا لـCNN بالعربية عن وضعيته منذ أسابيع لم .ستطع الحصول خلالها على العلاج الكيميائي: "نحن هنا نموت ببطء، ففي حال لم تتحسن ظروف العلاج سيفقد الكثير حياتهم، لا غذاء ولا دواء ولا أطباء ولا مسشفيات جيدة ولا خدمات تلبي احتياجات من هم بحاجة لها، العديد من الأدوية لم تعد متوفرة في البلاد والتحاليل الطبية لم يعد إجراؤها ممكنا هنا، والأمراض آخذة في الانتشار، كل هذا والمسؤولون في سبات".
وكان ممثل منظمة الصحة العالمية لدى ليبيا سيّد جعفر، قد حذّر نهاية الشهر الماضي من الوضعية الصحية المتدهوة والمتفاقمة في البلاد، مؤكدا أن حياة الملايين من المرضى الذين يحتاجون إلى علاج عاجل في ليبيا أصبحت في خطر، بسبب الصراع الداخلي الدائر.
وأوضح جعفر أنه في حال عدم وصول المساعدات الصحية المتاحة على الفور إلى البلاد، فسيكون حوالي مليوني مواطن معرّضين لخطر كارثة إنسانية وصحية، مؤكدًا أنه لم يعد بالإمكان الانتظار للحصول على حل سياسي من أجل الاستجابة لحل تلك المشكلات.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى إنهاء النزاع في ليبيا عبر توحيد السلطتين في حكومة واحدة للبدء في تقديم مساعدات دولية تشمل كل المجالات، غير أن وزير الصحة الليبي رضا العوكلي قال إنه يجب على المانحين عدم انتظار تشكيل الحكومة و مساعدة ليبيا في إعادة بناء نظام الرعاية الصحية المدمر ومكافحة التفشي المتزايد للأمراض ، مشيرا الى أنه يجب الفصل بين الاحتياجات الإنسانية للشعب الليبي وبين أي حوار سياسي وأن ما دون ذلك يعدّ جريمة.
وفي تشخيصه للحالة الصحية التي تعيشها بلاده، أضاف العوكلي أنه ما بين 60 و70 % على الأقل من المستشفيات الليبية إما أغلق أو أصبح خارج نطاق الخدمة تماما وأن أكثر من 80 % من الموظفين في أقسام تتطلب مهارات عالية مثل العناية المركزة وغرف الطوارئ والعمليات تركوا المستشفيات، مشيرا الى أن البلاد أصبح لديها عجز في الأدوية المنقذة للحياة.
وفي ظل هذا الواقع، يأسف الليبيون على الحالة التي وصلت اليها بلادهم، وفي هذا السياق يقول كريم الشهاوي شاب ليبي مقيم في تونس منذ 4 سنوات: " انظروا إلى الوضع، بعد أن كنا نقدم مساعدات طبية للدول المحتاجة، أصبحنا اليوم نترّجى دول العالم إعطاءنا مساعدات وننتظرها بفارغ الصبر.. هذا ما جناه الصراع على السلطة علينا".