هذا المقال بقلم ريم سعد، باحثة مصرية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
صرخت السيدة "هيطرمخوها يا باشا" في خاتمة أحد الفيديوهات التي انتشرت سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي عقب مقتل الشاب محمد علي سائق عربة الربع النقل والذي أصر أن يتقاضى أجرته من أمين الشرطة فقتله الأخير بثلاث طلقات من طبنجته الميري. صرخة السيدة نابعة من تجربة وخبرة مع بطش السلطة وفساد السلطة وطريقة السلطة في حماية "رجالتها"، كما أن الصرخة هي أيضا متفقة تماما مع سير الأحداث العامة حيث الظلم هو سيد الموقف وحيث الحساب والعقوبة لا تحدده معايير العدالة بل يحدده وضعك الاجتماعي أحيانا وموقعك من السلطة دائما. لو كنت معارضا سياسيا أو غير مسنود اجتماعيا فأنت تقف وحيدا في مهب رياح التلفيق والبطش والسجن والتعذيب بل والإعدام دون التمتع بأبسط حقوقك القانونية والإنسانية. لو أنت من رجال السلطة وتحديدا لو من أعضاء جهاز الشرطة فأنت مواطن "بريمو" يتمتع بحصانة الإفلات من العقاب. قد يحتجزونك بعض الوقت لتهدئة الأوضاع لكنك ستفلت وستنتصر على العدل في النهاية مثلك كمثل قاتل شيماء وقاتل سيد بلال وقتلة المتظاهرين وغيرهم كثيرين.
.شيوع ثقافة الإفلات من العقاب" عبارة حقوقية وقورة تعبر عن خلل خطير في منظومة العدالة وأثر ذلك على سلامة المجتمع لكن ربما لصيغتها المتخصصة لا يشي وقعها بفداحة ما تشير إليه، لكن الحياة تدب في تلك العبارة حين تطلقها سيدة الدرب الأحمر في صيغتها الشعبية الحارة "هيطرمخوها يا باشا".
يمكنك التخلص من حفنة الحقوقيين المزعجين ممن لا يكفون عن التحدث عن التعذيب والحبس الاحتياطي والإعدام والإفلات من العقاب كما يمكنك تجاهل تحذيرات حتى أقرب حلفائك من الفاهمين بخطورة فساد منظومة المحاسبة وإقرار العدالة، لكن ماذا أنت فاعل مع هذه السيدة التي تتحدث بصوت قطاعات واسعة من الشعب؟ مطلب العدالة ليس أمرا شكليا تافها ينادي به بعض المهووسين الغير مقدرين للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لكنه الطريق الوحيد لاستقرار المجتمع وأمانه كما بحت أصوات كثيرة تنبهك وتحذرك من العواقب الوخيمة لغضبة المظلومين.
***
أكتب هذا الكلام بعد يوم واحد من قرار وزير الصحة بإغلاق مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب وهي الحلقة الأحدث من سلسلة طويلة من الحصار والتنكيل بالمراكز والمؤسسات الحقوقية والثقافية والاجتماعية والكيانات السياسية وبكل من تحدث بضرورة التغيير في سبيل أن تكون مصر دولة قانون تصان فيها حقوق الناس وحرياتهم. خطورة هذا الأمر ليس فقط لدلالته على الاستبداد ولكن أيضا لأن السلطة بذلك تستهدف قنوات تواصل واتصال في غاية الأهمية، فهؤلاء الأفراد والكيانات قد تصدوا لبلورة المطالب والتعبير عن أشياء موجودة بالفعل ولم يستحدثوا من عدم غضب الناس من الظلم وإنما شعروا به وترجموه وعبروا عنه ودفعوا أثمانا باهظة في سبيل ذلك. وبمحاولة تكسير تلك الكيانات سيجد الحكام والمجتمع أيضا أنفسهم في مواجهة أشكال من الاحتجاج وربما من الفوضى سيكون من الصعب فهمها أو التفاهم معها ناهيك عن السيطرة عليها.
استمع جيدا لسيدة الدرب الأحمر التي كانت تطلق صرختها وفي الخلفية أهالي الحي يحاصرون مديرية أمن القاهرة غضبا لمقتل ابن حيهم غدرا على يد السلطة المفترض فيها حمايتهم. استمع جيدا ودقق النظر أيضا- كلام أهالي الدرب الأحمر على لسان السيدة الغاضبة كان "هيطرمخوها يا باشا" ولكن فعلهم كان يقول لك "مش هنسمح لكم تطرمخوها يا باشا..