هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الاسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
متسارعة هي الأحداث مع بداية العام الجديد، وملتهبة أكثر فأكثر أضحت المنطقة على خلفية القرارات الإستثنائية التي ما فتئت تتّخذها القوى المؤثّرة في الصراع وفي النزاع الدولي، بهدف بسط النفوذ والسيطرة على المنطقة العربيّة.
فبعد أن قرّرت المملكة العربيّة السعودية تشكيل تحالف إسلامي سنّي لمحاربة الإرهاب في شهر ديسمبر الماضي، ثمّ أعقبت ذلك بقطع العلاقات الدبلوماسيّة مع إيران على خلفيّة الإعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد من قبل محتجّين على إعدامها لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وبعد إقرارها التدخل البرّي في سوريا رفقة حلفائها لقتال "الجهاديين" تحت راية الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن ترجئ ذلك لظروف قاهرة أقوى منها كانت متوقّعة، قطعت السعودية مساعداتها العسكريّة للجيش اللبناني، وألغت صفقة تسليح قيمتها أكثر من 3 مليارات دولارات عن طريق فرنسا بالإضافة إلى مساعدات أخرى لقوى الأمن الداخلي بقيمة مليار دولار.
القرار السعودي الأخير، جاء بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية "نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين"، وأرجع مصدر سعودي هذه المواقف أساسا إلى "عدم إدانة لبنان الإعتداءات السافرة "على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران في شهر يناير الماضي في جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي فضلا عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها ما يسمى "حزب الله في لبنان" ضد السعودية وما يمارسه من إرهاب بحق الأمة العربية والإسلامية."
قد يهمك أيضا.. وزير العدل بلبنان أشرف ريفي يعلن استقالته بسبب "دويلة" حزب الله وتدميره للعلاقات مع السعودية
ذات المصدر أكّد أنّ المواقف التي صدرت من بعض المسؤولين والشخصيات اللبنانية بما فيهم دولة رئيس الوزراء تمام سلام والتي عبروا من خلالها عن وقوفهم مع المملكة وتضامنهم معها لم تكن شفيعة لهم أمام المواقف المعلنة والعداء الكبير الّذي يتبجّح به حزب الله.
تفاصيل عدم إدانة هذه الإعتداءات تعود إلى شهر يناير الماضي، حين صرّح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أنه امتنع عن التصويت على بيان الجامعة العربية بإدانة الهجوم على الممثليتين السعوديتين لأن البيان جاء على ذكر حزب الله واتهمه بالإرهاب، وفي الحقيقة كان هذا أمر منتظرا وليس غريبا بل إنّه لم يفاجئ أيّ متابع لما يحدث على الساحة اللبنانية الّتي يقودها حزب الله.
الجيش اللبناني الّذي أعلن عن تفاجئه وعن عدم علمه بهذا القرار بحسب ما قال مصدر عسكري لبناني لوكالة الأنباء الفرنسية لم يكن في الحقيقة صادقا، لأنّ هذا الموضوع طرح بقوّة خلال الفترة الأخيرة حتّى أنّ مصدرا دبلوماسيا فرنسيا كان قد نفى في شهر يونيو الماضي أن تكون صفقة الأسلحة قد ألغيت كعادة الدبلوماسيين الغربيين في النفي.
بيان حزب الله عن الحادثة يبدو أنّه كان صريحا أكثر، حيث جاء في فيه أن هذا القرار لم يفاجئ أحدا في لبنان على الإطلاق في لبنان لأنّه كان قد اتّخذ منذ فترة طويلة وخاصة منذ بدء العهد الحالي في السعودية، وهذا أمر متداول على نطاق واسع وترددت أصداؤه عدة مرات في كثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
من جهة أخرى هاجم بيان الحزب المملكة على خلفية ما اعتبره مواقفه السياسية والإعلامية في دعم اليمن الشقيق وشعب البحرين المظلوم وسواه من الشعوب التي تكتوي بنار الإرهاب السعودي، بالإضافة إلى أن هذا القرار هو محاولة فاشلة شكلا ومضمونا وتوقيتا لا تخدع ولا تنطلي على عاقل أو حكيم أو مسؤول، بحسب البيان.
تطورات الموضوع لم تقف عند هذا الحدّ بل دخلت إيران من جهتها على الخطّ وأعلنت عن استعدادها للتعاون مع الحكومة اللبنانية في مختلف المجالات وعلى أعلى المستويات، لتقديم المساعدات للجيش اللبناني الذي يعتبر رمزا للوحدة الوطنية وحاملا للسيادة ويقف في مواجهة الإرهاب بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الايرانية جاير أنصاري الإثنين.
السعودية هي الأخرى لم تكتف بذلك، بل أصدرت أمرا يوم الثلاثاء لرعاياها بمغادرة لبنان، كما حذرت من السفر إليه حرصا على سلامتهم، وتبعتها على ذلك الإمارات التي منعت مواطنيها من السفر إلى لبنان وخفض بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى الحد الأدنى.
بعض المصادر الأخرى ذهبت بعيدا وأرجعت السبب الحقيقي لهذا القرار السعودي، إلى عدم إطلاق سراح السلطات اللبنانية بضغط من حزب الله سراح الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود المعروف بـ"أمير الكبتاغون" الموقوف منذ شهر أكتوبر الماضي على خلفيّة إدانته بمحاولة تهريب طنّين من أقراص الكبتاغون المخدرة.
جهود القضاء اللبناني من أجل إيحاد ثغرات قانونية تمكنهم من الإفراج عن الأمير السعودي لم تنجح وفق ما كشفت وسائل إعلام لبنانية الشهر الماضي، وذلك بسبب ضغوطات كبيرة مارستها جهات سياسية نافذة في الشأن اللبناني طالبت بأن تتمّ محاكمة أحد أفراد العائلة السعودية الحاكمة نكاية في سياسة المملكة تجاه جملة من الملفات الحارقة التي تمرّ بها المنطقة.
قرار المملكة لا شكّ أنّه لم يتّخذ بين عشيّة أو ضحاها، خاصّة أمام توتّر العلاقة بين البلدين، وعندما نتحدّث عن بلدين هنا فنحن نعني بالضرورة بين المملكة العربية السعودية وبين لبنان الذي يحكمه حزب الله بمفرده بمعيّة إيران الّتي تأمر وتنهى وتعطّل كلّ اتّفاق يقضي بالخروج من الأزمة السياسية الّتي تمرّ بها البلاد.
حزب اللّه الّذي يكنّ حقدا وكرها كبيرا للسعودية لا لكونها أعدمت رجل الدين الشيعي نمر النمر فقط، وإنّما أيضا بسبب إجهاضها لأغلب مخطّطاته للإستفراد بلبنان وتقسيمه وفق مخطّطات أعدّت مسبقا في العاصمة الإيرانيّة طهران، وكذلك بسبب تدخّل المملكة في كلّ من البحرين وسوريا واليمن لإفشال كلّ تحرّك شيعي طائفي لتفتيت المنطقة وإقامة الإمبراطورية الفارسية الجديدة وإرجاع مجدها الماضي.
كذلك بالفيديو: صراع إيران والسعودية.. على السلطة أم إمدادات النفط؟
إنّ لعنة الحرب السورية الّتي تدخّل فيها حزب الله مجبرا منذ الأشهر الأولى لانطلاقتها حلّت عليه في لبنان وخارجه، فبعد أن كان العرب سنّة وشيعة يهتفون "بلبّيك يا نصر الله"، أضحوا اليوم يلعنونه ويسبّونه بعدما شاهدوه من الحزب ومقاتليه خلال الفترة الأخيرة من طائفيّة معلنة ومن تدخّل سافر في شؤون دول عربيّة سنيّة، كان من الأجدر أن يعرف حجمه ولا يتجرّأ حتّى عن الحديث عنها في المجالس الخاصّة لقياداته.
قرار السلطات السعوديّة بتسليح الجيش اللبناني الّذي اتّخذ في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لم يكن هدفه فقط التصدّي لتهديدات الجهاديّين الّتي تفاقمت بعد الحرب السوريّة، وإنّما كان يهدف أيضا إلى تعديل موازين القوى في لبنان الّتي يستأثر بها حزب الله نفوذا وسلطة وتسليحا.
من جهة ثانية كان قرار التسليح فصلا آخر من فصول الصراع الإيراني السعودي في المنطقة العربيّة والّذي من المتوقّع أنّه سيتواصل خلال الفترة المقبلة ما دام الطرفان يغلقان كلّ بوادر الحوار والتفاهم، وهذا أمر متفهّم ومعقول في ظلّ غياب العقلانيّة والرّصانة في معالجة هذه الملفّات دون أن ننسى سعي بعض الأطراف الدّوليّة لمزيد توتير العلاقات بين البلدين، لأنّ في ذلك خدمة لمصالحها في المنطقة بالإضافة إلى مزيد من هيمنتها عليها وعلى حكّامها اللّذين يهرولون للحجّ إلى الكرملين وإلى البيت الأبيض عند حدوث أيّ طارئ.
سوريا، اليمن، البحرين واللّه أعلم من اللاحق، كلّها ملفّات ساهمت في تأزّم الوضع في المنطقة وفي إشعال نار الفتنة والطائفية، وفي وتوتير العلاقات بين دولها الّتي أصبحت منقسمة بين الحلف الإيراني أو الحلف السعودي.
المستقبل مجهول ولا حلّ وسط في القريب العاجل على ما يبدو، لأنّ الشعار المرفوع خلال السنوات الأخيرة في المنطقة هو القاعدة البوشيّة (نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن) الّتي تقول "إن لم تكن معي فأنت ضدّي".