هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة رأي CNN.
حزب الله منظمة إرهابية بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، نتيجة "استمرار هذه المليشيات في الأعمال العدائية وتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفتن، والتحريض على الفوضى والعنف، في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها،" بهذه الكلمات المنتقاة، قرّر مجلس التعاون الخليجي ثمّ وزراء الداخليّة العرب تصنيف ووصف حزب الله اللبناني بالمنظمة الإرهابية.
تصنيف جديد في توقيته، لكنّه كان منتظرا ومتوقّعا لمن تابع الإنحراف البيّن والواضح لحزب "المقاومة" و"الممانعة" الّذي أتعبنا القوميون وأتعبوا أنفسهم بالدفاع عنه وتبرير جرائمه في سوريا واليمن والعراق، مردّدين بعض الجمل الّتي حفظوها خلال حرب تموز 2006 الّتي تسبّب فيها حزب الله بدمار رهيب في لبنان أجبر أمينه العام حسن نصر الله على القول إنّه ما كان ليتجرّأ على خوض تلك الحرب لو كان يعلم تبعاتها على لبنان وحجم خسائرها.
حزب "المقاومة الإسلامية" كما يطلق عليه مؤيدوه، "عدوّ" أمريكا وحليف روسيا والإبن الشرعي لإيران، كان صرحا فهوى، بعد أن تورّط في الحرب السورية. في الحقيقة، إنّ حزب إيران وروسيا هو الإسم الّذي يليق به، فبحسب صحيفة ديلي بيست الأمريكية، والتي يقول مراسلها جيسي روزنفيلد إنه قابل مسؤولَي حزب الله - اللذين رفضا الإفصاح عن اسميهما - في عدة مناسبات مختلفة في نهاية ديسمبر وبداية العام الجاري في ضاحية بيروت الجنوبية، فإن المسؤولين أكدا أن الحزب حصل على صواريخ طويلة المدى، وصواريخ موجهة بالليزر، وأسلحة مضادة للدبابات من روسيا.، وقال أحدهم "نحن حلفاء إستراتيجيون لروسيا في الشرق الأوسط الآن، إنهم حلفاؤنا ويعطوننا الأسلحة حاليًا".
بعد هذا التصريح الّذي تبجّح فيه قياديو الحزب بتلقّيهم مساعدات كبيرة من روسيا، رفض المسؤولون الروس التعليق لأنّهم يعلمون تمام العلم أنّهم رفعوا من دعمهم لحزب الله منذ أن التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع الأمين العام للحزب حسن نصر الله في بيروت عام 2014 لمناقشة التطورات الإقليمية، الأمر الّذي أعقبه بوغدانوف بالقول في بيان له بأن روسيا لا تعتبر حزب الله جماعة إرهابية.
رغم القرار الأخير بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابيّة، فإنّ السجال الدائر بين مؤيدي ومعارضي القرار والنقاش المحتدم بين الطرفين قبل إصداره لن يتوقّف وسيستمر بالنظر إلى حالة الإستقطاب الحاد بين معسكرين إقليميين-السعودية و إيران- على خلفية دور الحزب في الحرب السورية، ومشاركته في القتال إلى جانب النظام السوري، لكن ورغم ذلك فإنّ تبعات القرار تبدو إلى الآن مبهمة خاصّة وأنّ الحزب ممثّل في الحكومة اللبنانية وفي برلمانها.
لن ندخل في هذا الجدال المشروع لأنّنا نعلم جيّدا أنّ القرار الأخير فصل في معناه وإن لم يكن في مبناه، بين الجناح السياسي الممثّل في الحكومة أو في المعارضة وبين الجناح العسكري، الذي ساهم في تشكيل خلايا مسلّحة في كلّ من السعودية والكويت والبحرين، بعد أن حاول تهريب متفجرات وأسلحة إلى داخلها بحسب الروايات الرسمية.
قرار وزراء الداخلية العرب الّذي أعقب نظيره لمجلس التعاون الخليجي، جاء في وقت تشهد فيه العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعوديّة قطيعة وتصعيدا غير مسبوق في تاريخ البلدين وذلك بالأساس على خلفيّة تبعات الحرب السوريّة الّتي ستدخل عامها الخامس بعد أيّام، وبسبب صراع النفوذ الإيراني السعودي الّذي بدى على أشدّه في الفترة الأخيرة في سورية وأقلّ منه في لبنان الّتي فازت بها إيران سياسيّا وعسكريّا.
في السنوات الأخيرة أصبح من الواضح والبيّن أنّ حزب الله تحول إلى أداة في يد إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة العربية، وليكون ذراعها الممتدة للعبث بأمن واستقرار الدول العربية على غرار سورية الّتي سقط فيها حوالي نصف مليون قتيل وملايين الجرحى والمهجّرين.
القراران الأخيران لمجلس التعاون الخليجي ولوزراء الداخلية العرب باعتبار "حزب الله" اللبناني منظمة إرهابية أحدث "زلزالاً سياسياً" داخل الأوساط اللبنانية وبالأخص لمحور المقاومة والممانعة، وجاء مكمّلا لتوتر العلاقات بين السعودية ولبنان، على هامش وقف المساعدات السعودية للبنان المقررة بشراء الأسلحة من فرنسا لتسليح الجيش اللبناني وفق اتفاق سابق في عام 2014 والّتي تقدّر بـ 4مليارات دولار.
الرهان السعودي بعد استصدار هذا القرار هدفه الأساسي إحداث عزلة داخلية وخارجيّة للحزب، تمكّنه من الضّغط عليه داخل لبنان وخارجه وإحداث توازن على الساحة، خاصّة بعد تغيّر موازين القوى في المنطقة على خلفيّة الإتفاق النووي الإيراني ورفع العقوبات الإقتصاديّة عن إيران، بالإضافة إلى التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية ناهيك عن العلاقة المتوتّرة والشكّ المتبادل بين المملكة وبين حلفائها دون أن ننسى تراجع المداخيل المالية والعجز الكبير في الموازنة السعودية بسبب انخفاض أسعار النفط.
حزب الله حشر أنفه في حرب الوكالة في سوريا وفي صراع دولتين وقوتين إقليميتين هما على التوالي السعودية وإيران، وما من شكّ أنّه سيدفع ثمن اختياراته في الداخل وفي الخارج، فداخليّا ومن الناحية الإقتصادية، من المرجّح أن يؤدّي هذا القرار إلى طرد عدد كبير من العاملين المؤيدين لحزب الله في الخليج، وبالتالي ازدياد حالة البطالة في لبنان مع نقص في المواد المالية وتحديداً في العملة الصعبة الواردة من الخارج.
من وجهة نظرنا، فإنّ هذا أقصى ما يمكن أن تفعله السعودية وحلفائها في الوقت الحالي مستبعدين أيّ حلّ عسكريّ ضدّه في المستقبل القريب، رغم أنّ بعض الخبراء العسكريين يرون أن تصنيف حزب الله بأنه حزب إرهابي قد يؤدي إلى استهدافه في سوريا، من قبل الدول التي تعتبره منظمة إرهابية وعلى رأسها السعودية بشكل متزامن مع استهداف تنظيم الدولة الإسلامية وهو ما يمكن أن يؤدّي إلى انسحاب كامل لمقاتليه من سوريا.
الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اعترف صراحة بأنّه نقل صراعه مع السعوديّة الى مستوى أعلى وأهم من الصراع مع إسرائيل عندما قال في كلمته متلفزة له الأسبوع الماضي، إن"أعظم وأفضل شيء قمت به في حياتي، هو الخطاب الذي قلته عن السعودية في اليوم الثاني لبدء العدوان على اليمن، وهو أعظم من حرب تموز 2006."
سبق وقلنا إنّ "مستقبل المنطقة يتّجه من سيّء إلى أسوأ"، وذلك بسبب تسارع الأحداث وتداخلها بالإضافة إلى ضبابيّة الرؤية عند الجميع بلا استثناء دولا وجماعات، ولا أحد منّا يعلم بماذا ستطالعنا الأيّام القادمة رغم أنّنا من جهتنا متأكّدون من أنّ الحرب السوريّة الّتي تشارك فيها كلّ دول العالم تقريبا والّتي ألقت بظلالها على المنطقة بأسرها، مازالت لم تبح بكلّ أسرارها بعد وستفاجئنا بقرارات أخرى جريئة وبأوراق أخرى ستسقط في المستقبل القريب.