هذا المقال بقلم طارق عبد العال، المحامي بالنقض، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
في البدء لابد وأن نصحح مفهوم كلمة الدعم التي تتشدق بها الحكومات منذ ما يزيد عن خمسين عاما، وكأن هذه الكلمة قد زُج بها في قاموس الحياة اليومية للمواطنين من أجل إشعارهم بصنيع الحكومة لهم، وبأن السلطة تعطيهم، وهو ما يعني التكرم من السلطة على الشعب، لكون الكلمة تعني أن أعطيك من عندي أو أساعدك من ملكي.
ولكن الحقيقة والوضع الطبيعي للأمور يقول: إن الدولة بما فيها وما لها وما عليها ملكا عاما للشعب، وأنه حين يُخول السلطة الحاكمة أيا ما كانت أن تسوس أمور وشئون الحكم نيابة عنه، وليست بديلاً عنه أو مستعبدة إياه، كما وأن ثروات هذا البلد هي ملك طبيعي لأبنائه، وليست حكراً لفصيل على حساب أخر.
ومن ثم فإن هذه الكلمة المستخدمة بشكل سياسي وضعي، يجب أن تعزف الحكومة عن استخدامها وترديدها في مناسبات مختلفة، لأن ما يحدث أو يجب أن تسير عليه الأوضاع الطبيعية هو أن تُسخر ثروات الدولة ودخلها لصالح الشعب، وأن يتم توزيع الثروات بشكل عادل وحقيقي، بحيث لا يكون هناك إثراء لفئة على حساب باقي الشعب من خلال استخدام ثروات البلاد دونما معايير موضوعية حقيقية.
ويؤكد هذا القول ما جاء بكافة المدونات الدستورية المصرية المتعاقبة والتي أخرها الدستور المصري لسنة 2014، وتحديدا ما جاء في الباب الثاني منه تحت مسمى المقومات الاجتماعية والمقومات الاقتصادية، بما يؤكد هذه المعاني.
وبالتالي لابد من إخراج هذا المصطلح من قاموس الحياة السياسية، واستبداله بمعايير واضحة ومحددة لاستغلال وتوزيع ثروات الوطن المصري، شريطة أن تكون هناك شفافية في الإعلان عن ذلك انطلاقا من حق المصريين في تداول المعلومات، ومراقبة أداء الحكومة التي تسوس أمورهم نيابة عنهم.
***
وتطبيقاً لذلك، فقد أعلن رئيس الدولة منذ فترة ليست بالبعيدة عن عدم قدرة الحكومة في تحمل دعم استهلاك المياه، وأن على الأفراد تسديد ثمن فاتورة استهلاك المياه مرفوع عنها ما يسمى بدعم الحكومة.
.فهل فعليا تدعم الحكومة أي سلعة لصالح الشعب؟ فهل للحكومة مال خاص غير مال الشعب تمد به يد العون للشعب المحتاج؟ وإن صح ذلك فمن أين تملكت الحكومة هذه الأموال التي تدعم بها الشعب؟ أليست من أموال الشعب وثرواته.
.وإن صح افتراض عكس كل ما سبق، من كون السلطة تدعم المواطنين، فبماذا من الممكن أن نبرر ما تتناوله الصحف والمواقع الإخبارية، من كون ذات السلطة ( التي تدعي أنها تدعم مواطنيها الفقراء) قد خفضت أسعار الغاز من 7 دولار إلى 4.5 دولار لأصحاب المصانع والمستثمرين، فهل هذه الفئة تستحق الدعم؟
وماذا سيحدث لو تم توزيع ذلك الفائض الموزع على ذوي الثروات، وتم إعادة تدويره بطريقة تصب في مصلحة الشعب، مثل الصحة أو التعليم، أو الضمان الاجتماعي. فأيهما أحق؟
وختاماً لما تقدم فهل يصح في دولة تروج سلطتها لعوزها وعدم قدرتها المالية لتحقيق مطالب واحتياجات غالبية مواطنيها "من مسكن ومأكل وصحة وتعليم" بحسب كونها أهم مفردات الحياة، على إنفاق كل هذا البذخ والرفاهية على موكب رئيس الدولة حال توجهه للبرلمان في موكب ملكي مهيب، ومن قبل السجادة الحمراء في افتتاح مشروع سكني للفقراء من الشعب؟
فأي الفريقين أحق بالإنفاق؟ ولن أتحدث عن سيادة القانون، والسير عكس الاتجاه.