دمشق، سوريا (CNN) -- يمر عيد الأم هذا العام حزيناً، قاسياً على (د.ع)، حالها حال آلاف الأمهاّت السوريّات اللواتي فقدن أبنائهن بسبب الحرب، لكنّها لم تفقد ابنها في ساحات المعارك، ولم يذهب ضحية تعذيب، أو تفجير، أو قصف، بل فارق الحياة في رحم أمه، قبل أن يتم شهره السابع بأيامٍ قليلة.
روت السيدة الثلاثينية قصتها لـ CNN بالعربية، وهي تغالب دموعها، مستعيدةً لحظاتٍ ستبقى طويلاً بذاكرتها: "لاحظت توقفّ حركة الجنين، واستمر ذلك لست ساعاتٍ حاولت فيها تجاهل مخاوفي، لكنني لم استطع احتمال القلق أكثر، فتوجهت إلى مشفى قريب، وهناك أخبرتني طبيبة الإسعاف بأن نبض ابني متوقفٌ تماماً."
وأضافت (د.ع) واصفةً تلقيّها الخبر: "لم أشعر بأي شيءٍ من حولي، وكنت عاجزةً عن استيعاب الصدمة، وأكثر ما آلمني ردّة فعل الطبيبة، التي زادت محاولتها في مواساتي من صعوبة الموقف، إذ قالت لي ببساطة (طوليّ بالك شباب طول وعرض، عم يموتوا بالبلد)، وكأنّها استكثرت عليّ الحزن، فهل أصبحت الحياة كثيرةً علينا نحن السوريين؟ ولماذا ينبغي عليّ أن أتقبل وفاة جنيني، أو أخجل من حزني عليه."
هذه الأم، نجت بجنينها وطفلها الأوّل (عام ونصف) مرتيّن من الموت، الأولى كانت بسبب حادث سير فقدت فيه السيطرة على سيّارتها، والثانية حينما تزامن انتظارها عند إحدى حواجز التفتيش بدمشق، مع محاولة تفجير إحدى جسور المشاة القريبة، لكن قدر الفقدان كان من نصيبها في المرةّ الثالثة بطريقةٍ لم تخطر ببالها يوماً.
وحول أسباب الوفاة المفاجئة للجنين، أوضحت السيدّة (د.ع) لـ CNN بالعربية، أنّ طبيبتها التي أشرفت على ولادتها في اليوم التالي، رجحّت أن السبب يعود لارتفاع ضغط الدم لدى الأم بشكلٍ مفاجئ، ما أدى لتوقف قلب الطفل، الأمر الذي أكدّه لنا طبيب الأجنة أحمد طه، مشيراً إلى إمكانية حدوثه، "بسبب الضغوطات التي تعيشها الأمهّات في سوريا."
من جهته، أوضح الطبيب الاستشاري في إحدى مستشفيات الإخصاب ومعالجة العقم وأطفال الأنابيب وطب "الأجنة" في دمشق، محمد موسى، أن عدد الأشخاص الذين يراجعونه كل يوم بقصد التداوي، أو اللجوء لعمليات الإخصاب يتعدى المائة حالة يومياً، مشيراً إلى أن هذا الرقم يتزايد بشكل كبير بعد الحرب، غير مستبعداً أن يكون ذلك نتيجة تأثيراتها.
وقال موسى إن "المستشفى شهد طفرة كبيرة، بسبب زيادة عدد زواره من العراقيين بعد العام 2003، أي بُعَيدَ (غزو العراق) من الأشخاص الذين لجؤوا لعمليات الإخصاب الاصطناعي، وأطفال الأنابيب، أما مؤخراً فغالبية المرضى الذين يزورون المستشفى، هم من السوريين."
ولكن كيف تتجلى انعكاسات الحرب على انخفاض قدرة الإنجاب الطبيعية لدى الأشخاص؟
وأوضح موسى أن "الضغوطات النفسية على الرجل والمرأة، وعدم الاستقرار بسبب الهجرة القسرية، أو السكن في المناطق المتوترة أمنياً، من شأنها خفض القدرة الطبيعية على الإنجاب"، متحدثاً عن زيادة الحالات التي يكون فيها العامل الذكري (The male factor) هو المعيق للإنجاب بعد الحرب، كفقدان الرغبة بسبب الشعور بالتوتر.
أما عن القصص التي تُروى عن آباء وأمهات سوريين فقدوا أولادهم خلال التفجيرات والقصف، ما جعلهم يلجأون لعمليات الإخصاب بهدف الحمل مجدداً، فأوضح موسى أن المستشفى استقبل العديد من الحالات المماثلة، منها: "سيدّة عمرها 37 عاماً، أودت قذيفة صاروخية بحياة أولادها الأربعة، ولجأت لعملية إخصاب على حافّة اليأس، وهي اليوم حامل بتوأم في شهرها الثامن، ونتابع حالتها باستمرار."
قطع حديث الطبيب، سيدّةٌ فقدت ابنها الوحيد مؤخراً (ست سنوات) بقذيفة هاون، أتت لتعرب له عن سعادتها، نسمع صوتها عبر الرواق المؤدي للعيادة قائلةً: "الحمد الله، تم الحمل، ما في شي بيعوّض اللي راح، الله يتمملي بخير."
ويُذكر، أن الإحصائية الصادرة عن منظمة "اليونيسيف" التابعة للأمم المتحدّة بمناسبة إتمام "الأزمة السوريّة" عامها الخامس، جاء فيها أن: "نحو 3,7 مليون طفل سوري، أي واحد من بين ثلاثة أطفال سوريين، ولدوا منذ بدء النزاع في سوريا قبل خمس سنوات...، ويشمل هذا الرقم أكثر من 151 ألف طفل ولدوا كلاجئين منذ العام 2011."، ويثوجد بالمقابل آلاف الأطفال الآخرين الذين فقدوا حياتهم، غرقاً، أو جوعاً، أو بسبب نقص الرعاية الطبيّة، أو ذهبوا ضحايا للتفجيرات، والقصف، وخلفوا في قلوب أمهاتهم، وآبائهم حسرة الفقدان.
وأمام تلك الحالات، قد لا يملك المتأمل سوى الإحساس بالمرارة إزاء قسوة القدر على الأمهّات السوريّات، ومحاولاتهن اليومية لمناورته، مع صعوبة الامتثال للحقيقة التي تفرضها بديهيات الحياة، أن لا أحد يأخذ مكان أحد، ولا شيء يعوض خسارة الراحلين.. خاصّة في قلب الأم.