عمّان، الأردن (CNN) -- قال المفكر الإسلامي والفيلسوف التونسي أبو يعرب المرزوقي ، إن الثورات في المنطقة العربية نجحت نجاحا باهرا بالمستوى الرمزي رغم محاولات إفشالها، وأن "داعش" هي ظاهرة معقدة يعتبر دافع الانتقام فيها أحد أبرز أهدافها.
ورأى المرزوقي في حوار مع CNN بالعربية في العاصمة عمّان، إن وظيفة حزب الله اللبناني كرأس للجسم الإيراني في المنطقة قد انتهت وهي "تخويف إسرائيل"، وأن التيار الإصلاحي في إيران اليوم يدرك أن مصلحته باتت بالمصالحة مع العرب وبالتراجع عن استعمال الطائفية، معتقدا أن إيران لا يمكن أن تصبح قوة إقليمية في يوم من الأيام.
وقال المرزوقي العضو السابق المستقل في المجلس الوطني التأسيسي التونسي، إن هناك مستويين اليوم لظاهرة الثورات والثورات المضادة، أولها مستوى اقتناع الشعوب بالقيم والأفكار التي جاءت بها الثورة، معتبرا أنها "انتصرت انتصارا باهرا حتى في البلاد التي موّلت الثورة المضادة وحاولت وقف المد الثوري" وفق تعبيره، مرجعا ذلك إلى أن الشباب العربي قد "أغرته تلك الأفكار وأصبح يؤمن بها وإن كان عاجزا عن التعبير عنها لظروف اجتماعية واقتصادية وغيرها."
وأوضح المرزوقي على هامش مشاركته في مؤتمر للمنتدى العالمي للوسطية الذي استضافته عمّان مؤخرا، موقفه بالقول: "الثورة المضادة - أو المستوى الثاني منها - لم تحقق شيئا مما سعت إليه ومما كان من شعاراتها، خاصة المآسي التي نتجت من رد الفعل عليها قد تجعل من الناس ينفرون منها، لكن ذلك لم يؤثر على فاعلية الأفكار في وجدان الناس حتى في الخليج، و عندما متابعة الاعلام الاجتماعي تجد أن الشباب ميال إلى تلك الأفكار، أي الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية".
داعش
وفيما يخص تنظيم "داعش" الذي كتب عنه المرزوقي مطولا في محاولة تحليلية لظاهرته، قال: "داعش ظاهرة معقدة جدا، فيها شيء حقيقي وفيها شيء مخابراتي وفيها شيء من الانتقام الشخصي بسبب ما عانى منه بعض الناس في العراق وتونس والجزائر وسوريا من قتل وتعذيب واعتداء على الكرامة، هي ظاهرة نفسية واجتماعية وسياسية وحتى تاريخية وخلقية".
ورأى المرزوقي أن ظاهرة "داعش" تم توظيفها مخابراتيا من عدة جهات، لذلك فهي "ظاهرة عسيرة التحديد، لكن أهدافها المعلنة والخفية معروفة" وفق قوله.
وأضاف:" تصوري أن شخصا يقول: أريد سعادة أهلي، ثم يعذبهم ويعرض تعذيبه لهم في أفلامه، تقولين إنه يريد أن يشوه العاطفة الأبوية وأن يشوه العلاقة بين الأبناء والآباء، هذا الذي يحصل في داعش، في الشعارات هي تريد أن توحد المسلمين، وفي الأفعال هي تعذبهم وتقطع الرؤوس ثم تصور ذلك حتى تصور المرجعية التي تتكلم باسمها، فالتناقض بين الشعارات والافعال يبين أنها ليست حركة ثورية كما تدعي، وأنها ليست حركة تحرير، بل حركة تهديم خالص."
واعتبر المرزوقي أن استغلال ظاهرة "داعش" لتفتيت الدول مثل سوريا ومصر والعراق واليمن وأحيانا بعض الدول الخليجية هو جزء من الظاهرة، قائلا إن معالجة هذه الظاهرة البالغة التعقيد بدون أن نحلل أسبابها الفعلية غير ممكن". ويعتقد المرزوقي أن المعالجة الأمنية لوحدها هي "أغبى" حل لظاهرة داعش بحسبه، ولكنه رأى أن أوروبا تسعى لمنع تحوّل المنطقة العربية وآسيا قوة إقليمية منافسة، أو أن يكون هناك ملتقى لقارات أوروبا وآسيا وأفريقيا.
وقال: "هناك هدف أيضا لمنع هذا الإقليم أن يتعاون ليصبح قطبا في عالم الأقطاب، تصوري ولو وهما، أن يكون هناك ملتقى القارات الثلاثة أوروبا وآسيا أفريقيا، تلتقي وتكون قطب يضاهي القطب الأوروبي، هل يمكن أن تقبل أوروبا بذلك، أم تحاول ما استطاعت أن تحد من هذا. عندما يكون أمامها ند سيمنعها من علاقات التبادل غير العادلة وستخسر أرباحا كثيرا، وهم الآن بدأوا يخسرون من تقدم الهند ومن تقدم الصين، فإذا تقدمت إفريقيا والعرب ستصبح منافسة لأسواقهم."
بالمقابل، لا يرى المرزوقي أن القضاء على "داعش" غير ممكن، بل بإمكان الحلف العربي التغلب على داعش في العراق، ولكن بالتغلب على أسبابها، ومن تلك الأسباب برأيه معالجة "داعشية إسرائيل" و"حزب الله"، وأضاف: "لا تستطيع معالجة داعش في المنطقة وأنت تسمح لإسرائيل أن تكون أشد من داعش، اسرائيل تتصرف كداعش وحزب الله يتصرف كداعش" وفق وصفه.
حزب الله وإيران
وعن موقف المرزوقي من حزب الله اللبناني، قال إن موقفه السلبي منه يعود إلى 20 سنة مضت، وأنه لم يكن ينتظر ليفعل ما فعله في سوريا حتى يتبين أنه "ليس حزبا مقاوما" كما يدعي، على حد تعبيره.
وأضاف:" لم أنتظر أن يفعل حزب الله في سوريا ما فعله حتى أعلم أنه ليس حزبا مقاوما كما يدعي، أعتقد أنه رأس جسم إيراني وليس له إلا وظيفة تخويف إسرائيل لتفرض التفاوض الذي تريد، وأظن أن وظيفته هذه انتهت، بقيت وظيفة واحدة هي تحقيق مشروع إيران في سوريا والعراق لتمتد إيران إلى الابيض المتوسط، ولكن لا أعتقد أن إيران يمكن أن تصبح قوة إقليمية".
وأرجع المرزوقي ذلك إلى تعذر تحّول إيران إلى قوة إقليمية، لأسباب عديدة من بينها ضعف الامكانيات المادية لها، و"احتراق" ورقة "مقاومة إسرائيل" التي تستخدمها بحسبه، وإلى استخدامها للطائفية.
وأضاف المرزوقي حول مسألة الطائفية: "مجرد استعمال الطائفية لدى إيران يجعل الطائفة الأضعف ستخسر وهي الشيعة، إذا قارنّا السنة مع الشيعة فالسنة بحر، وهذا حدث في كل التاريخ الإسلامي، رابعا أن الغرب كان يحتاج إيران لفرض مخططه، إذا فشل لن يحتاج إلى إيران، ولذلك أعتقد أن إيران بدأت تدرك أن من مصلحتها أن تتصالح مع العرب، وأن تتراجع في استعمال الطائفية، لأن استعمال الطائفية سيضرب إيران مرتين".
وفسّر المرزوقي خطورة استخدام الطائفية وأثرها على إيران سلبا قائلا: "هناك وجهان للطائفية، طائفية عقدية وطائفية عرقية، أكثر شعوب المنطقة هشاشة عرقية هي إيران في ظل وجود أعراق متعددة، حيث يؤدي ضعف الطائفة الدينية إلى تقوية الطائفية العرقية، وبذلك حتى إذا وجدت طائفية عرقية في المنطقة العربية فهي طائفة أقليات، وليست طائفية أغلبيات، في حين في إيران، فيها طائفية أقليات كبرى يعني عدد الفرس بالقياس إلى عدد الأكراد وعدد الأتراك وعدد البلوش متقاربة."
واستشهد المرزوقي بمقاربة بين السعودية وإيران على ضعف الطائفية وقوتها، موضحا": إيران أضعف حتى من السعودية في هذا المستوى، السعودية مثلا فيها 10 في المائة شيعة حتى لو انفصلوا فسيبقى 90 في المائة، لكن أن تفرقت إيران في 4 أعراق متساوية العدد فالأمر مختلف. أتصور أن حكماء إيران بدأوا يفهمون وهم الاصلاحيون بأن تبقى إيران دولة قوية تتعامل مع تركيا والعرب ومع اسرائيل أنا شخصيا كتبت عن ذلك من 30 سنة".
السعودية لا تتحمل مسؤولية الخلاف الطائفي وبوتين انسحب
وتحفظ المرزوقي على تحميل السعودية مسؤولية الاختلاف السني الشيعي لاعتبارات تتعلق بالتوظيف السياسي للمذهب وأوضح بالقول :" غير صحيح أن الفكر السلفي هو وهابي، ابن تيمية كان كرديا وليس عربيا، سوري وليس سعوديا، الفكر السلفي المتشدد ليس سعوديا، أنا لا أدافع عن السعودية لكن السعودية تبنت الفكر السلفي كمذهب وهذا أمر مختلف، وهناك توظيف سياسي لمذهب لم يوجده السعوديون ، تونس بالمقابل تبنينا المذهب المالكي هل نستطيع أن نقول أن المالكية نحن مسؤولون عنها؟ أعتقد أن هناك مغالطات".
وبخصوص تطورات الأزمة السورية، وموقفه من الانسحاب الروسي وقبل ذلك تدخله، اعتبر المرزوقي أن روسيا حاولت القيام في الحرب على سوريا بما لم تستطع القيام به عندما فشلت كإمبراطورية، مرجحا بقوة أن تنحسب إيران لاحقا على غرار الانسحاب الروسي الذي جاء إدراكا من فلاديمير بوتين أن القضية تفوق إمكانياته.
وشدد المرزوقي على أن روسيا ليست دولة عظمى، وأن الدخل القومي الخام لروسيا يقارب الدخل القومي الخام لتركيا، وكذلك السعودية، وأن ميزانية الجيش الأمريكي لوحده تقارب الدخل القومي الخام الروسي، وقال:" ليس هناك وجه مقارنة، والدخل القومي الخام الأمريكي يزيد بعشرين مرة عن الدخل القومي الخام الروسي، تدخلت روسيا في سوريا كقوة إقليمية مناكفة لتركيا، وربما لأسباب دينية لأنها فشلت في استرداد اسطنبول في الحرب العالمية الأولى باعتبارها العاصمة التي تدين به روسيا."
وقارب المرزوقي بين الملفين السوري والعراقي، قائلا:" ربما سيكون هناك حرب تدوم لعشرين سنة أخرى لأن الشباب لن يقبل بأن تقسم سوريا، وكذلك العراق لأن الشباب العراقي الآن بدأت تعود له قومية عراقية ضد الصراع الطائفي المذهبي، وهذا أيضا يبشر بخير، وأن العراق سيسترجع دوره ويصبح دولة إقليمية ذات وزن".
أما فيما يتعلق بتطور حركات الإسلام السياسي منهجيا في شمال إفريقيا، يرى المرزوقي إن تلك الحركات في المغرب العربي بدأت تفهم ان الاسلام لا يحتاج إلى تقديم الدعوة الدينية على علاج القضايا المدنية والاجتماعية والسياسية.
وبين أن تلك الحركات أخذت بعين الاعتبار، ما يجري في تركيا وماليزيا وأنه المستقبل بالنسبة لهم هو بالديمقراطية التي يمكن لهم من خلالها أن يصلوا إلى الحكم وأن يحكموا بالديمقراطية.
وقال :" الآن تلك الحركات تعرف أنها يمكن أن تعترف بغيرها وأن غيرهم يعترف بهم،، وهم مطمئنون أن لهم الأغلبية إذا سارت الأمور سلمية، ولذلك فإن العنف الآن لا يأتي منهم بل يأتي من اليسار، العنف الموجود القائم حاليا في المغرب العربي ليس إسلاميا، صحيح أن العنف الإسلامي من السلفية موجود، لكن ليس من الحركات الاسلامية تتعاطى السياسة حزبا وتدخل الانتخابات" .