هذا المقال بقلم أمين شلبي، سفير مصري سابق، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
يتوافق هذا العام مع مرور 30 عاماً على كارثة انفجار المفاعل النووي السوفيتي في تشيرنوبل بكل تداعياته الحياتية والبيئية على محيطه البشري والجغرافي، وحيث مازالت تعاني من آثار اشعاعاته حتى اليوم. مع هذه المناسبة تحرك خبراء في اسرائيل مثل البروفيسور Auzi Iven الذي كشف عن 1500 ثغرة في مفاعل ديمونة في جنوب اسرائيل وطالب الحكومة الاسرائيلية بإغلاقه. كما كشفت جريدة هآرتس الاسرائيلية عن مؤتمر علمي عُقد مؤخراً في اسرائيل حول قضايا نووية، وحيث عبر بعض الخبراء عن مخاوفهم من اشعاعات ممكنة من المفاعل.
والواقع أن ما أثير في اسرائيل قد سبق أن أثرناه خلال مؤتمر عُقد في الجامعة العربية أوائل هذا العام لمناقشة تداعيات الاتفاق النووي الايراني على الأمن القومي العربي، ونبهنا خلال المناقشات من تقادم المفاعل النووي الاسرائيلي -الذي يرجع انشاؤه الى عام 1963- وأهم من ذلك عدم خضوعه لأي تفتيش دولي؛ حيث ترفض اسرائيل رقابة الوكالة الدولية للطاقة، فضلاً عن عدم عضويتها في معاهدة منع الانتشار NPT. وعبرنا عن آمالنا أن تطرح الدبلوماسية العربية هذا الخطر خلال قمة الأمن النووي الذي كان مقرراً عقدها في أواخر مارس 2016 في واشنطن.
***
ويرتبط بذلك قضية أشمل وهي جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وجميع أسلحة الدمار الشامل وهي القضية التي تقدمت حولها مصر بمبادرة في أوائل التسعينات، وعلى مدى 35 عاماً قوبلت هذه المبادرة بالتجاهل أولاً ثم بإحباط أي جهود جادة لإنشاء هذه المنطقة. ففي مؤتمر مراجعة منع الانتشار عام 1995، وحيث كانت الولايات المتحدة تعمل بشكل يائس للتمديد اللانهائي للمعاهدة، ولكي تحصل على موافقة مصر والعرب، حيث كانت مصر في هذا الوقت تبدي ترددا في تأييد هذا المد، وافقت الولايات المتحدة على استصدار قرار من الأمم المتحدة يجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل. غير أن هذا القرار ظل بلا أي تفعيل حتى استطاعت مصر والعرب أن تستصدر من الأمم المتحدة عام 2010 قرارًا بعقد مؤتمر دولي في 2012 في هلسنكي لمناقشة ترتيبات انشاء المنطقة، ورغم أن الأمم المتحدة قد عينت "مُسهل facilitator" إلا أن الولايات المتحدة في اللحظة الأخيرة أحبطت انعقاد المؤتمر بحجة أن "الوقت غير مناسب". ومع انعقاد مؤتمر مراجعة المعاهدة في نيويورك أبريل – مايو 2015 أعادت مصر تقديم مشروع انشاء المنطقة إلا أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا عارضوا صدور قرار في هذا الشأن.
وتدعونا هذه الخبرة أن نعيد تقييم امكانية تحقق هذه المنطقة والتي لا تبدو ممكنة في الأجل المنظور؛ بحيث يصبح البديل العملي هو تكثيف جهودنا الدولية على المطالبة أن تخضع اسرائيل منشآتها النووية للتفتيش الدولي. ولعل النقاش الذي دار مؤخراً في اسرائيل حول أخطار مفاعل ديمونة يدفع علماءنا وخبراءنا ومؤسساتنا المعنية إلى اعطاء أهمية أكثر لحالة هذا المفاعل، وأن يُطلعوا الرأي العام المصري والعربي على تقديرهم لحالته، وهل ما يشاع عن أخطاره مبالغ فيه أم أنه حقاً بفعل تقادمه وعدم خضوعه لأي تفتيش دولي يمكن معه أن يصحوا المصريين والجوار العربي ذات صباح لكي يواجهوا تشيرنوبل ثانية على حدودهم؟