عمرو حمزاوي يكتب عن قضايا الحقوق والحريات في مصر: يستحيل إنكار "الانتهاكات" إلى ما لا نهاية

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي يكتب عن قضايا الحقوق والحريات في مصر: يستحيل إنكار "الانتهاكات" إلى ما لا نهاية
Credit: MOHAMED EL-SHAHED/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

بسرعة هائلة، تتراكم السوابق السلبية المتصلة بقضايا الحقوق والحريات في بر مصر. تتعدد حالات "الوفاة" داخل السجون وأماكن الاحتجاز، توثق المنظمات الحقوقية المستقلة لأسماء تتزايد لضحايا القتل خارج نطاق القانون والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، تستطيل قوائم القابعين وراء الأسوار لأسباب سياسية لتجعل "الحالة المصرية" (عدد الأفراد المسلوبة حريتهم بالتنسيب إلى إجمالي عدد السكان) من بين الأكثر سوءا عالميا. وإلى هذه السوابق الكمية يأتي طيف من السوابق النوعية كعزل المستشار هشام جنينة من منصبه كرئيس للجهاز المركزي للمحاسبات ثم إحالته إلى المحاكمة، والاقتحام الأمني لنقابة الصحفيين متبوعا بإحالة النقيب وبعض أعضاء مجلس النقابة إلى المحاكمة، والتوسع في توظيف قرارات المنع من السفر والحجز على الأموال لإنزال العقاب بغير الممتثلين من المواطنات والمواطنين.

هذا التراكم الكمي والنوعي لسوابق انتهاك الحقوق والحريات يعني، أولا، الاستحالة الموضوعية لإنكار الظلم والمظالم من قبل الحكم ومؤيديه "بفاعلية" تتماثل مع وضعية صيف ٢٠١٣ حين تمكنت من أغلبية المصريات والمصريين هيستيريا نزع الإنسانية وعمليات غسل الأدمغة وتزييف الوعي التي أدارتها مؤسسات رسمية وأذرع إعلامية، ودفعتهم إلى هاوية إنكار الظلم والانتهاكات والدفاع عن سجل حكم متورط منذ مجيئه في استباحة كرامة المواطن. اليوم، وبعد مضي ثلاثة سنوات على البدايات البائسة، لم يعد يصدر لا عن الحكم ولا عن مؤيديه الكثير مما يفيد إنكار انتهاك الحقوق والحريات. على النقيض من ذلك، تصر المؤسسات الأمنية ومؤسسات أخرى على مواصلة انتهاك الحقوق والحريات دون مبالاة بإنكار، وبلسان حال هو إلى الإفصاح بتعمد إيذاء المعارضين والمختلفين وغير الممتثلين أقرب. أما جموع المؤيدين فقد استداروا بعيدا عن خانات التبرير، لينفتحوا على ادعاءات متوهمة بشأن "صراعات الأجهزة والأجنحة" وكون الحقوق والحريات تذبح من قبل البعض داخل "بنية الدولة" ويتبناها البعض الآخر. ينفتحون على مثل هذه الادعاءات، بينما الحكم يتصرف وفقا لنص سلطوي وقمعي واضح لا لبس فيه ولا تضارب في مواقف منفذيه.

***

ثانيا، يؤشر التراكم الكمي والنوعي للسوابق السلبية لانتهاك الحقوق والحريات إلى إدراك الحكم لمحدودية فاعلية أدواته غير القمعية، وصعوبة التعويل على حديث "الإنجازات القادمة" بمفرده لإقناع الناس بحتمية تأييد الحاكم والامتناع عن معارضة قراراته وسياساته. لم يعد الترويج الرسمي "للمشروعات الوطنية ولعوائدها الكبرى" كافيا لكي يتوقف المواطن عن طرح تساؤلات بشأن أسباب التدهور المستمر في ظروفه المعيشية أو عن الحقائق المتعلقة بمحاربة الفساد والحد من تأثيره السلبي على حياة الناس. لم يعد تغليب قطاعات شعبية ليست بالصغيرة لثقتها في الحكم على الخوف والقلق من أفعاله كافيا لأن يتجاهل هؤلاء اقتراب المظالم والانتهاكات من دوائر حياتهم اليومية وإفسادها لفرض الصمت دون وخز الضمير أو تمرد العقل. لم يعد أمام حكم يرى في إخضاع الناس "ضرورة للاستقرار" وفي تغييب أصوات المعارضين "دفاعا عن الأمن القومي" وفي إنزال العقاب بالمختلفين وغير الممتثلين "ضمانة لإدارة شؤون البلاد بكفاءة"، لم يعد أمامه غير الأدوات القمعية التي تستطيع أن تطول الجميع وصناعة الخوف التي تجعل من الأخير المشروع الوطني الأكبر.

يدلل تراكم الانتهاكات، ثالثا، على عدم انزعاج الحكم في مصر من ردود الأفعال الدولية (حكومية وغير حكومية) المحتملة. قد يستند عدم الانزعاج إلى قراءة واقعية لمصالح القوى الغربية التي تعاني الأمرين في الشرق الأوسط إن من داعش أو من أزمة اللاجئين أو من انهيار الدول والمجتمعات في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ولا تريد لمصر سوى البقاء بعيدة عن الانهيار وإن تمثل "الثمن" في حكم ديكتاتوري. قد ينبني عدم الانزعاج على اعتراف ضمني من قبل الحاكم والمؤسسات الرسمية بخطورة التحديات التي تواجهها مصر بسبب الإرهاب في سيناء ومناطق أخرى وبسبب قسوة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم المطالبة "الفعالة" لحكومات الغرب بالتركيز على دعم الجهود الرسمية المصرية لمحاربة الإرهاب والمساعدة في احتواء الأزمات التي تحاصر البلاد. قد يتأسس عدم الانزعاج على إدراك الحكم لمحدودية دور المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان النشطة في الغرب فيما خص صياغة السياسات المتعلقة بمصر في لحظة داخلية تبدو بها السلطوية دون بديل والديمقراطية دون طاقات للتغيير، وفي لحظة إقليمية بها عديد الكوارث الأخرى التي تتجاوز المظالم والانتهاكات التي تسببها على هوامش الدماء والدمار مجمل ما يحدث في مصر،  وفي لحظة غربية بها صعود للفاشية غير المكترثة بالحقوق والحريات إلا داخل الغرب. لكل ذلك لا يتردد الحكم في تعميم توظيف الأدوات القمعية وصناعة الخوف غير مباليا بردود الأفعال المحتملة من غرب يبحث أيضا عن حماية مصالح الاقتصادية والتجارية مع مصر.

***

رابعا وأخيرا، ليس للتراكم الكمي والنوعي لسوابق المظالم والانتهاكات التي يتورط بها الحكم من عنوان عريض سوى "لم تتعلم السلطوية الجديدة في مصر لا من عبر سقوط سابقتها ولا من دروس انهيار الحكومات المستبدة في عالمنا المعاصر"، والعبر والدروس هذه لا تستعصي على الاستخلاص. يستحيل إنكار الانتهاكات إلى ما لا نهاية، يستحيل تزييف وعي الناس بحديث إنجازات أو مقولات تآمر إلى ما لا نهاية، تستحيل ممارسة القمع وصناعة الخوف إلى ما لا نهاية، يستحيل تصور إيجابية نظرة الغرب والأطراف الخارجية الأخرى إلى حكم يرتكب مظالم وانتهاكات غير مسبوقة إلى ما لا نهاية.