هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أن الآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
فيلم للأطفال بصحبة والديهم حصل على أعلى الإيرادات (36 مليون دولار ) في الأسبوع الأول من عرضه في أمريكا الشمالية كما ذكرت نيويورك تايمز، و151 مليون دولار في السوق العالمية وقد استخدمت فيه تقنيات عالية. قبل أن نحكي قصة الفيلم ونعلق عليه لابد أن نشير لتراث حضاري شرقي غربي يصنع فارقا في النظرة للحيوانات والطيور. ففي الغرب لا يرون مثلاً أن الخنازير نجسة وفي أفلام الكرتون للأطفال يظهر الخنزير حكيماً، وفي تحفة جورج أورويل "مزرعة الحيوانات" -والتي فيها يتحدث عن قيادات الثورة الروسية رامزاً لهم بحيوانات المزرعة- يعطي الخنزير دوراً قيادياً هاماً وأيضاً في النظر للطيور نجد أن البومة التي يتشاءم الشرقيون منها ينظر إليها الغرب كمصدر لتفاؤلهم، كما أن هناك فارق في معاملة الكلاب والقطط بين الشرق والغرب... الخ. هذه المقدمة هامة لفهم وادراك الهدف من الفيلم.
***
يحكي الفيلم قصة طيور سعيدة تعيش في جنة بديعة في جزيرة وسط البحر بعيدة نسبيا عن الأرض. وهذا الجيل من الطيور ورث الجزيرة من أجيال متعددة تعبت وجاهدت حتى حولتها إلى فردوس يسوده السلام والعمل الجاد واحترام الخصوصية وسيادة القانون على جميع ساكنيها. تتميز هذه الطيور بألوان رائعة الجمال ومتنوعة الأشكال تعرف كيف تعيش سعيدة ترقص وتغنى وتنام ملء جفنيها، وتتعامل مع الطبيعة المحيطة بها بمنتهى الحب والاحترام، تتزاوج فيما بينها بحب وعشق راق، وتسمع موسيقى فريدة من نوعها تعزفها الطيور بأصواتها وتتراقص على نغماتها الأشجار وتتمايل. في وسط هذه الجزيرة تعيش مجموعة من الخنازير تميل ألوانها إلى الاخضرار من نوع واحد، لكنها امتزجت مع باقى الطيور وتزاوجت معها فجاءت أفراخها مهجنة تتحدث لغة الجزيرة وترقص رقصها ولم يعد هناك فارق يذكر سوى الألوان المتقاربة والمتباعدة ( الهجين ).
وفي إحدى الأيام رست على شاطئ الجزيرة سفينة بقيادة خنزير أخضر ويحمل معه عددا قليلا من الخنازير الخضراء فاستقبلتهم الطيور بصدر رحب واحتفلت بهم بعدة احتفالات، لكن هذه الخنازير عندما نزلت إلى الشاطئ كانت تخبئ العشرات من أقرانها في باطن المركب الذى حملها إلى جنة الطيور. اندمج الوافدون في المجتمع الجديد وقد سمحت لهم الطيور بالاختلاط معهم حيث كانوا يبدون طيبي المظهر متعبين من طول السفر؛ صحتهم عليلة منهم مرضى وجرحى ومتألمين، معهم أطفالهم وكبار السن فاشفقوا عليهم، وهكذا بدأ الوافدون الجدد يتعلمون لغة الطيور رغم ضعفهم الواضح في الفهم والاستيعاب للغة الجديدة. تنبه الوافدون إلى أن هذه الجزيرة تعتمد ثقافتها على الموسيقى فتعلموها وعزفوا معزوفاتهم وغنوا اغنياتهم وبدوا كأنهم نسوا البلاد التي أتوا منها وحضارتها وثقافتها ... إلخ، بل إنهم تعلموا وتعودوا على طعام الطيور وعرفوا كيف يطهونه بطريقة جيدة. كذلك مارسوا ألعابهم بكل نشاط وحماس وتفوقوا فيها وكذلك أحبوا وعشقوا الطيور وكذلك فعلت الطيور معهم؛ حيث أنهم مارسوا ألعابهم ورقصاتهم ومجمل أنشطتهم الثقافية.
***
بدأت الطيور في مراقبة الخنازير الجدد جيدا فوجدوا أن الصناديق الخشب التي جاءت مع الوافدين الجدد مرسوم عليها الأحرف الثلاثة T.N.T، وأن الهدف من وصولهم إلى الجزيرة هو اختطاف صغار الطيور والهرب بهم إلى موطنهم الأصلي. عندما اكتشفت بعض الطيور هذه الحقيقة انتفضوا غاضبين ثائرين على القوانين والحضارة التي جعلتهم يحتضنون مثل هؤلاء، تخلوا عن سذاجتهم وتعاطفهم مع الوافدين الجدد ونظموا أنفسهم واستنفروا جميع الطيور بعد إعلانهم لهم باكتشاف ما في الصناديق، وقادوا مجتمع الطيور بأكمله لأجل الانتقام من الخنازير الأنذال الذين قطموا الأيادي التي امتدت اليهم ورحبت بهم وقدمت لهم كل التسهيلات لكي يعيشوا حياة هانئة على الجزيرة بل واعتبروهم من أهلهم وشعبهم وتزاوجوا معهم. لقد انكروا الجميل وظهر وجههم الحقيقي البغيض.وكل فترة زمنية كانت الجزيرة تستقبل سفناً جديدة تحمل خنازير خضراء وافدة إلا أن الأقلية من الخنازير الخضراء التي كانت في الجزيرة منذ زمان بعيد والتي عاشت ردحا من الزمان مع الطيور واندمجت في حضارتهم بدأت في تحذير الطيور من الخنازير الجدد. رغم أن هذه الأقلية كانت منبوذة اجتماعيا من الأصل وتعيش في حي فقير من أحياء الجزيرة وتعمل في مهن حقيرة وينظر إليها من الطيور على أنها دخيلة عليهم، لكنهم تعودوا على بعضهم البعض بسبب طول الزمن الذي عاشوا فيه معا. ولقد تنبهت الخنازير الأصيلة إلى خطورة الخنازير الجديدة وأوضحت كثيرا للطيور مالكة الجزيرة الخطورة التي يمثلها الوافدون الجدد من الخنازير الخضراء، إلا أنهم لم يلتفتوا إلى مثل هذه التحذيرات. ولكن وقوع بعض التصرفات من الوافدين بدون قصد؛ مثل العنف في الشجار مع الطيور عند الاختلاف ومثل اغتصاب بعض أولاد الخنازير لإناث الطيور مع الأسلوب السري الذي يستخدمونه في لقاءاتهم معا وتحريضهم الخنازير الخضر القدامى للانضمام إليهم ... إلخ؛ كل هذا زرع الشك في قلوب حكام الجزيرة من الطيور.
***
كان لابد من حرب ثأرية عنيفة حيث لم تستطع الخنازير أن تبرر سبب وجود صناديق الديناميت؟ ولماذا تم خطف طيور صغيرة وتهريبها لبلادهم ليستخدموهم ضد وطنهم بعد اقناعهم بفساد الطيور الكبيرة أخلاقياً؟. وقد سفكت دماء كثيرة في هذه الحرب ومات فيها الكثير من الطيور المثقفة والمتحضرة، ودمرت معالم كثيرة تدل على الحضارة المتقدمة التي صنعها الطيور الأجداد من أماكن الموسيقى والمسرح وانتهت الحرب بانتصار الطيور في موقعة عسكرية حقيقية، فيها استخدمت الطيور أجسادها لتدمير بيوت الخنازير الخضراء. ولقد كانت نهاية الخنازير نهاية فاجعة لهم وكذلك كان الانتصار مكلفا جدا للطيور الطيبة التي استقبلت الخنازير بسذاجة وطيبة قلب.
بالطبع يحذر صانعو هذا الفيلم من الإرهابيين الذين يندسون بين اللاجئين السوريين الذين يركبون قوارب الموت إلى شواطئ أوروبا، أو الذين يطلبون اللجوء من خلال منظمات الأمم المتحدة. لقد كان أول انطباع أتى إلى ذهني بعد مشاهدة الفيلم أن ليس كل الأوروبيين والأمريكيين طيوراً ساذجة طيبة تعيش في أمان وحب وصفاء. كما أن ليس كل اللاجئين خنازير، بالطبع هناك في بلاد المهجر طيور طيبة تحمل في أضلاعها قلوب حانية تستقبل المهاجرين بكل حب وتقبل، بل وترحب بوجودهم وتساعدهم. وهؤلاء المهاجرون معظمهم أيضا طيور كانت تعيش في بلادهم محلقة مبتهجة بقلوب طيبة تحب الحياة، لكن ديكتاتورية حكامهم ومغامراتهم دمرتهم ودمرت بلادهم وشعوبهم وظهرت الخنازير من وسطهم تسبي نساءهم وتقتل رجالهم وتجند أطفالهم لكي يفجروا أنفسهم في بشر لا علاقة لهم بقضيتهم.
ركبت هذه الطيور الطيبة القوارب في مغامرة خطيرة لتجد أحضان تحتمي فيها إلا أن بعض الخنازير اندسوا في وسطهم، فلا يمكن أن نحاسب كل الطيور المهاجرة على أنهم خنازير ثم أن بين الطيور ساكنة الجزيرة هناك خنازير يمارسون العنصرية ضد كل ما هو أجنبي ويذلونهم بقسوة لدرجة أن الأجيال الأولى من المهاجرين الشرعيين يعانون أشد المعاناة. إن التعميم في كل الحالات خطأ، ونحن نرى – عزيزي القارئ – في هذا الفيلم دور الفن في استقراء المستقبل والتحذير مما سوف يحدث.
وفي مصر رأينا كثيراً من هذه الأفلام التي تستقرئ المستقبل وتحذر من حكم الخنازير وعلى رأس هذه الأفلام كان المصير ليوسف شاهين حيث وصل الخنازير إلى ابن الملك حاكم الأندلس وجندوه، وكان من ذكاء يوسف شاهين أنه ترك النهاية مفتوحة للصراع بين الطيور والخنازير. ولقد حذر "حسين كمال" الديكتاتور الذي يحكم البلاد من نهاية "عتريس" في فيلم "شيء من الخوف"، كما فعل "صلاح أبو سيف" في فيلم "الزوجة الثانية" و "البداية" حيث ترك الديكتاتور يقابل مصيره منفردا وغردت الطيور بعيدا. مازال للفن والأدب الدور الرئيسي لإرسال رسائل التحذير سواء للطيور أو الخنازير.
والفيصل هنا هل تدرك الطيور متى وكيف تنتفض؟ وهل تدرك الخنازير متى وكيف تتراجع وتكون أكثر إنسانية؟ إنه الصراع بين الطيور والخنازير في كل زمان ومكان سواء على المستوى المحلي أو العالمي.