شمس الدين النقاز يكتب: هل تُسقط السعودية قانون "جاستا" في الماء؟ وهل انتقل العالم اليوم إلى "البلطجة" القانونية الدولية؟

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
تقرير شمس الدين النقاز
شمس الدين النقاز يكتب: هل تُسقط السعودية قانون "جاستا" في الماء؟ وهل انتقل العالم اليوم إلى "البلطجة" القانونية الدولية؟
الملك سلمان بن عبد العزيز يتحدث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال لقائهما بالبيت الابيض في واشنطن في 4 سبتمبر 2015Credit: YURI GRIPAS/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الإسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

فجأة ودون سابق إنذار ولا مقدمات، أقر الكونغرس قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (جاستا)، مُعطلا بذلك "فيتو" الرئيس باراك أوباما الذي سبق وأن رفض القانون لانتهاكاته الصارخة لمبادئ القانون الدولي ولما يمكن أن يخلفه من سلبيات على الولايات المتحدة الأمريكية.

 رد البيت الأبيض لم يتأخر كثيرا، فبعد أيام قليلة، اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في لقاء مع قناة "CNN" الأمريكية، بأن المصوتين لصالح قانون "جاستا" لا يعلمون فحواه، ولم تكن هناك أي مناقشة بشأنه، مشيراً إلى أن إسقاط الفيتو كان خطأ كبيرا قد يتسبب في مقاضاة أمريكيين في الجيش في جميع أنحاء العالم، ويجعلهم عرضة للمساءلة القانوينة، وهو ما قد يؤثر على الأعمال العسكرية الأمريكية في كل مكان.

بدوره، أعرب السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي، عن اعتقاده بوجود عواقب لقانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" (جاستا)، الذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية.

وأوضح ماكونيل أن "تركيز المشرعين كان منصبا على احتياجات عائلات ضحايا 11 سبتمبر ولم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير في العواقب"، قائلا إن "الجميع كان يدرك من المستفيدين، ولكن لم يركز أحد على الجوانب السلبية المحتملة فيما يخص علاقاتنا الدولية".

تصريحات المسؤولين الأمريكيين حول هذا القانون المنتهك لسيادة الدول حتى أن البعض سماه بـ"البلطجة"، أكد بما لا يدع مجالا للشك أن المشرعين جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين، في ورطة اليوم، بعد أن كشف خبرا القانون الدولي إخلالات القانون، وبعد تحذير الخبراء من أخطار "جاستا" على أمريكا دولة كانت وأفرادا.

الورطة القانونية الكبيرة التي وقع فيها ساسة أمريكا، دفعت ولي العهد السعودي، ووزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف إلى القول إن "بلادنا مستهدفة وسنحصن أنفسنا"، ولا نعرف هنا ما هي التحصينات التي تحضّرها المملكة لحماية أصول رسمية تقدر بـ750 مليار دولار على شكل سندات وأصول أخرى، داخل الولايات المتحدة.

إن الغرض الذي شرّع من أجله قانون "البلطجة"، جاء في سياق توفير أوسع نطاق ممكن للمتقاضين المدنيين للحصول على تعويض من الأشخاص والجهات والدول الأجنبية التي قامت بتقديم دعم جوهري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لأفراد أو منظمات تعتبر مسؤولة عن أنشطة إرهابية ضد الولايات المتحدة، وإن كان البعض قد فهم مباشرة أن السعودية هي المعني الأول بهذا القانون، إلا أن آخرين شككوا في ذلك، وزعموا أن الموضوع محسوم والمملكة بعيدة كل البعد عن هذه النصوص القانونية، فلجنة التحقيقات الخاصة بأحداث 11 سبتمبر، كانت قد خلصت إلى عدم تورط السعودية كدولة في أي نشاط إرهابي داخل الولايات المتحدة رغم أن العدد الأكبر من منفذي الهجمات الأدمى في تاريخ أمريكا كانوا سعوديين.

يقول خبراء، إن إقرار قانون "جاستا" لن يترك أي دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية في أي قضية يتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة لحالات وفاة تحدث داخل أمريكا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا، فالقانون الذي خرق الأعراف الدولية المعمول بها منذ عشرات السنين، منح المواطن الأميركي حق تقديم دعوى ضد أي دولة أجنبية، وهو ما دفع أرملة أحد ضحايا هجمات 11 سبتمبر، برفع دعوى قضائية ضد السعودية بعد يومين فقط من إقرار القانون.

أستاذ القانون ستيفن أ. فالديك حذر في مقابلة صحفية أجراها معه ونشرها الموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي من أن قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي أجازه الكونغرس بأغلبية كبيرة يمكن أن يضع سابقة لمجموعة من القضايا التي لا علاقة لها بـهجمات 11 سبتمبر ضد دول أجنبية بالمحاكم الأميركية، وضد أميركا بمحاكم خارجية، مضيفا أن هذا القانون يسمح برفع قضايا ضد دول أخرى تتعلق بـ"الإرهاب الدولي" الذي يتسبب في الإضرار بأميركيين حتى إذا لم تعتبر أميركا تلك الدولة راعية "للإرهاب" وعلى سبيل المثال يمكن لهذا القانون أن يسمح للفلسطينيين الأميركيين مقاضاة إسرائيل في الولايات المتحدة.

يعلم جيدا خبراء القانون الدولي والقانون الأمريكي أن الحصول على تعويضات من حكومات أجنبية أمر في غاية الصعوبة لهذا طمأن رئيس اللوبي السعودي سلمان الأنصاري السعوديين، لكن القلق الأساسي اليوم، متأت أصلا من السلوك الأمريكي المتغير بشكل يبدو راديكاليا في العلاقة بين البلدين الحليفين، والذي أوصل علاقتهما إلى هذا المستوى من الريبة، لا سيما في ظل الإدارة الديمقراطية الحالية التي باعت كل الإرث التاريخي لعلاقات تحالف استراتيجي بسرعة وعلى نحو مفاجئ لفائدة إيران الخصم اللدود للسعودية في المنطقة.

التعليقات السعودية الرسمية على قانون "جاستا"، لم تزد عن بيان واحد صدر على لسان مصدر في وزارة الخارجية السعودية، قال فيه "إن اعتماد قانون جاستا يشكل مصدر قلقٍ كبيرٍ للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين، وأن من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلباً على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة"، لكن حلفاءها عربا كانوا أو عجما، أعلنوا النفير الدبلوماسي العام وتسابقوا في إصدار بيانات التنديد والشجب والإستنكار.

صدمة كبرى داخل الأوساط العربية، وتنديد دولي ومحلي، والكل أصبح يصرخ بأعلى صوته إن "قانونكم يضعف مبدأ الحصانة السيادية وهو ما سيؤثر سلبا على جميع الدول المستقلة وليس السعودية فحسب"، لكن رغم كل هذا الصراخ يأبى بعض المسؤولين الغربيين إلا أن يواصلوا سعيهم الحثيث لتكريس مبدأ الفوضى القضائية الدولية والإنتهاكات السيادية للدول الأجنبية، لا نعلم إلى حد اللحظة هل هي في صالح الشعب الأمريكي أم في صالح دول أخرى لا تتوانى في إعلان موقفها المعادي من السعودية.