رأي لمصطفى النجار: شباب لم يقابلهم الرئيس السيسي!

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
رأي لمصطفى النجار: شباب لم يقابلهم الرئيس السيسي!
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة  CNN

القاهرة، مصر (CNN)-- كان مؤسفا أن يقول شاب ممن جلسوا على منصة مؤتمر الشباب بشرم الشيخ مخاطبا رئيس الجمهورية "طول حياتي كنت بتخانق وبحارب عشان أروح اسمع رئيس بيتكلم  وأنا في  آخر صف، جاتلي صدمة لما تمت دعوتي إني اتكلم قدام الرئيس"، ربما تؤكد جملة القائل التي تدخل في إطار المدح وربما التقرب والانسحاق النفسي، الشعور العام لكثير من الشباب الذين لم يتحمسوا للمؤتمر بسبب قناعتهم أن هذا مؤتمر للشباب المؤيد للنظام فقط، وأن طريقة اختيار غالبية الحضور تدعم هذا الاتجاه لتؤكد أن هذا مؤتمر المؤيدين، والمؤيدين فقط.

بادىء ذى بدء لا يمكن إنكار أن فكرة عقد مؤتمر بهذا الشكل هي فكرة متميزة ويمكن أن تنتج مخرجات إيجابية حقيقية إذا كان المناخ العام الذى يسبق ذلك ويزامنه مناخا صحيا في مجال عام مفتوح وحر يسمح بتعدد الأراء ويقبل الاختلاف ويثمنه دون تخوين وإقصاء وتشكيك وتصنيف، فهل تعيش مصر فى هذا المناخ؟

على مدار ثلاثة سنوات عاشت مصر في مناخ أحادي الاتجاه لا يريد الشراكة ولا يقبل النقد ولا يبدى استعدادا لمراجعة أي خلل، صار المعيار الأول للرضا والسخط هو كم تأييدك وتقربك وتزلفك للسلطة، فإذا كنت صاحب عقل نقدي وتختلف مع مواقف السلطة وسياساتها كلها أو بعضها فأنت من المغضوب عليهم الذين تنهش فيهم أبواق النظام لتتهمه بالخيانة وكراهية الوطن والتآمر وغيرها من الاتهامات المعلبة.

انحسر العمل العام في المدارس والجامعات والنقابات والمجتمع الأهلي وانعدم صوت السياسة ليحل محله نشيد التأييد والإتباع والسير في دروب ترضى عنها السلطة وتباركها، مفتاح تواجدك في العمل العام هو رضا السلطة عنك وإلا فلا مكان لك.

الشباب المؤيد هو الشباب الوطني المحب لبلاده والشباب المعارض هم الخونة والطابور الخامس الكارهين للوطن، دشن الإعلام مكارثية حادة يترجمها للبسطاء قائلا: دول معانا ودول ضد البلد، حُرمت مصر من كثير من العقول المبدعة من أبنائها وشبابها الذين خرج الكثيرون منهم في نزوح جماعي خارج الوطن بعد أن ضاق بهم، بينما لاذ أخرون بالعزلة والانفصال عن الواقع لتخسر مصر أفكارهم وجهودهم وعطاءهم.

مجرد تفكير السلطة في عقد مؤتمر للشباب بهذا الحجم يعنى أنها تدرك أن ثمة مشكلة كبرى تواجهها مع الشباب، وهي تدرك قطعا أن من اختارتهم بعنايتها وبأجهزتها لحضور المؤتمر لم يكونوا هم الأولى بالحضور، إذ لا معنى أن تحشد موالين ومؤيدين لك ليكيلوا كل صنوف المدح والإطراء ثم ينصرفوا دون أن تحل المشكلة الأكبر المتمثلة في القطيعة الكبرى وفقدان الثقة والشعور بالقهر والاستهداف لدى الشباب الساخطين.

كان هذا المؤتمر فرصة ذهبية لو تم الإعلان عن مبادرة للوفاق العام تتضمن بنود حقيقية تصلح الخرق والشقاق الحالي بين السلطة والشباب الذين لا يؤيدونها، لكن لم يحدث ذلك بل تولد إحساس عكسي بدلا من الفرح بالمؤتمر ليتحول لسبب جديد لزيادة السخط والانعزال.

نحن لا نتحدث عن نشطاء سياسيين ولا نتحدث عن رموز معارضين بل عن ملايين من الشباب يفتك بهم اليأس والإحباط ولا يجدون أنفسهم قادرين على البقاء بمصر حتى صارت أعظم أمنياتهم هي الهجرة التي يسلكون دروبها الشرعية وغير الشرعية بحثا عن أمل اختنق بين ضلوعهم وحلم تمزق مع معاناتهم.

يمكن أن تعتبر السلطة هذا المؤتمر هو مؤتمر الشباب المؤيدين، فهل تفكر في عقد مؤتمر مشابه للشباب المعارضين؟ وهل تقبل أن تسمع منهم؟ أم أن أذانها لا تحب هذه الأصوات؟

مصر تمر بمرحلة صعبة لن يمكن تجاوزها إذا استمرت فلسفة الصوت الواحد والرأي الواحد ورفض الاختلاف، التعلل بمحاربة الإرهاب لتمرير كل شيء لم يعد ممكنا، حتى محاربة الإرهاب تحتاج مجتمعا متماسكا بلا استقطاب ولا إقصاء وتصنيف للناس طبقا لأفكارهم.

الذين لم يقابلوا الرئيس كثيرون لا يعرفهم الرئيس ولا يذكرهم إعلام السلطة الحكومي والخاص، هؤلاء هم الذين يعانون ويكدون من أجل التشبث بالحياة، لا يجيدون التطبيل ولا التزلف والإطراء، لكنهم يحبون هذا الوطن ويحلمون به قويا عزيزا كريما ولا يبخلون بشيء من أجل العمل لرفعته.

لا نتمنى أن يتحول هذا المؤتمر إلى تنظيم طليعي جديد ولا حتى لجمعية تشبه جمعية حورس أو جيل المستقبل فقد فشلت هذه التجارب التي أنتجتها السلطة ولم تكن ظهيرا يمكن الاعتماد عليه، لأن تجمعات المصالح والمشتاقين سرعان ما تنهار مع تقلب الرياح واشتداد الأمواج.

تخسر دائما السلطة التي لا تسمع سوى مؤيديها، المعارضون السلميون للسلطة لن يحملوا لها المتفجرات ولا المفخخات وإنما بضاعتهم أراء وأفكار ورؤى ومواقف، السلطة الواعية هي التي تحتمى بالمعارضة الحقيقية وليس الديكورية لأنها تفهم أن بقاء النظام – أي نظام – واستقراره مرهون بوجود معارضة وصوت مختلف يشير لمواطن الخطر ويتكاتف في لحظات البناء.

لا نمًل من التمسك بالأمل بأن يرتفع صوت العقل وتنخفض أصوات الكراهية ويتواضع الجميع تحت وطأة الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، هذا الوطن سئم الشقاق والانفراد بالرأي وينادى أصحاب الضمائر أن هلموا قبل فوات الأوان، هل ينفرج الظلام الكثيف ليسفر عن فجر وليد؟ هذا أملنا.