رأي: بدائل مكلفة.. هل يبدأ عصر الطاقة المتجددة في مصر؟
الشرق الأوسط
نشر
11 دقيقة قراءةهذا المقال بقلم هند فراج رشوان، حاصلة على درجة
البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة القاهرة (كلية الاقتصاد
والعلوم السياسية)، وطالبة ماجستير بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية،
باحثة سياسية في المركز الدبلوماسي للدراسات
الاستراتيجية.
هند فراج رشوان-- أضحى الحديث عن الطاقة المتجددة
موضوع الساعة على نطاق العالم، في الوقت الذي أصبحت فيه ضرورة توفير
الطاقة في أي دولة في العالم يساوي ضرورة توافر رغيف الخبز، وكغيرها
من دول العالم تواجه مصر تحدي في توفير موارد كافية من مصادر الطاقة
وعلى الأخص البترول والغاز الطبيعي والتي بلغت نسبة الاعتماد عليها
95% من إجمالي احتياجات مصر من الطاقة.
ومنذ العام 2007، شهدت مصر فجوة كبيرة بين الطلب
على الطاقة والمعروض منها، حيث إن معدلات نمو الطلب على الطاقة في ظل
معدلات النمو الاقتصادي الحالية والتي لا تتجاوز 3% على أقصى تقدير
تقابلها زيادة في الطلب على الطاقة تقدر بحوالي 10%، بينما تخطط
الحكومة للوصول بمعدلات النمو الاقتصادي خلال السنوات الأربع المقبلة
إلى حوالي 5.5%، مما يعني في أضعف الأحوال زيادة الطلب على إمدادات
الطاقة بحوالي 100%. ونظرًا لأن مصر ليست من الدول ذات الوفرة
البترولية فإن تحقيق مثل هذه الزيادة أمر صعب التحقق إذا ما استمر
الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر رئيسي للطاقة.
واكتسبت الأزمة بُعدًا عميقًا في مصر؛ حيث إنها
لم تقتصر على انخفاض الإمدادات إلى القطاع الصناعي فقط، ولكنها امتدت
إلى الاحتياجات الحياتية للمواطن، سواء في أزمات متكررة في السولار
والبنزين، أو في انقطاع التيار الكهربائي عن مناطق سكنية عديدة، ليصبح
المواطن بين رحى أزمة لم يكن مشاركًا في أسباب حدوثها. فانقطاع
إمدادات الطاقة عن المصانع أدت إلى قيامها برفع أسعار منتجاتها بصورة
كبيرة لتعويض خسائرها الناتجة عن عدم التشغيل بالطاقات الاقتصادية،
وكذلك انقطاع الكهرباء المتكرر وما يصاحبه من آثار سلبية على حياة
المواطنين، لتصبح المعاناة مزدوجة جامعة بين غلاء في الأسعار، وعدم
القدرة على التكيف مع الأوضاع الجديدة. ومن
هنا يطرح تساؤل كيف يمكننا توجيه الحكومة المصرية للاعتماد على الطاقة
المتجددة وزيادة وعي المواطن المصري بأهمية الطاقة المتجددة والبحث عن
حلول جذرية لهذه الأزمة؟. لقد شهد العام
2015، ارتفاعًا ملموسًا بمعدلات إنتاج الغاز الطبيعي بمصر، لنحو 4.526
مليون قدم، بالتزامن مع زيادة الاستهلاك المحلي اليومي إلى نحو 1660
مليار قدم مكعب من الغاز، حيث واجهت الدولة نقصًا في مصادر الطاقة،
الأمر الذي أدى إلى الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وزادت الكارثة
بوصولها إلى المصانع ومناطق الإنتاج التي تعتمد على الغاز في العمل،
الأمر الذي أدى إلى توقف العديد من المصانع التي يصب إنتاجها نحو
صناعات مهمة، كان يقوم عليها جزء كبير من التصدير للخارج، ومن ثم تأثر
التصدير للخارج بشكل كبير محققًا تراجعًا خلال الـ10 أشهر الأخيرة من
عام 2015. ويمكن إدراك مدى حدة مشكلة الطاقة
في مصر بمعرفة أن إنتاج الطاقة قد زاد بين عامي 2009 و2011 بنسبة
0.24%، بينما زاد استهلاك الطاقة في نفس الفترة بنسبة 8.7%، ولا تزال
المشكلة قائمة رغم وجود اكتشافات جديدة مهمة، حيث تم اكتشاف نحو 41
بئر نفط و22 بئر غاز عام 2010. كذلك قدرت
هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن النفط والغاز غير المكتشف في منطقة
مياه دلتا النيل بنحو 223 تريليون قدم مكعب، رغم هذا فإن هذه
الاكتشافات لم تسفر عن زيادة إنتاج الطاقة في مصر لأن أغلب المناطق
الجديدة التي أعطيت فيها الامتيازات لشركات عالمية لارتفاع تكلفة حفر
الآبار في المياه – التي تصل لنحو 250 مليون دولار للبئر الواحدة- لكن
هذه الشركات المحدودة تعمل فقط وفقا للأرباح الاقتصادية، فعلى سبيل
المثال حصلت شركة شل العالمية على امتياز الحفر في المياه العميقة في
البحر المتوسط، والمعروفة باسم حقل نميدا، لكنها تخلت عن منطقة
الامتياز لأن تكلفة استخراج الغاز، مقارنة بأسعار بيعها لم تكن مجدية
بالنسبة لها، كما أن هذه الشركات تخفض من أعمالها أو توقفها في حالات
عدم الاستقرار الأمني والسياسي خوفا على مصالحها، وهذا ما تعانيه مصر
في السنوات الأخيرة. أما على صعيد الطاقة
المتجددة فاستخدام مصر منها محدود جدا، ولا يمثل سوى نسبة ضئيلة من
إجمالي إنتاج الطاقة، حيث بلغت 1.7% عام 2009، وانخفضت أكثر عام 2013
لتصل إلى 1.4%؛ نتيجة لارتفاع تكلفة إنتاجها مقارنة بالطاقة
التقليدية. وفي هذا الإطار، يتوجب على الحكومة المصرية إتباع مسارات
وبدائل جديدة في السياسة الطاقوية. وتجدر
الإشارة إلى أنه ومع تزايد معدلات السكان في مصر، وامتلاك مصر أعلى
معدلات للإشعاع الشمسي في العالم (تصل إلى 3000 ك.و.س./ م2 في السنة)،
وساعات السطوع الشمسي بين 9 – 11 ساعة يوميا، هذا بالإضافة إلى 96% من
مساحة مصر عبارة عن صحراء، وفي ضوء الخطر الحقيقي الذي أصبح يشكله سد
النهضة الأثيوبي على حصة مصر من المياه، فإن إتباع استراتيجيات
الاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على الطاقة المتجددة هو الخيار الأمثل لحل
أزمة الطاقة في مصر. الأهم من ذلك، أن
الطاقة الشمسية وفقا للجدوى الاقتصادية وحسابات التكلفة والعائد هي
الأفضل، فتكلفتها لا تكون عبئاً إلا عند الإنشاء بينما تنخفض مع
استمرار التشغيل، وكلفتها تسير نحو الانخفاض عبر التاريخ، فطاقة
الرياح كانت تعادل 32 سنتاً أميركياً في العام 1980، وانخفضت إلى 8
سنتات بعد 8 أعوام، ويتوقع أن تصل إلى ثلاث سنتات في العام 2030،
وارتفع مؤشر الطاقة الشمسية العالمي 40% منذ بداية العام 2016، لتخرج
من دائرة الركود التي سقطت فيها عقب الأزمة المالية العالمية في
2008-2009، وهو أداء يتجاوز بكثير أداء سلع أولية مثل خام الغاز
الطبيعي والفحم. وتولد الطاقات المتجددة
حاليا حوالي 25% من كهرباء العالم؛ إذ تمثل أوروبا الريادة في هذا
المجال؛ بتسجيلها في 2015 نسبة 32% من الإنتاج الكهربائي بواسطة
الطاقات المتجددة، وتطمح إلى نسبة 70% في العام 2040، بينما تساهم
المصادر الطاقية المتجددة في أمريكا بنسبة 14%، ويرتقب الوصول إلى 40%
بحلول 2040. ويتوقع الخبراء أن تنخفض تكاليف
توليد الطاقة من الرياح بنسبة 41% في حدود 2040، وفي نفس السنة يتوقع
أن تنقص تكاليف إنتاج الطاقة عبر أشعة الشمس بنسبة 60%، مثلما ستشغل
السيارات الكهربائية 35% من مجموع السيارات حتى تلك الفترة، مثلما أن
تقنية البطاريات الشمسية المخزنة للكهرباء تزداد تطورًا وانتشارًا مع
مرور الوقت. وتمتاز مصادر الطاقة المتجددة
بضعف احتمال وقوع كوارث، ولا ينتج عنها مخلفات، ويمكن في مرحلة قادمة
تصدير الفائض منها إلى أوروبا لتوفير النقد الأجنبي. ولعل أكبر انتقاد
يوجه لمحطات الطاقة الشمسية أنها تحتل مساحات واسعة من الأرض يمكن
استغلالها في الزراعة، ولا يعد احتلال مساحات من الأرض مدعاة للقلق في
السياق المصري نظرًا لعدم صلاحية الأراضي الصحراوية الشاسعة الواقعة
غرب وادي النيل للزراعة. ويمكننا هنا
الاستعانة بالتجارب الإقليمية والدولية، حيث اتفق كل من المغرب
والسعودية على إنشاء شبكة ربط من خلالها ستتم تغذية كل أوروبا بالطاقة
الشمسية الشرق أوسطية، ووقعت المغرب بروتوكول تعاون مع ألمانيا
وإسبانيا وفرنسا بقيمة 81 مليار دولار بتوفير تلك الدول لتكنولوجيا
استخدام الطاقة الشمسية مقابل تصدير البترول كلها، كذلك بعد تأكد
السعودية من أن البترول سلعتها الأولي للتصدير ستنفذ خلال 40 سنة بدأت
تفكر في أن تكون الطاقة الشمسية أيضا السلعة الأولى للتصدير بعد
البترول، وعندما قابلتهم مشكلة عدم صفاء الشمس بسبب الغبار رصدوا 135
مليار دولار للتعاقد مع شركات عالمية لتلافي الآثار السلبية لهذا
الغبار. وفي عام 2012 ، وصف السكرتير العام
للأمم المتحدة بان كي مون الطاقة المستدامة بأنها "هي الخيط الذهبي
الذي يربط ما بين التنمية والإدماج الاجتماعي والحماية البيئية"، وفي
ضوء ذلك، فإن من ينتج أفكارا للطاقة المتجددة سيحكم العالم خلال القرن
القادم، وإذا لم تتجه مصر نحو استراتيجيات الاقتصاد الأخضر وقوامها
الطاقة المتجددة فقد تضطر إلى استيراد الطاقة من الخارج تماما كما
تستورد القمح، وعليه فمصر اليوم
مطالبة لتجاوز هذه الأزمة بتعديل سياسة تسعير ودعم الطاقة وتحديث
إستراتيجية الطاقة كل ثلاث إلى خمس سنوات، وتخصيص جزء من المنح
والمساعدات لسنوات معينة لدعم الطاقة المتجددة. ووضع تشريعات تسهم في
تشجيع المستثمرين على استخدام الطاقة المتجددة، وبالأخص الطاقة
الشمسية، إلى جانب فرض مجموعة من الحوافز أسوة بصندوق دعم الصادرات،
كالإعفاءات الجمركية والضريبية لكافة المعدات التي تستخدم في توليد
الطاقة المتجددة.
كما يجب عمل سياسات ترويجية لنشر الوعي بأهمية الطاقة
البديلة، خاصة الطاقة الشمسية وكيفية استخدامها، خاصة أنها من الموارد
الطبيعية والمستدامة بمصر. وأيضا إنتاج مكون مصري في مجال تطبيقات
الطاقة المتجددة تنافس المنتج المستورد، ودعم المشاريع والمدن التي
تعتمد على الطاقة البديلة (الطاقة الشمسية – طاقة الرياح)، والبدء في
تطبيق أنظمة الزراعة الذكية.