ليبيا (CNN)-- شكّل النفط طوال العقود الماضية العمود الفقري لاقتصاد ليبيا وكان أهم مصدر للدخل في البلاد، لكنه اليوم بات سببا رئيسيا في انهيار المنظومة الاقتصادية عوض أن يكون محركها بعد أن أصبح وقودا للصراع المسلح بين الشرق والغرب وسببا في المشاكل التي تعيشها البلاد.
وتملك ليبيا ثروات كبيرة من المحروقات جعلتها تصنف من أغنى الدول، فهي تمتلك أكبر احتياطي في إفريقيا بـ40 مليار برميل لا يتقاسمه إلا حوالي 6 ملايين شخص، لكن اليوم نسبة كبيرة منهم باتت على شفا السقوط الفقر حسب أرقام البنك الدولي بسبب الأزمة السياسية والحرب في البلاد.
وبالعودة إلى الوراء ومنذ انهيار الدولة شكّلت المنشآت النفطية في مختلف أنحاء ليبيا وسيلة ضغط لتحقيق المطالب الاجتماعية مثل تأمين الوظائف والرفع في الرواتب، وللتعبير عن ذلك اتجه المتظاهرون لغلق الحقول النفطية فتعطل الإنتاج وتوقف التصدير مما أدّى إلى تراجع سريع في عائداته ومهدّ الطريق لانهيار اقتصادي غير مسبوق.
واليوم أصبح النفط عامل انقسام بين الليبيين ورهين نزاعات عسكرية وصراع مسلح حيث تتنافس القوى الداخلية في الشرق والغرب ومن ورائها القوى الخارجية التي تدعمها من أجل السيطرة على الحصة الأكبر من الحقول الرئيسية للنفط في البلاد والفوز بإدارة هذا القطاع الحيوي وهو دليل واضح على الدور الذي بات يلعبه النفط في إثارة الإنقسامات والتوترات داخل البلاد.
الصحفي الليبي محمد القرج يرى أن التنافس الشديد على السلطة جعل من النفط ورقة أساسية للتفاوض وسببا للنزاع وتعقيد الأزمة بعد أن ساهم طوال العقود الماضية في استقرار البلاد ونهضتها، مشيرا إلى أن ذلك يرجع إلى غياب الديمقراطية الاقتصادية حيث أن الساسة الليبين لا يجيدون تبادل السلطات الاقتصادية بحيث ينتفع الجميع.
وتابع القرج: " الكل يريد كل مافي الصحن لنفسه وجماعته فقط، فمن يمسك بزمام النفط سيملك الخزينة العامة للدولة ويملك السيادة السياسية ويستطيع أن يكون قوة على الارض ،لذلك لا أحد من صناع القرار يرغب في اقتسام هذه الكعكعة والكل بصفة عامة يتحدث نيابة عن الشعب والشرعية وهذا أثر على المشهد السياسي زاده توفر واستخدام السلاح".
وأضاف في تصريح لـCNN بالعربية أنه عندما تغيب لغة الحوار والتفاوض تبدأ الحرب النفطية، مشيرا إلى أن الصراع لن ينتهي إلا باستسلام أحد الأطراف أو بانتصار أحدهم في حرب ضروس، أو كذلك بوقوف المجتمع الدولي وقفة فعلية وحازمة مع أحد الأطراف.
ويسيطر الآن على أهم حقول النفط في البلاد الجنرال حفتر المدعوم من برلمان طبرق شرق ليبيا بعد أن تمكنت القوات التي يقودها من طرد حرس المنشآت النفطية الذي يترأسها غريمه ابراهيم الجضران والموالية لحكومة الوفاق من منطقة الهلال النفطي عقب اشتباكات قبل شهرين، لكن يبدو أن المعركة لم تنته بعد، حيث تشير الأنباء إلى هجوم محتمل لحرس المنشآت من أجل استعادة السيطرة على المنطقة النفطية.
المحلل السياسي فرج فركاش اعتبر في تصريح لـCNN بالعربية أن أي تصعيد آخر سيُعتبر كارثة على الإقتصاد الليبي الذي تأثر بتراجع مداخيل النفط وتوقف الإنتاج في بعض الأحيان بسبب النزاعات العسكرية والسياسية في البلاد، مضيفا أن الحل يعتمد على الاستقرار السياسي داعيا إلى ضرورة إبعاد مؤسسة النفط على التجاذبات السياسية.
ويرجع فركاش بقاء النفط رهين النزاعات العسكرية والسياسية عوض الاضطلاع بدوره في إنعاش القطاع الاقتصادي ومساعدة الدولة في ضمان عملية انتقال ديمقراطي سلسة إلى سوء التصرف والتنافس، موضحا أنه بعد الثورة أصبح في ليبيا نسخ مكررة من القذافي الذي حرم في عهده الشعب الليبي من الإستفادة بشكل جيد من إيرادات النفط واستغلها لصالحه الخاص، قائلا إن المشكلة الأساسية هو انعدام الثقة بين مختلف الأطراف، إذ إن الكل يريد السيطرة و النفوذ على مصدر الثروة الرئيسي للبلاد.
وفي الوقت الذي يسير فيه الاقتصاد في ليبيا إلى الأسوء، لا يبدو أن مشكلة النفط ستجد طريقا نحو الانفراج خاصة مع تواصل انسداد الأفق السياسي في البلاد واستمرار صراع الشرعية بين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والحكومة المؤقتة في الشرق بالتحديد في مدينة البيضاء إضافة إلى غياب جيش موحد تمتد سلطته على كامل الأراضي الليبية.
وفي هذا السياق أكد البنك الدولي في تقرير له الشهر الماضي أنه لا يتوقع استعادة النفط قدرته القصوى في الإنتاج قبل 2020، وذلك بانتظار أن يتم إصلاح البنى التحتية التي تكبدت أضرارا فادحة نتيجة هجمات الجماعات المسلحة وأعمال العنف في محيط المرافىء النفطية وكذلك بانتظار استتباب وعودة الأمن وتحقيق الاستقرار السياسي.
وبعد الإطاحة بمعمر القذافي كان أمل الليبيين في أن تمكّن إيرادات النفط من نهضة سريعة لبلدهم من خلال تمويل عملية إعادة إعمارها وتحريك عجلة التنمية، غير أن تطلعاتهم اصطدمت بواقع مؤلم بعد أن أصبح قطاع النفط سببا في استمرار تدمير البلاد وانقسامها إلى شطرين ومطمعا للجماعات الارهابية التي استقرت في البلاد خاصة تنظيم داعش.
يقول في هذا السياق حسين كرياد، مواطن من منطقة الزنتان، لـCNN بالعربية، إن المواطن الليبي لم يستفد شيئا من الثورة التي قام بها ومن الثروة النفطية التي تتوفر عليها بلاده إلا تدهورا في وضعيته المعيشية.
وأضاف: "الثروة التي كنا نحسد عليها وننتظر أن ترتقي بأوضاعنا أصبحت نقمة علينا وأدخلتنا إلى حياتنا حالة من الخوف والفقر وجلبت لنا الحروب، في البداية فرضت علينا نظام استبدادي والآن قوات من هنا وهناك تتصارع فيما بينها من أجل السيطرة على هذه الثروة ولا تهتم لحالة البلاد والعباد، لن تتحقق طموحاتنا هكذا".
من جهته يرى سعيد رشوان الخبير المالي والاقتصادي الليبي أن النفط يجب أن يكون نعمة لليبين لا نقمة عليهم، معتبرا في حديث لـCNN بالعربية أن التوزيع العادل للثروة بين القطاعات والمناطق حسب المعايير الوطنية في هذه الظروف هو الحل لإنهاء النزاع، مضيفا أن سيطرة الجيش تعد خطوة إيجابية في اتجاه تحقيق ذلك