هذا المقال بقلم شمس الدين النقاز، صحفي وباحث في الجماعات الإسلامية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.
بعد أكثر من 40 يوما من بدء أكبر حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، عجزت القوات العراقية والكردية مدعومة بميليشيات سينية وشيعية، إلى حد اللحظة عن السيطرة على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية التي يسيطر عليها الجهاديون منذ يونيو 2014.
بداية ساخنة للمعارك وتصريحات نارية أطلقها مسؤولون عراقيون في إطار الحرب النفسية، وبيانات متسارعة عن خسائر كبيرة لحقت بتنظيم الدولة جراء قصف طائرات التحالف الدولي ومعارك الكر والفر على الأرض، لم تكن كفيلة في حسم المعركة خلال أسابيع معدودة مثلما صرح بذلك أكثر من مسؤول عراقي بارز.
مفاجآت عديدة شهدتها المعارك، فبعد أن بدأت القوات العراقية والكردية مدعومة بالحشود السنية والشيعية بتطويق الموصل من كل الجهات، توقفت المعارك في مناسبات عدة جراء المقاومة الشرسة التي أبداها مقاتلو تنظيم الدولة، فخلال الأيام الأولى لانطلاق معارك تحرير المدينة، اعتمد تنظيم الدولة بشكل كبير على المفخخات والانتحاريين والقناصة لوقف تقدم القوات الحكومية، كما شكلت الأنفاق الممتدة على طول القرى والأحياء المحيطة بالمدينة مفاجأة غير سارة لقوات النخبة التي تعتمد عليها الحكومة العراقية لاسترجاع المدينة.
ورغم كل هذه الاستعدادات التي أعدها التنظيم، إلا أن القوات المهاجمة، تمكنت من استعادة عشرات القرى المحيطة بالمدينة خلال الأسبوع الأول من المعركة، لكن مراقبين أكّدوا في تلك الفترة، أن الحرب لا تزال في بدايتها، كما أن المفاجآت التي حذّر منها الخبراء والمحللون لم تتأخر كثيرا، حيث استفاقت مدينة كركوك التي تتولى حكومة إقليم كردستان إدارتها-تبعد نحو 180 كلم على مدينة الموصل- صباح 21 من شهر أكتوبر الماضي، على وقع تفجيرات داخل المدينة، نفذها مسلحون تابعون لتنظيم الدولة، واستهدفت مقار حكومية كان أبرزها محطة كهرباء دبس، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى.
هجوم كركوك خلّف صدمة واسعة داخل الأوساط العراقية والدولية، ما أعاد التساؤل مجددا حول قدرة سلطات كردستان على بسط الأمن داخل إحدى أبرز المدن الواقعة تحت سيطرتها، خاصة أمام توغّل مسلّحي "داعش" في أكثر من مناسبة داخل المدينة وشنهم لهجمات مباغتة، لكن ورغم أن الهجوم سرعان ما تم تطويقه وإعادة الأمن إلى المدينة، إلا أن وقعه كان كبيرا داخل أوساط سلطات كردستان وسلطات بغداد ناهيك عن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث كشف عن قدرة تنظيم الدولة على اختراق تحصينات خصومه وإيقاع خسائر كبيرة في صفوفهم باستخدام أبسط الإمكانات وبعدد صغير من المسلحين.
بعد 4 أيام من الهجوم على كركوك، عاد تنظيم "داعش" لتشتيت القوات العراقية وتخفيف الضغط العسكري على جبهة الموصل، حيث هاجم مسلحوه مدينة الرطبة وسيطروا عليها بعد معارك ضارية ضد القوات والميليشيات المتواجدة داخل المدينة التي تقع على بعد 380 كلم غرب بغداد، قبل أن ينسحبوا تاركين وراءهم عددا من القتلى والجرحى.
هذه الهجمات المتقطعة والمتقاطعة في أهدافها، كشفت للمتابعين مدى هشاشة التحصينات الأمنية داخل المناطق التي تسيطر عليها القوات العراقية والبيشمركة الكردية، كما أكدت أن "داعش" لن ينتهي بمجرد خسارته لمدينة الموصل، بل إن مراقبين، زعموا أن الفترة التي ستعقب تحرير الموصل ستكون أصعب بكثير لعوامل عدة يطول شرحها.
إن معركة الموصل التي دخلت شهرها الثاني قبل أيام، لا تزال طويلة كما أنها لم تبح بجميع أسرارها بعد، فلا عشر المدينة تحرر ولا مقاتلو التنظيم انسحبوا إلى الرقة السورية مثلما كان يطمح مسؤولون عراقيون وغربيون، دون أن ننسى عدم خروج سكان الموصل على حكم التنظيم رغم القصف الجوي والبري الذي لم يهدأ منذ سنتين.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، يعلم جيدا أن معركة الموصل ستطول كثيرا كما يخشى هزيمة "داعش" في أسرع وقت ممكن، ولعل تصريحات قائد عمليات نينوى اللواء الركن نجم الجبوري والتي قال فيها يوم الأحد الماضي، إن القوات الأمنية العراقية قد حددت جدولا زمنيا يستغرق ستة أشهر للحملة على المدينة، مفندا تصريحات سابقة لمسؤولين عراقيين أكدوا قرب انتهاء عمليات تحرير الموصل، أبرز دليل على ما نقول.
إن سيطرة القوات العراقية على أحياء التحرير والسماح والقادسية وكركوكلي وكوكجلي وغيرها، لا تعني نهاية المعركة بقدر ما تؤكد صعوبتها وضراوتها خاصة أمام بث المكتب الإعلامي لـ"ولاية نينوى" لإصدارات مرئية توثق خسائر كبيرة في صفوف القوات العراقية جراء معارك استعادة هذه الأحياء، كما تكشف عجز الخطط العسكرية الراهنة عن فك شيفرة دفاعات تنظيم الدولة المتغيرة باستمرار، ناهيك عن كشفها لمحدودية إمكانيات التحالف الدولي الذي شنّ آلاف الغارات الجوية على مدينة الموصل استهدف بعضها منشئات مدنية مثلما ذكرت تقارير إعلامية.
كما أن لجوء "داعش" في معارك الموصل إلى خيار الأنفاق وتلغيمها بالإضافة إلى تلغيم المنازل والطرق بعد الخروج من المناطق التي كانت تسيطر عليها، ساهم بشكل كبير في إيقاع مزيد من الخسائر في صفوف قوات النخبة العراقية المتمرّسة في حرب العصابات، لكن ورغم كل ذلك، ظلّ سلاح السيارات الملغّمة المعضلة الكبرى التي تواجه القوات المشاركة في هذه الحملة العسكرية الأضخم في تاريخ العراق الحديث، حيث كشفت معركة الموصل الأخيرة، عن عجز طائرات التحالف الدولي والقوات العراقية على إيقاف استخدام تنظيم الدولة للعربات الملغمة التي أوقعت مئات القتلى والجرحى في صفوف القوات المهاجمة، دون أن ننسى تدميرها لعدد كبير من الهامرات والدبابات والعربات المدرعة التي تستخدمها القوات العراقية والكردية.
في الأخير، يمكننا القول إن معركة الموصل ستتواصل خلال الأشهر المقبلة ولن يتمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد خروجه من البيت الأبيض من إضافة نصر مؤزّر ضد "داعش" في سيرته الذاتية، طالما بحث عنه منذ إعلان التنظيم في يونيو 2014 عن إعلان ما أسماه بـ"الخلافة الإسلامية"، فهل تغيّر إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب المعادلة على الأرض؟