طارق فهمي يكتب: تساؤلات مشروعة بعد أن خمدت النار في اسرائيل

الشرق الأوسط
نشر
11 دقيقة قراءة
طارق فهمي يكتب: تساؤلات مشروعة بعد أن خمدت النار في اسرائيل
Credit: MENAHEM KAHANA/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

أعلنت اسرائيل انتهاء أعمال الحرائق رسميا وأنها باتت في مأمن، وبالتالي انتهاء الحالة التي عاشتها طيلة الأيام الأخيرة، والتي تطلبت اعلان الدولة المطالبة بدعم دول الجوار والعالم للعمل علي اطفاء الحرائق التي شملت مناطق عدة في اسرائيل وخارجها وداخل مدن الضفة الغربية التي بدأت فيها الحرائق قبل أن تعلن اسرائيل انتهاء الحرائق رسميا، وكأنها اندلعت بقرار وانتهت بقرار.

ما بين شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للدول التي ساهمت في دعم اسرائيل والثناء المباشر لدول الجوار ومنها مصر والأردن والسلطة الفلسطينية والجدال الديني علي مواقع التواصل هنا في مصر وفي اسرائيل ودول عربية، ومرورا بربط الموضوع من أوله لآخره بموضوعات غيبية، وانتهاء  بدخول الحاخامات اليهود علي الخط واتهام العرب بأنهم وراء الحرائق وأن الأمر عقاب إلهي علي كسر قواعد التوراة المتعارف عليها تكمن بعض التساؤلات ........

1- لم يقل أحد أن بعض  مواقع الحرائق مناطق متنازع عليها، وبعضها يدخل ضمن مخطط مجلس المستوطنات القومي في اسرائيل، والذي يتماشى مع مخطط 2020 والخاص بفرض حزام الاستيطان في القدس وما يجاورها من مناطق استراتيجية مباشرة تدفع بإعادة النظر في بدء الحرائق علي الارض وامتدادها لمناطق ومدن أخري؛ وذلك في ظل متابعة واشراف من أجهزة الدفاع المدني التي وجهت لها الانتقادات وكأنها المسئولة عن حدوث الحرائق، وهو ما يدفع للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية لمعرفة ما الذي جري خاصة في مناطق الاحتلال وداخل مناطق المستوطنات خاصة في القدس وبعض مدن الضفة باعتبارها مواقع تدخل في الحزام العربي الآمن والمفترض أن تشملها أراضي الدولة الفلسطينية القادمة. وبالتالي فإن اسرائيل عليها أن تقبل بالتحقيق والكشف عن الملابسات لا أن تؤكد أن عرب 48 هم من وراء الأحداث وفي هذا الاطار علينا أن نتوقف أمام تصريحات كبار المسئولين في اسرائيل، ومنهم وزير الأمن الداخلي وعدد من رؤساء أجهزة المعلومات الذي وجهوا اتهامات مرسلة لبعض الذين يملكون نزعة قومية علي حد قولهم.

***

2- هل دخول أطراف عربية علي خط التفاعل الإيجابي خدم حكومة اسرائيل؛ خاصة وأنها  تسوق اعلاميا وسياسيا بأن المد اليمني الراهن في اسرائيل سيحرق الدولة بأكملها، وقد ربح رئيس الوزراء نتنياهو حضورا عربيا واقليميا كبيرا جعله يؤكد أن الأصدقاء يظهرون في لحظات الأزمة، وفي إشارة  لافتة للدعم العربي مما أكد وعمق الفكرة الاسرائيلية بأن هناك مخاطر بالفعل مشتركة بين العرب واسرائيل، قد تكون تهديدات مشابهة ومشتركة، وهو ما سيتطلب لاحقا دعما وتعاونا حقيقيا ليتحقق السلام النفعي علي الأرض دون أن ينجز السلام أو التسوية؟ وإلا فلماذا كان الاتصال المباشر من نتنياهو والرئيس محمود عباس في اشارة لا تغيب عن أحد من أن العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية يمكن أن تتحسن  وتتطور من منطلق انساني وليس سياسي؟. ولنتذكر أن الرئيس محمود عباس شارك في وداع الرئيس السابق  شيمون بيريز؛ أنها اللحظة الأخلاقية التي قد تمارسها أطرافا عربية في التعامل مع اسرائيل في الملمات.

3- أتوقف عند تصريحات أحد كبار حاخامات اسرائيل والذي أكد قولا واحدا أن العرب هم المسئولون وأن تدنيس فريضة السبت هو السبب، فيما جاء تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي واضحا ومباشرا والذي أكد علي أن اشعال الحرائق عمل ارهابي، وأن هناك فعل فاعل. ثم لماذا صمتت الأجهزة الأمنية في الكشف عن ملابسات الحادث، وهي التي لم تطلب رسميا رفع حالة الاستعداد أو الاعلان عن اسرائيل دولة منكوبة أو رفع حالة الاستنفار الأمني أو الاستراتيجي، وهي التي تجري 12 مناورة سنويا لمواجهة مثل هذه الأزمات وتجري لها نماذج المحاكاة نظريا؟ ثم ما هو عدد المصابين في هذه الحرائق؟ أين خلاصات مناورات تحول الاستراتيجية السنوية الكبري، وأين خطط الافاقة واستعادة المكانة التي تتحدث عنها اسرائيل؟ ثم ما هو حجم الاستعداد الداخلي للدولة التي تتحدث عن الجيش الذكي والذي تحولت بعض مخصصات الدعم في مجال التعليم والصحة وغيرها من المجالات الانسانية في الموزانة الأخيرة 2016- 2017 إلي الانفاق العسكري لمواجهة مثل هذه الأعمال  غير المسبوقة؟

***

4- لقد بدت اسرائيل دولة هشة أو هكذا أرادت أن تؤكد ومع ذلك لم تفتح تحقيقا رسميا داخل الأجهزة الأمنية.  ثم ما هو سر قول وزير الأمن الداخلي "جلعاد أردان" بأن نصف الحرائق نجمت عن اضرار نار متعمد؟ لماذا أخفت اسرائيل الحقائق في اطار مخطط مريب ستتكشف أبعاده في المدي المنظور، ثم لماذا لم يفتح غلاة المستوطنين  الباب لحوار شامل معلن حول هذا الموضوع؟ واكتفوا بالصمت المريب هل تلقوا تعليمات أمنية بالسكوت، أم أنهم  نفذوا مخطط جرائم الحرق في هدوء وبإيعاز من الأجهزة الأمنية؟ عشرات من علامات الاستفهام التي تشير إلي مخطط ورائه دولة وأجهزة وتعليمات  وتوجيهات ومحاولات تشويش اعلامي علي ما جري  والمخفي من الوقائع  أكثر من المعلن. لماذا إذن اشارت مصادر فلسطينية أن المستوطنين كانوا علي خط الحرائق.. أين الحقيقة؟ لن نجد اجابة مقنعة علي أي مستوي  خاصة وأن الحرائق شملت الخليل ونابلس والقدس الشرقية ورام الله وطولكرم وجنين معا وفي توقيتات واحدة تقريبا.

5- لقد كشف الشاباك جهاز الأمن العام منذ عدة أسابيع خلايا يهودية تخطط لتنفيذ عمليات حرق  وهم من مستوطنة نحلئيل شمال رام الله  وغيرها من المستوطنات القريبة ولم يعرف حتي الآن ما الذي جري على أرض الواقع في التعامل مع هذه الخلايا التي غالبا تقوم أجهزة الأمن الاسرائيلية بفرض الرقابة العسكرية علي سير التحقيقات فيها. والغريب  في الأمر أن حركات اليمين المتطرف ما زالت تعمل  جهارا نهارا، ومنها أجيال صاعدة من جيل "كاهانا حي" والتي عادت بقوة لتعمل في الأراضي المحتلة بالإضافة إلي 22 حركة ارهابية جديدة  تعمل داخل المدن العربية، وسبق وأن قامت عناصر منهم باغتيال رؤساء بلديات مدينتي نابلس ورام الله.

6- لقد تركت الحكومة الاسرائيلية غلاة اليهود يعبثون بالمقدسات الاسلامية ويقومون بأعمال الحفر والترميم، بل ومنحت لهم التراخيص المباشرة وقدمت لهم كل التسهيلات مما يشير إلي أن الحكومة الاسرائيلية قادرة علي تكرار نفس السيناريو للتعجيل بتنفيذ مخطط اليمين اليهودي علي الأرض، وهو ما يوفر لإسرائيل حضورا سياسيا مباشرا بقرارات انفرادية في الأراضي المحتلة وفي توقيت بالغ الحساسية بالفعل وبعد انتهاء الحديث عن الدولة الفلسطينية علي الأرض، وانتهازا لحضور إدارة أمريكية ستباشر دعمها الاستراتيجي والأمني لإسرائيل، وبالتالي سيكون التعجيل بتنفيذ مخطط التهويد علي الأرض هو البداية ونظام حرث الأرض واللجوء لقرارات تكتيكية بعضها أمني وبعضها استراتيجي سيكون هو المطروح بالفعل.

7- بعيدا عن فكرة المؤامرة التي قد تحكم نمط التحليل أشير إلي بعض المعلومات منها أن اسرائيل وضعت البناءات الجديدة لأغلب مناطق التماس الاستراتيجي لمناطق في الضفة وبالجوار من المستوطنات الاستراتيجية، وهي بعض مواقع مناطق الحريق، كما أن الجيش لم يتدخل تدخلا مباشرا وهو ما يدفع للتساؤل كيف لدولة تتباهي استراتيجيا وأمنيا بأن قدراتها تفوق دول المنطقة بالكامل  وقفت تتابع الأزمة  ولم تشكل مجموعة ادارة أزمة عاجلة بناء علي الخطط الاستباقية المعلنة؟ ثم لماذا ادارت اسرائيل الأزمة من منطلق انساني تاركة الأمن والاستراتيجية  والسياسة لتتحدث عن التعاون مع دول الجوار والترحيب بالدعم الانساني الذي قدم لها؛ مما يؤكد أن اسرائيل اهتمت بالشو الاعلامي وسعت لتوظيفه أولا علي أي اعتبار آخر، وكأن الأمن والسياسة آخر ما شغلها في ادارة الأزمة؟ وقد اكتفت بالإعلان عن خطة اخلاء التجمعات السكانية والجماهيرية والصناعية وهو أمر لم يحدث أصلا واكتفت اسرائيل بالإعلان عنه خاصة وسوقت باقتراب الحرائق من قواعد عسكرية ومنها قاعدة "نافيه يائير بل  والغريب أن اسرائيل لم تعمد للإعلان عن استخدام قانون مكافحة الارهاب التي تستخدمه في حالات عابرة فما بالنا بكارثة الحريق الذي شمل ارجاء الدولة وفي مواقع مختلفة.

8- لقد أدارت اسرائيل أكبر حملة اعلامية للتأكيد علي استهدافها، وأن هناك من حرق وهناك من سعي لضرب الاستقرار، وأن هناك من خطط ونفذ وغيرها من توجهات حملة مدروسة ومعدة سلفا والتأكيد علي أن الدولة مستهدفة وأن أمنها في خطر ومن الضروري التعامل معه.... وليبقي السؤال مطروحا لماذا لم تعلن نتائج التحقيقات ولو الأولوية لجيش ومؤسسات وأجهزة أمنية لها دولة وليس العكس، لقد ظهر رئيس الوزراء نتنياهو في قاعدة حتسور مهددا ومحذرا ومؤكدا أن الحرائق مفتعلة وأن الدافع ارهابي وأن اسرائيل ليست محل شك مشيرا لما جري في حيفا، ولم نعرف ما الذي جري أصلا ولم تسمح اسرائيل بنشر صور الحرائق. ليبقي السؤال المشروع هل ستستثمر اسرائيل الموقف الراهن لتحصل علي مساعدات ومعونات من المجتمع الدولي لعلاج ما جري؟ ولن أزيد.