تحليل حول وقف إطلاق النار في سوريا: "وفاق مفاجئ" بين روسيا وتركيا وتهميش لأمريكا

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
انفوجرافيك: داعش والأسد والمعارضة وإيران وروسيا.. من يقاتل من بسوريا؟

تحليل لتيم ليستر، المتخصص في الشؤون السياسية والأمنية ومكافحة الإرهاب لدى CNN.

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- صفه بأنه تحالف "انبثق فجأة". بعد قضائهما جزءاً كبيراً من هذا العام تتبادلان اللوم بعد إطلاق إسقاط تركيا لمقاتلة روسية على الحدود السورية التركية، أصبحت الحكومتان فجأةً "وسطاء نزهاء" لوقف إطلاق النار في سوريا - اتفاق مُصمم ليؤدي إلى المفاوضات السياسية. الولايات المتحدة، الذي دافع طويلا العملية الدبلوماسية التأتأة على حل النزاع السوري، ليس في أي مكان أن ينظر إليها.

وقف إطلاق النار – الذي تم التفاوض عليه من قبل روسيا وتركيا والنظام السوري وكذلك إيران وجماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا – يستثني بوضوح الفصائل التي يعتبرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بـ"الإرهابية". هذا يستبعد تنظيمي "داعش" و"جبهة فتح الشام"، والذي كان يُعرف سابقاً بـ"جبهة النصرة."

أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن وقف إطلاق النار ليس سوى الخطوة الأولى، مع توقيع وثائق أخرى تفرض التهدئة وتبدأ محادثات السلام. ووعد الجيش السوري بوقف عملياته في الدولة بدءاً أولى دقائق الجمعة (30 ديسمبر/ كانون الأول).

هكذا تبدو الصفقة:

روسيا وتركيا في مقعد القيادة

تقود روسيا وتركيا الآن عملية سياسية كانت تقودها الأمم المتحدة.

كل منهما مسؤول عن جلب حلفائه في العملية: إذ سيُشرك الروس نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في الاتفاق، في حين سيحاول الأتراك اقناع العديد من فصائل المعارضة المعتدلة بالمشاركة. يتصور الجانبان وضع جدول زمني سريع، إذ قالت وزارة الخارجية التركية إن نظام الأسد والمعارضة سيجتمعان قريبا في كازاخستان، وفقا لوسائل الإعلام التركية الرسمية.

يمكن للعديد من الأشياء أن تحدث، وما حدث في التاريخ الحديث لا يدعو للتفاؤل.

اعترف بوتين بأن "كل الاتفاقات التي تم التوصل إليها هشة للغاية." وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الخميس، إن تفاصيل كيفية مراقبة وقف إطلاق النار وتطبيق العقوبات ضد أولئك الذين ينتهكونه لا يزال العمل عليها مستمر. وأصر على أنه لن تكون هناك مفاوضات مباشرة بين تركيا والنظام السوري.

لكن المقصد واضح: فصل جماعات المعارضة المعتدلة عن التحالفات الضمنية التي شكلتها مع الجماعات المتطرفة في مناطق بسوريا. ثم سحق الجماعات المسلحة المُستبعدة من العملية. وهنا، تتعقد الأمور.

إذ قالت وزارة الدفاع الروسية إن جماعات إسلامية مؤثرة مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" وقعت على الاتفاق. لكن الجيش السوري أكد أن الجماعات المرتبطة بـ"فتح الشام"، والتي كان من أبرزها "أحرار الشام"، ستُستبعد من الاتفاق.

مصدر واحد في "أحرار الشام"، التي تتلقى دعماً واسع النطاق من تركيا، اعترف بمشاركتها في المفاوضات. ولكن في وقت متأخر من الخميس، قالت الجماعة عبر "تويتر" إن "لديها تحفظات على الاتفاق المقترح" وإنها لم توقع بعد. قرارها النهائي سيكون مهماً. فإذا وقعت "أحرار الشام"، ستكون "جبهة النصرة" ضعيفة ومعزولة.

تجاهل إدارة أوباما

توقيت الصفقة أمر بالغ الأهمية. إذ استغل الوفاق الروسي التركي التحول السياسي في واشنطن، وتجاهل إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في الأيام الأخيرة، ويراهن على أن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، سيقبل عملية جارية بالفعل.

وأصدر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، دعوة له بالفعل.

إذ قال لافروف خلال لقائه مع بوتين في موسكو: "أود الإعراب عن تطلعنا أنه عند تولي إدارة دونالد ترامب الرئاسة، ستنضم لنا في هذه الجهود (لتسوية الأزمة السورية) لكي نعمل معاً بهذا الاتجاه."

يقول سيرغي أليساشينكو، من معهد بروكينغز (مؤسسة فكرية أمريكية مقرها في واشنطن): "قد يصدق ترامب أنه لا يوجد بديل واضح في هذه المرحلة، بما أن المعارضة السورية لم تستطع التوحد أو اختيار زعيم واحد."

وقد أعرب الرئيس الأمريكي المنتخب عن شكوكه حول مصداقية جماعات المعارضة المعتدلة المدعومة من قبل إدارة أوباما واقترح أن إدارته تنظر للانضمام لروسيا في المعركة ضد "داعش" في سوريا.

لماذا عانقت تركيا روسيا؟

كان الحدث الحاسم في إحداث التناغم بين موسكو وأنقرة هو سقوط حلب. نظام الأسد - جنبا إلى جنب مع الجهات الروسية والإيرانية الموالية له - حوّل مجرى الحرب الأهلية عبر السيطرة الكاملة على أكبر مدينة، أو ما تبقى منها. جماعات المعارضة – التي يتلقى بعضها الدعم من تركيا ودول الخليج - تراجع في حالة من الفوضى. وتم التفاوض على إجلائهم بين روسيا وتركيا.

كان لدى بوتين أفضل بطاقات اللعب، ويبدو أن أنقرة قررت ترك اللعبة. إذ لم تكن تتخلى عن حلفائها من الفصائل السورية، وإنما أعادت تركيز جهودها على خلق منطقة "مناسبة لتركيا" في شمال سوريا. وخلال هذه العملية سعى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لضرب عصفورين بحجر واحد.

منذ فترة طويلة كان دعم الولايات المتحدة للمليشيات الكردية السورية المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب الكردي" (YPG)، يُغضب تركيا، إذ قال أوغلو، الخميس: "حتى الآن، أعطت الولايات المتحدة أسلحة إلى YPG، نقطة على السطر."

وتنظر واشنطن لـ"YPG" بمثابة "الوعل المعدني" الذي يضرب "داعش" في شمال سوريا. في حين تعتبرها تركيا منظمة إرهابية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بـ"حزب العمال الكردستاني" (PKK). شاهد فريق لـCNN داخل شمال سوريا في وقت سابق من هذا العام، الكثير من الأدلة على هذه الروابط، بما في ذلك ملصقات كبيرة لزعيم "حزب العمال الكردستاني،" عبد الله أوجلان، في العديد من المدن التي يسيطر عليها الأكراد.

ونفت الولايات المتحدة تزويد "YPG" بالسلاح لكنها تقول إنها تقدم الدعم التكتيكي لتحالف "قوى سوريا الديمقراطية" (SDF)، الذي يشمل عدة مليشيات عربية وكردية وتركية، والذي يمثل "YPG" عنصراً رئيسياً فيه.

أحد الأدلة على التعاون الجديد بين روسيا وتركيا هو تقديم القوات الجوية الروسية هذا الأسبوع المساعدة لجماعات متحالفة مع تركيا، لتخليص بلدة "الباب" الاستراتيجية في شمال سوريا من مقاتلي "داعش". ودليل آخر هو تفعيل خط ساخن لمراقبة انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار الجديد.

يبقى الأسد عقبة

قد يكون محور روسيا وتركيا "زواج راحة"، وهناك بعض العقبات الرئيسية للتغلب عليها. إذ تريد تركيا طرد "حزب الله" اللبناني – الذي يُعد مؤيداً عسكرياً مهماً للأسد – من سوريا. ولن يُعجب إيران ذلك، التي هي أيضا راعية لعملية وقف إطلاق النار.

كما لم تتخل تركيا عن هدفها طويل الأمد بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد. ويتبقى أيضاً موقف "الجيش السوري الحر"، الذي قال ممثله، أبو زيد، الخميس: "حقيقة أن المفاوضات تقوم على أساس جنيف 1 (عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة) يعني أنه لا يوجد مكان للأسد في مستقبل سوريا."

وبالإضافة إلى ذلك، قد يختار بعض المقاتلين مع الجماعات الإسلامية - خصوصا في "أحرار الشام" - المقاومة عوضاً عن ترك أسلحتهم. ودول الخليج - لا سيما قطر والمملكة العربية السعودية - قد تقرر مضاعفة دعمهم للجماعات المعارضة للمفاوضات.

أصر أبو زيد، الذي شارك في المفاوضات نيابة عن المعارضة، الخميس: "رسالتنا إلى الشعب السوري هي أن أصابعنا ستبقى على الزناد."

ولكن الحقيقة هي أن المعارضة المسلحة والسياسية للنظام السوري، دون دعم أنقرة، أصبحت أضعف منذ "الانتفاضة" ضد بشار الأسد قبل خمس سنوات. والجهات الفاعلة الأكثر تأثيراً على الأرض في سوريا - روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري - هي، في الوقت الراهن، كلها على نفس الصفحة.