هذا المقال بقلم المحامي د. خالد بن صالح الطويان، الأمين العام للهيئة الإسلامية العالمية للمحامين. والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
ثناءٌ صريح وإقرارُ أمريكي جليّ على حجم الجهود الأمنية السعودية بعد منح قائدها وموجهها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية (حفظه الله) ميدالية (جورج تينت George Tenet) للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب ، واعترافها بإسهامات سموه غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين.
جاء تزامنها بمثابة رد للادعاءات الموجهة ضد المملكة وتزكية لها في ذات الوقت لجهودها ونتائجها الملموسة محليًا واقليميًا ودوليًا، واحباط عمليات في دولٍ عدة منها الولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى أن هذه الميدالية هي بيان إثبات من الولايات المتحدة الأمريكية برسوخ العلاقة الوطيدة بينها وبين حليفتها المملكة العربية السعودية واتحاد الرؤية والاستراتيجية فيما يسهم بالاستقرار الدولي.
وإذا كان الخبراء والمتخصصون في المجالات المتعددة يستشرفون دلالات هذا الحدث ، باعتباره تقديراً لرجل سطّر إنجازات أمنية كبيرة، فإن من الجدير أن يُنظر لهذا الحدث في إطاره القانوني الدولي، في محاولة الربط بين هذه الميدالية التقديرية من طرف (CIA) وبين القانون الأمريكي المثير للجدل جاستا (JASTA).
فمن المعلوم أن الكونغرس الأمريكي خالف الأعراف الدبلوماسية ومقتضى القانون حين شرع في تعديل قانون الحصانة للدول الأجنبية ذات السيادة على مقتضى تطبيق ما يسمى (العدالة ضد رعاة الإرهاب) ، ورغم تباين مواقف الدول إزاء هذا القانون إلا أنها أجمعت على معارضته لما له من آثار سلبية على العالم ، بل حتى على الولايات المتحدة نفسها لو عمدت الدول للتعامل بالمثل.
وإذا كانت النظرة الموضوعية المنطقية تؤكد أنه لا يمكن أن يجتمع ضدان في آن واحد ، فإن جاستا يوجِد أرضية الاتهام بالإرهاب دون تحديد لجهة ما ، بينما جاءت ميدالية (جورج تينت) من (CIA) لتقول: إن المملكة العربية السعودية تحديداً ليست ضد الإرهاب فقط، بل من المحاربين له ، ولم تقتصر محاربته على أراضيها وحسب ، بل إنها ساعدت في محاربته وإحباط عملياته في دول عديدة.
وكان لافتاً ما ذهبت إليه إيران ومؤسساتها وامتداداتها الإعلامية والسياسية لاستغلال هذا القانون بالنفخ في النار والإحتفاء به على أنَّ المَعنيَّ به هو المملكة العربية السعودية وما هذا الا تحرش سياسي منها لإشغال الدول عنها كمصدر للإرهاب، إضافة إلى كونها تصريحات عدوانية من نظام قمعي هو آخر من يحق له الاشارة بأصابع الاتهام للمملكة.
ورغم أن جاستا لم يتطرق لذكر دولٍ بعينها، وتحفظت عليه معظم دول العالم ، وجاءت الإدارة الأمريكية الجديدة لتقضي بتعليقه ، إلا أن ما يستحق الذكر أن هذه الميدالية التقديرية التي حضر مدير (CIA) إلى الرياض بشخصه لتقديمها لرمز الأمن محمد بن نايف هي في الواقع إقرار بأن المملكة العربية السعودية بريئة من كل تهم الإرهاب التي روّج لها البعض، بل إنها من أوائل الدول التي بادرت وأسهمت في آليات التنسيق مع الدول الحليفة والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين.
وحتى لا تتمادى حكومة إيران في اختلاقاتها فإن الإرهاب الذي تبنته كدولة طائفية منذ انطلاق الثورة الخمينية عبر مؤسساتها وميليشياتها وعملائها لا يحتاج إلى كثيرِ بحثٍ واستدلال ، فبمجرد استعراض حوادث التفجيرات الإرهابية في الدول فإن بصمة ملالي إيران واضحة وبيِّنة، فتخطيطها لهجمات سكن القوات الأمريكية سنة 1996 واحتوائها وإيوائها لعدد من منفذي الهجمات والتي ترفض تسليمهم دوليًا, وارتباط عملاء ايرانيين بهجمات إرهابية في أوروبا وأمريكا الجنوبية هي قطرة من بحر الحقائق ضدها وفق أدلة عالمية، كما لا ننسى مليشيات (حزب الله) اللبناني المدعومة بقوات الحرس الثوري الإيراني، التي تقوم بعمليات إبادة بحق السوريين، حيث إن نظام إيران يدافع عن أعمال الإرهابيين ويبرر أفعالهم، ويعتبر في ذلك شريكاً لهم في جرائمهم، ويتحمل المسؤولية الكاملة عن سياسته التحريضية والتصعيدية ولسنا ببعيد عن الفوضى التي أحدثتها في اليمن عبر ميليشياتها العميلة.
فهي دون الرجوع لقانون جاستا دولة مدانة بمقتضى القانون الدولي، ومن قبل الأمم المتحدة والعديد من الدول، ويؤكد ذلك إدراج عدد من المؤسسات الحكومية الإيرانية على قائمة الإرهاب في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى توفير ملاذ آمن على أراضيها لعدد من زعامات القاعدة منذ العام 2001م.
وعليه فإن الدول التي اتهمت المملكة بهذا الادعاء الباطل هي لا تكاد ترتفع لتصل لميزان الدول التي رجحت بإشادتها بدور المملكة وتصديها لأعمال الإرهاب على المستويين المحلي والدولي فحاربته محلياً بالوقاية والعلاج وشجبه وأدانته عالمياً خلال المشاركات والمحافل والدولية، حيث كانت المملكة أول دولة توقع على معاهدة مكافحة الإرهاب الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في شهر صفر من العام 1421هـ الموافق لشهر مايو من عام 2000، وذلك بفضل الله أولًا ثم بفضل الاستراتيجية الأمنية التي وضعتها القيادة السعودية وكانت محل ثناء وتقدير عالمي و إشادات دولية.