مصطفى النجار يكتب: رفض حظر الطلاق الشفوي بدأ حملة "تشويه واغتيال معنوي" للأزهر.. ويبدو أنها حملة "تصفية ثأر دفين"

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة

هذا المقال بقلم مصطفى النجار، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

يصفون الإمام الأكبر شيخ الأزهر بأنه المرشد الجديد الذي يمارس ولاية الفقيه، يتهمون الأزهر بأنه سبب تخلف الدولة وأنه يقف عائقاً أمام تحقق الازدهار، يحملون الأزهر كل أسباب التطرف وصناعة الإرهاب، يأتي هذا وسط حملة إعلامية ضارية يبدو أنها مخططة ولم تأت اعتباطاً أو رد فعل لحظي على مواقف بعينها للمؤسسة الأزهرية مؤخراً.

بدا من كثرة المقالات والتغطيات الصحفية التي تقوم بالتجريح في الأزهر أن هناك ثأر دفين يتم تصفيته الآن عبر التشكيك في أكبر وأعظم مؤسسة إسلامية في مصر والعالم. كان بيان هيئة كبار العلماء برفض فكرة عدم الاعتداد بالطلاق الشفوي لتعارضها مع صحيح الكتاب والسنة بداية لما يمكن وصفه بأبشع حملة تشويه واغتيال معنوي لشخصية الأزهر الاعتبارية وكذلك شيوخه وعلمائه الأجلاء، هذه حملة يختلط فيها الإفك مع الجهل والسطحية مع البذاءة والركاكة مع الاجتراء، بدا أن هناك ضوء أخضر سمح لكثير من المتطاولين بشتم المؤسسة الأزهرية صراحة وتجريحها بأبشع الاتهامات في موجة متتالية لم تحدث في تاريخ مصر الحديث بأن تسمح السلطة لأى شخص أو جماعة أو جهة بالتجرؤ على الأزهر والحط من قدره بهذا الشكل.

مهما كان خلاف السلطة مع الأزهر فقد كانت هناك خطوط حمراء تحفظ للأزهر مقامه وتقديره الذى لا يخص المصريين فقط بل يعنى ملايين المسلمين في مختلف أرجاء الأرض، حتى العصر الملكي قبل 1952 كان هناك مواقف اصطدام لسلطة القصر مع المؤسسة وشيوخها لكن كانت السلطة حريصة على عدم تصعيد الأمور أو هدم المؤسسة. المثير للتعجب أن الحملة الحالية ضد الأزهر لا تدعو للتجديد الديني أو الاجتهاد بل تدعو في مضمونها لهدم المؤسسة عبر تشويه تاريخها وشيطنة علومها وإهانة رجالها، تعدى الأمر حدود الاختلاف المقبول وصار الأزهر في مرمى نيران كل (من هب ودب) طبقا للتعبير الشعبي في مصر!

ما هي جريمة الأزهر وإمامه وعلمائه حتى تطالهم تلك السهام؟ عقب حادثة الكنيسة البطرسية انطلقت أيضاً هذه الأبواق لتصب جام غضبها على الأزهر وكأنه هو الذي خطط ونفذ هذا الحادث الإرهابي الخسيس، المشكلة أن من يتصدون لمسألة تطوير الأزهر ومناهج التعليم به صاروا يخلطون بين ما هو ثابت وما هو متغير ونسبي يصح الاجتهاد فيه وتغييره طبقاً لمتطلبات العصر ومصالح الناس، كل هؤلاء يدلفون من مدخل التجديد لكن أغلبهم يصل بشططه للتبديد وتمييع الدين طبقاً لهواه، صارت لفظة التجديد الديني كلمة حق يراد بها باطل ما بين كاره للمؤسسة الأزهرية وكاره للدين نفسه.

تابع المقالات المسمومة والتغطيات الصحفية للأزمة الأخيرة الخاصة بالطلاق الشفوي لتجد أن هناك مجموعة تُصر على الحط من شأن الأزهر وبعضهم يطالب بتغيير الدستور ومحو أي عبارات أو نصوص تتحدث عن قيمة الأزهر أو مرجعيته. الابتذال المفجع أن كثيراً من هؤلاء كانوا يشيدون بالأزهر قبل ذلك في المواقف التي كانوا يرونها دعما للسلطة، وكأن الأزهر يجب أن يكون بوقاً للسلطة وذراعاً لها حتى يحصل على الرضا والقبول!

نحن لا ندعو لتقديس أي شخص أو مؤسسة ولا نقبل خلط الدين بالسياسة وتوظيفه لخدمة الحاكم لأن هذا يتنافى مع روح الدولة المدنية لكننا في نفس الوقت لا نقبل هذه الحملة المسمومة التي تستهدف بنيان الأزهر وقيمته وهيبته في نفوس الناس، بعضهم يريد الأزهر جهازاً من أجهزة الدولة يأتمر وينتهي ويخضع ويطبل للسلطة وحينها يسكتون عن مطالب تجديد الخطاب الديني والتطوير، الأزهر لا يخص مصر وحدها ولا يمكن تقزيم دوره في شأن محلى أو صراع سياسي، تخيل أن الأزهر رضخ لما يريده المبددون وقام بإطلاق فتاوى شاذة لا سند لها من دين ومنطق، كيف سيكون انعكاس ذلك على ملايين المسلمين الذين يعتبرونه قبلة الفتوى وحصن الدين الوسطى والاعتدال؟

أرسل لي صديق عربي رسالة يعبر فيها عن استياءه البالغ من الهجمة الضارية ضد الأزهر في مصر وقال: "كيف لا يعرف المصريون قيمة ما لديهم ويقبلون بإهانته لهذا الحد، لو كانت الأموال وكنوز الأرض تساعدنا في نقل الأزهر وعلمائه لبلادنا لفعلنا ذلك، لقد منحكم الله أيها المصريون ما لم يمنحه لغيركم بشرف وجود الأزهر على أرضكم فاتقوا الله في أزهركم ودينكم."

حتى نضع النقاط على الحروف، التجديد الديني لن يحدث إلا في مناخ ملائم وآمن للفكر وللإبداع، وهذا غير متحقق حالياً، التجديد الديني ضرورة لمسايرة الحياة لكن الفارق كبير بين التجديد والتبديد. محاولات تشويه الأزهر لا تصب إلا في مصلحة التطرف وصناعة الإرهاب، لا نقوم بتأليه شخص أو مؤسسة مهما كانت قيمتهم لكن لا نرضى بالتدليس والتجريح المقرون بالهوى والأغراض. على المؤسسة الأزهرية أن تتدبر أمرها وأن تزيد الحواجز بينها وبين السياسة حتى لا تفتح باباً لهدم المؤسسة وجرّها لمستنقع السياسة الذي سيفقدها حيدتها ونزاهتها وموضوعيتها، أما علماء الأزهر فنقول لهم لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها، قد يكون بالثوب بعض السواد الذي يجب إزالته لكن لا يعني هذا تمزيق الثوب وتدميره، هدانا الله لما فيه خير وطننا.