رأي.. ناصر بن حسن الشيخ يكتب لـCNN عن تعامل الحكومات مع الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة مثل ChatGPT

متفرقات
نشر
7 دقائق قراءة

هذا المقال بقلم ناصر بن حسن الشيخ، إقتصادي إماراتي، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظره ولا تعكس بالضرورة رأي شبكة CNN.

شدتني وبعض الأخوة تغريدة لرئيس مجلس الوزراء الإماراتي محمد بن راشد آل مكتوم، منذ أيام كشف فيها عن تكليف الجهات المختصة برفع دراسة عاجلة للمجلس حول الطريقة المثلى للاستفادة الحكومية من تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة، مثل ChatGPT، وتأثيراتها المستقبلية على القطاعات التعليمية والصحية والإعلامية وغيرها، وكيفية التعامل الحكومي الإيجابي والآمن معها.

دعانا ذلك للتواصل مع الوزير المكلف لفهم نظرة الحكومة لهذه التقنيات وتوجهها فيما يخص ذلك، فحكومة الإمارات كانت سباقة في استشراف هذه الفتوحات التقنية وعيّنت أول وزير للذكاء الإصطناعي في 2017، حيث تضمنت مهامه متابعة مستجدات الأبحاث والتطوير في القطاع عالميًا... وخلق بيئة مستقطبة ومحفزة لشركاته وموهوبيه محليًا، وكان لقاء الطاولة المستديرة المشكور الذي فك بعض الطلاسم ورسم ملامح الآفاق.

فالذكاء الإصطناعي ثورة شقت طريقها منذ أعوام، ومع قطع أشواط كبيرة في التعلم الآلي وتغلب المنصات على معضلة معالجة لغة ولهجات البشر أصبح تطوير منصات الذكاء الإصطناعي للمحادثة، مثل ChatGPT، ممكنا، حيث تم تصميم هذه المنصات لإجراء محادثات بطريقة تحاكي الحوار البشري، وأصبحت للمنصات القدرة على فهم الأسئلة والرد عليها وتقديم المعلومات والمشورة والدعم بطريقة المحادثة الطبيعية.

وChatGPT هي نوع من نماذج لغة الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركة OpenAI، تستخدم خوارزميات التعلم العميق وكميات هائلة من البيانات لتفهم الفروق الدقيقة في لغة وحديث الإنسان، وبإمكانها الرد على الأسئلة وتقديم المعلومات والنصائح بطريقة طبيعية وشبيهة بالبشر، وقد تم تدريب المنصة على مجموعة واسعة من الموضوعات، بما في ذلك المعرفة العامة والأحداث الجارية والمعلومات التقنية، ما منحها ليونة تعددية الاستخدامات في مجموعة كبيرة من التطبيقات.

وترتئي الحكومات المتبصرة اليوم بناء هذه المنصات لتحسين الكفاءة وتسريع الإنجاز والارتقاء بمستوى الخدمات، حيث يمكنها الآن استخدام المنصات لإتاحة المعلومات والخدمات والدعم للمراجعين بشكل سهل وسريع، وأتمتة المهام والعمليات الروتينية، الأمر الذي يساهم في تقليل أوقات الانتظار وإلغاء الأخطاء البشرية.. وتسريع تقديم الخدمة وتقليل التكاليف، وكون أن المنصات يتم تدريبها على مجموعة واسعة من الموضوعات وتتم تغذيتها بكمية هائلة من البيانات، فذلك يمنحها القدرة على توفير معلومات بدقة لا يستطيع أن يجاريها البشر.

يمكن لنا أن نتصور في القريب العاجل منصة ذكاء اصطناعي للمحادثة مغذاة بكل المراجع الطبية وسجلاتنا الطبية الشخصية وخبرة الأطباء في التشخيص، منصة تلعب دور الطبيب العام وتقوم بالتشخيص المبدئي وتحيلنا إلى أطباء مختصين، أو أخرى تم تزويدها بمخططات كل منزل تم بناؤه في الدولة، تصمم للمراجع منزل الأحلام بالمواصفات والطراز الذي يريد، كل ذلك في لحظات، ونتذكر هنا أننا ما زلنا في البداية.. وكأننا نتحدث عن الإنترنت في مطلع التسعينيات!

فكل ما نراه حتى الآن ما هو إلا بدء انتقال منصات الذكاء الإصطناعي للمحادثة من مرحلة الأبحاث والتطوير إلى مرحلة التطبيق الفعلي، ومنصة مثل ChatGPT التي شغلت العالم بأسره ما هي إلا في نسختها الثالثة، والنسخة الرابعة التي يتوقع تدشينها خلال شهرين ستكون بقدرات ومعرفة تفوق الحالية بعشرات المرات.. بل ربما تصل لمئة ضعف، كما أن المنصات تم تصميمها لتحاكي قدرة البشر على التعلم، لذا كلما تم استخدامها بكثافة أعلى ارتقت قدراتها وتحسن نتاجها، هي منصات نعلم بدايتها لكن ليس لأحد القدرة على التكهن بما ستصل إليه.

والأمر لا يخلو من المخاطر، ففي حين أن الاستخدامات العلمية والإجرائية لا تتعرض للقناعات الإنسانية والقيم الإجتماعية، إلا أن تسخير المنصات في استخدامات الرأي العام مبنية على قيم وقناعات المجتمعات التي تم تطويرها فيها، والخطورة تكمن في أنه بخلاف محركات البحث التي تسرد نتائج يطلع عليها المرء ويشكل رأيه الخاص، إلا أن منصات الذكاء الإصطناعي للمحادثة تعرض أجوبتها على الأسئلة - وإن كانت في موضوعات حياتية - وكأنها رأي نهائي جازم.

كذلك مع الأنباء التي تتوارد عن اجتياز منصة ChatGPT اختبارات مهنية متقدمة كإجازة المحامين والمحاسبين والماليين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي اختبارات تتطلب من الإنسان سنوات من الدراسة بعد المرحلة الجامعية، فما الذي يضمن أن أي بحث يقدمه أي طالب لم تكتبه إحدى تلك المنصات؟ أو أن أي مقالة كاتبها هو من ادعى كتابتها حقًا؟ قطاع التعليم وقطاعات أخرى كثيرة مُقبلة على تغيير جذري، وقوانين الملكية الفكرية في طريقها نحو إعادة صياغة شاملة.

لكن توجه حكومة الإمارات - كما فهمت - هو أن الحظر ليس خيارا واردًا، لأن تقييد استخدام الفتوحات التقنية مآله التخلف عن ركب التنمية والتطور، لذا فالنهج هو تسخير التقنيات كافة التي ما زالت هي بذاتها قيد التشكل، ومن ثم التعامل مع إفرازاتها الجانبية السلبية متى طفت وبرزت، مع التعويل الكبير على رفع مستوى التوعية، وهو التوجه السليم في تقديري.

ختامًا، التساؤل ليس حول إمكانية أن تُحدِث منصات الذكاء الاصطناعي للمحادثة ثورة في حياة الناس، لكنه يكمن في كيف ومتى سيحدث ذلك؟ ولا أبلغ في توصيف الحالة من رد مؤسس ومدير الشركة المالكة لمنصة ChatGPT سام ألتمان، حين سُئل عن تحول الشركة للربحية، فأجاب "الإجابة الصريحة هي أنه ليس لدينا فكرة، لم نحقق أي إيرادات أبدًا، وليست لدينا خطط حالية لتحقيق أي إيرادات، وليست لدينا فكرة عن كيفية تحقيق إيرادات مستقبلا، لكننا وعدنا مستثمرينا بأننا متى انتهينا من بناء هذه المنصة فائقة الذكاء فسنسألها كيف لنا أن نحقق لكم عوائد على استثماراتكم!"