ملاحظة المحرر: هذا المقال بقلم دارين العمري، محررة في CNN، تروي فيه معاناتها مع فيروس كورونا، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
إنه يوم الجمعة 9 أكتوبر، أستفيق بعد قضاء عدة ساعات من الليلة السابقة في غرفة الطوارئ بالمستشفى، أستفيق وانا أعلم أن ساعات قليلة تفصلني عن النتيجة الحاسمة. هل أحمل فيروس كورونا أم لا؟
لطالما كرهت هذا الفيروس منذ نشأته، عندما بدأت تتوارد أخباره في آخر يناير، تجد هذه الدقائق طريقها الآن إلى ذاكرتي عندما كنت أعمل على مكتبي، وجاء خبر ظهور فيروس غريب في الصين في سوق رطب للمأكولات البحرية.
أذكر ذلك الشعور حينها، وفي اعتقادنا أن الفيروس بعيد عنا آلاف السنوات الضوئية. ظننت أن المسافة هائلة جداً بين الصين وهنا، وأن "سارس كوفيد 2" لن يجد طريقه إلينا، بدأت الأخبار تتكاثر عن "الرأس الدائري" الفتاك والبشع والذي تخرج من جسمه إبر تشبه الدبابيس، وزادت الحشرية لمعرفة كيف يعمل، وماذا يسبب، وما هي أعراضه.
ولكن الصين بعيدة، هكذا كنت اطمئن نفسي. أتى فبراير، وزادت الأخبار عن الفيروس، وصور من مدن أشباح في الصين. أما ووهان المدينة التي نشأ فيها الفيروس، فأصبحت ترافق يومياتنا، أنظر إلى الصور هناك، طرقات فارغة، ناس يختبئون في منازلهم، ويجد ذلك الرعب في الصور جسراً ليصل منها إلينا.
كنت على الشرفة، أشبه امرأة ربما تنتظر فحص الحمل بعد فترة طويلة من محاولات فاشلة، تمر الدقائق طويلة،negative أو positive، تصل نتيجة يسمى سلبية، أفرح وأتنهد عميقاُ.
عمر قبالتي، يعد الدقائق هو أيضاَ، كأنه حدث كبير ننتظره، ولا نريده أن يأتي، شعور ما داخلنا يقول لنا إننا دخلنا كلانا في هذه الدائرة المغلقة الخبيثة.
يرن الهاتف، النتيجة إيجابية، توقعتها، ولكنها كانت صادمة. عمر ويسمى قبالتي، حسناً لأقل من لحظة أستجمع قواي، وأضحك عالياً، ضحكة فيها بعض الهستيريا، أحاول أن أواري فيها خوفي.
في كل هذه السوداوية، يوجد جانب إيجابي واحد، وهو افتراضي بأن أسوأ ما في المرض قد عانيته ليلتي الأربعاء والخميس. هكذا أحببت أن أصدق، وأنتظر الأيام لمعرفة ما إذا كنت على حق.
إنه اليوم الأول لاكتشاف إصابتي بكورونا، ولكن الثالث فعلياً في روزنامة أعراض الفيروس.
نجد أنفسنا أنا وعمر ويسمى نقضي يوم الجمعة المفضل لنا في المنزل، وهو الذي عادة نهرب فيه إلى البحر في أيام الصيف، أو للقاء الأصدقاء والتقاط النفس بعيداً عن أيام الأسبوع في العمل، ننظر إلى الخارج، الطرقات شبه فارغة إلا من سيارات ربما تحمل عائلات للنزهة.
أحاول أن أتكلم قليلاً، تتسارع أنفاسي، وكأني أركض وأنا أحمل أوزان ثقيلة في يدي. ألهث كثيراً، حرارتي العالية تهدأ قليلاً وكأنها توهمني بأنها ذهبت إلى غير رجعة، ولكنها تطل من جديد ومن دون سابق إنذار، فأبدأ بالتعرق، وتتبلل ثيابي بماء وفير يخرج من مسام جلدي.
أطل كورونا عليّ ضيفا غير مرغوب فيه، ضيفاً ثقيلا، جراثيم تلهو في جسدي، كلفحة شمس قوية في آب، أضحك للفكرة، أتذكر بحر مدينة صور في لبنان، ما أجمل لفحة شمس صور عندما تضربني، وأنا أجلس قبالة البحر على الرمال، أتناول السمك الطازج من البحر وأتلذذ بصحن الفتوش مع السماق، والقصاب صاحب الخيمة الصغيرة على الشاطئ، يطل علينا ضاحكاً بين الفينة والأخرى "شو شباب كل شي على ذوقكم" وثم يأتي بعدما تقارب الجلسة على الانتهاء، يودع زبائنه ببطيخة حمراء باردة كالثلج، وطعمها حلو كالعسل. أحاول أن أتذكر رائحتها وأسحب نفساً عميقاً، يردني إلى هناك، إلى حيث الفرح، ولكن ضيق النفس يعيدني إلى مواجهتي مع كورونا.
يسير النهار، لا قابلية لتناول الطعام، وطعم الأكل أصلاً يبدو غريباً وليس مستحباً. أتعب من محاولتي تناول طعام الغداء، أذهب للنوم، كأني قمت بجهد كبير، أستفيق من جديد وأنا أتعرق، ها هي الحرارة تهاجمني من جديد. آخذ حبتي مسكن للآلام، تستكين الحرارة قليلاً، أنتظر انتهاء اليوم الثالث، وأصلي كي يأتي الرابع أقل وطأة.