دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في موجة الخريف المميتة لوباء إنفلونزا عام 1918، كان مصير الملايين من الناس مروعاً، لأنهم لم يعرفوا ما نعرفه الآن عن كيفية انتشار الفيروسات وأمراض الجهاز التنفسي.
وقد نواجه مصيرًا مشابهًا إذا استمر بعض الناس في تجاهل ما علمنا إياه قرن من التقدم العلمي والإدراك المتأخر حول إنهاء الأوبئة.
وظهرت جائحة عام 1918 على ثلاث موجات، من ربيع عام 1918 إلى شتاء عام 1919، مما أدى في النهاية إلى مقتل 50 مليون إلى 100 مليون شخص على مستوى العالم. وكانت الموجة الأولى في ربيع عام 1918 معتدلة نسبيًا. وحدثت غالبية وفيات إنفلونزا عام 1918 في خريف عام 1918، أي الموجة الثانية والأسوأ من إنفلونزا عام 1918.
ويتوقع خبراء الصحة أن تزداد إصابات فيروس كورونا هذا الشتاء. وخلال فصل الشتاء، يُصبح الهواء أقل رطوبة، ويمكن للجسيمات الحاملة للفيروسات أن تبقى في الهواء لفترة أطول. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أغشية الأنف لدينا أكثر جفافًا وأكثر عرضة للعدوى في الشتاء. ومع ازدياد برودة الطقس، نقضي مزيداً من الوقت في الداخل دون تهوية كافية، مما يعني أن احتمال انتشار الفيروس أكبر.
لماذا كانت الموجة الثانية مميتة للغاية؟
وهناك العديد من الاحتمالات التي جعلت الموجة الثانية عام 1918 مروعة للغاية، بما في ذلك الفيروس الذي ربما تحور وأنماط الحركة والسلوك البشري في ذلك الوقت. وكان الشتاء يعني أن الإنفلونزا تنتشر بشكل أكبر، وأن الناس كانوا في منازلهم في الكثير من الأحيان.
ولدى مرضى الإنفلونزا عام 1918، غالبًا ما تطور الالتهاب الرئوي سريعًا وقتل الناس في اليوم الثاني. وسيطرت جهود الحرب العالمية الأولى، لذا سهلت تحركات القوات والمعسكرات العسكرية المزدحمة الانتشار المتفشي.
وأينما سافر العسكريون، سافر الفيروس أيضاً، مما أدى إلى أن يصيب مرض الإنفلونزا والالتهاب الرئوي 20 ٪ إلى 40 ٪ من أفراد الجيش والبحرية الأمريكية في الخريف. وذكرت دراسة أجريت عام 2010 أن "الإنفلونزا والالتهاب الرئوي قتلا جنوداً وبحارة أمريكيين خلال الحرب أكثر مما قتلت أسلحة العدو".
وبعد ستة أيام من الإبلاغ عن أول حالة إصابة بالإنفلونزا في كامب ديفينس، ماساتشوستس، تضاعفت الحالات إلى 6674 حالة.
وكانت العقبة الهائلة هي الافتقار إلى المعرفة بخصائص الفيروس وسلوكه وشدته. وجاء الوباء قبل إدراك شكل الفيروس، وكيفية عزله، والتعرف عليه. ودفع الانتقام من الموجة الثانية بعض الناس والأطباء إلى الاعتقاد بأنهم يتعاملون مع مرض مختلف عما أصابهم في ذلك الربيع.
وبلغت وفيات الإنفلونزا ذروتها في نوفمبر 1918، والذي من المحتمل أن يكون الشهر الأكثر دموية للوباء.
التأثير الاجتماعي
ومزقت إنفلونزا عام 1918 نسيج المجتمع. وما يقرب من نصف الوفيات كانت بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 40 عامًا، وعلى عكس الوباء الحالي، حيث كان كبار السن أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة والوفاة من فيروس كورونا.
وتم إلغاء وإغلاق العديد من الفعاليات والمدارس والأماكن العامة. وفرضت السلطات قوانين ارتداء الأقنعة، بما في ذلك غرامات ضد الأشخاص الذين يخالفون القواعد.
ميزة العصر الحديث
ووصولاً إلى عام 2020، أتاحت لنا التطورات العلمية المتعددة ميزة طفيفة في التخفيف من انتشار وآثار أمراض الجهاز التنفسي مثل الإنفلونزا وفيروس كورونا. وسمحت التحسينات التكنولوجية للباحثين بمشاهدة الخلايا والفيروسات من خلال المجاهر الإلكترونية ودراسة البلورات بالأشعة السينية، مما يتيح أيضًا التقاط ملايين الصور لها. ويمكن لعلماء الأحياء الدقيقة الآن عزل، وتحديد، ووصف بنية الفيروسات.
وقالت جينا كولاتا، صحفية متخصصة في العلوم والطب بصحيفة "نيويورك تايمز" إنه على الرغم من أننا نجري اختبارات فيروس كورونا، فإن أحد أوجه القصور هو "أننا لا نمتلك قدرة كافية على الاختبار، وأن الاختبارات تستغرق وقتًا طويلاً". وأضافت "عندما يصبح لديك شيء مثل فيروس كورونا حيث يمكن أن تحاكي الأعراض أعراض الإنفلونزا أي حمى شديدة وقشعريرة، يمكنك إرباك نظام الاختبار بسهولة حقًا إذا بدأ موسم الإنفلونزا بالفعل".
ماذا نستطيع أن نفعل
ورغم أن حالات فيروس كورونا تتزايد، ويمكن أن ترتفع هذا الشتاء، إلا أن هناك أشياء يمكننا القيام بها لوقف انتشارها. ولا تزال الاحتياطات مثل التباعد الجسدي، وتجنب التجمعات، والسفر غير الضروري، وغسل اليدين، وارتداء الأقنعة مهمة.
ويمكن أن يساعد تخزين مواد البقالة، والمواد الطبية، والتأهب للطوارئ، بشكل مسؤول وبطريقة تراعي الآخرين، في الحد من الرحلات إلى المتاجر، وبالتالي تقليل فرص الانتشار.
وفي عام 1918، لم يكن هناك لقاح معتمد ومنظم. وهذه المرة مع فيروس كورونا، تقوم عدة برامج باختبار اللقاحات لتتمكن من تلقيح الجمهور بحلول ربيع عام 2021.
ويجب الاهتمام بالتحديثات والإرشادات الصادرة عن سلطات الصحة العامة المحلية، والمعرفة العلمية للباحثين والمنظمات مثل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ومنظمة الصحة العالمية.