دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في جميع أنحاء العالم، سلط طرح لقاحات فيروس كورونا ضوءاً على التفاوتات في الدخل العالمي. وبينما تأخذ الدول الغنية الحصة الرئيسية من اللقاحات، تتدافع الدول الفقيرة للحصول على فرصة للحياة بعد فيروس كورونا.
وتُعد منطقة الشرق الأوسط نموذجاً مصغراً لتلك المشكلة العالمية.
وفي حين كانت دول الخليج العربية الغنية بالنفط من بين أولى الدول في العالم التي حصلت على لقاح، فإن دول أخرى مزقتها الحرب، مثل اليمن وسوريا، كان عليها التعامل مع جداول زمنية مبهمة وخطط توزيع معقدة لطرح اللقاح.
دول الخليج تقود الطريق
وكانت الدول العربية الأولى التي بدأت في تطعيم مواطنيها والمقيمين فيها هي: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والبحرين، وسلطنة عُمان.
وتتمتع دولة الإمارات، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 10 مليون نسمة، بواحدة من أعلى معدلات التطعيم على مستوى العالم.
وأما لبنان، الذي يعاني حالياً من أزمة مالية، فهو لم يحصل بعد على أي لقاحات.
وقال رئيس صناعات الصحة والرعاية الصحية العالمية في المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، أرنو بيرنايرت، إن العالم لا ينبغي أن يكون "ساذجاً" بشأن هذه التفاوتات.
وقال مدير إدارة الأمراض السارية بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور إيفان هوتين: "لدى الدول (الخليج العربي) عدد أقل من السكان، ومبالغ مالية أكبر وأنظمة صحية قوية، ولذلك، فهي في وضع أفضل لبدء الطرح مبكراً، وهذه حقيقة".
وأضاف هوتين قائلاً: "يُصنف الشرق الأوسط وببساطة بعدم مساواة كبير".
وبالنسبة للدول العربية غير الخليجية التي تعاني من الفقر، أو الفساد المزمن، أو الصراع، فإن خطط التطعيم فيها معقدة ليس بسبب الإدارة السيئة فقط، بل بسبب انعدام الثقة العميق في القيادة السياسية أيضاً.
وفي لبنان، عملت النخبة الحاكمة المتهمة بالفساد على تجفيف موارد البلاد على مدى عقود، وبلغ الأمر ذروته عبر تدهور مالي العام الماضي.
ولم يسلم النظام الطبي، بل انهار في ظل النقص في الأدوية، ونزوح العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وأدى انفجار ميناء بيروت في أغسطس/آب الماضي، والذي ألحق أضراراً ببعض المستشفيات الكبرى، إلى تفاقم ما وصفه رئيس البلاد، ميشال عون، بـ"حالة طوارئ صحية".
أما برنامج التطعيم المجاني في الأردن للقاح "فايزر" فهو قيد التنفيذ بالفعل، لكن نسبة صغيرة جدًا من السكان قدمت للحصول عليه، مشيرة إلى عدم الثقة، وفقًا لمسؤولي الصحة.
وفي العراق، ستتوفر 1.5 مليون جرعة فقط من لقاح "فايزر" لسكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة، على الرغم من أن البلاد واجهت الزيادات المتكررة في حالات كورونا خلال العام الماضي.
وتسعى منظمة الصحة العالمية إلى خطط توزيع للبلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل من خلال برامج مثل تحالف "كوفاكس"، وهي مبادرة عالمية تتضمن 190 دولة مشاركة تهدف للعمل مع الشركات المصنعة لتزويد البلدان حول العالم بإمكانية الوصول العادل إلى اللقاحات.
وتُعد إيران ومصر أكبر دولتين من حيث عدد السكان في المنطقة، إذ يبلغ عدد سكان إيران 85 مليون نسمة تقريباً، بينما تحتضن مصر أكثر من 100 مليون نسمة، ما يعقد عملية طرح توزيع اللقاحات في البلدين.
وبدأت مصر بتلقيح مواطنيها، بدءًا من العاملين في المجال الطبي، بلقاح "سينوفارم" بتاريخ 24 يناير. وقالت الحكومة المصرية إنها وقعت على اتفاقية صفقة 20 مليون جرعة من لقاح "أسترازينيكا" تغطي 10٪ إضافية من السكان.
مسألة اللقاحات في مناطق الصراع
وحصل تحالف "كوفاكس" على ملياري جرعة من لقاحات "كوفيد-19" لتوزيعها في جميع الدول المشاركة، ولكن قال هوتين إن ذلك لا يكفي.
وتواجه سوريا، المُنهكة بالفعل بعد حوالي عقد من الحرب الأهلية، أزمة اقتصادية.
وفي اليمن الممزق بسبب الحرب، والذي يعاني من أزمة إنسانية مُدمرة، يبدو أن الحكومات المتنافسة في جنوب البلاد وشمالها ليس لديها سوى فكرة مبهمة عما سيبدو عليه طرح اللقاح.
وفي عدن، قالت نائبة وزير الصحة إشراق السبيعي، إن اليمن قد يتلقى الدفعة الأولى من اللقاح في مارس/آذار المقبل، ولكن ستكفي الشحنة 20% فقط من البلاد.
وفي إسرائيل والأراضي الفلسطينية، أصبحت التفاوتات في اللقاحات على مستوى المنطقة موضع تركيز حاد.
وتترك حملة التطعيم الإسرائيلية الرائدة عالمياً، وهي في طريقها لتحقيق هدف الحكومة المتمثل في تطعيم الدولة بأكملها بحلول نهاية مارس/آذار، وراءها ما لا يقل عن 4.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وحتى الآن، لم يحصل أي منهم على الحقن، ومن غير المرجح أن يحصل عليها معظمهم في وقتٍ قريب، فلا توجد حملة تطعيم ضد فيروس "كوفيد-19" في الأراضي الفلسطينية.
بداية حقبة جديد
ووفقاً لهوتين، تقدمت منظمة الصحة العالمية إلى الدول الغنية، بما في ذلك دول الخليج، لمشاركة جرعاتها، وامتثلت الدول لها، ولكن، لا يزال العمل جارياً.
وأطلقت دائرة الصحة في أبوظبي شراكة محلية تُدعى "ائتلاف الأمل"، والتي من المقرر أن تقدم 18 مليار جرعة من اللقاحات على مستوى العالم بحلول نهاية عام 2021.
وقال بيرنايرت، لـ CNN إنه رغم التأخير في التطعيمات في البلدان منخفضة الدخل، إلا أنه أكثر تفاؤلاً مما كان عليه قبل بضعة أشهر، وقال: "هل سنكون قادرين على تطعيم الجميع في عام 2021؟ لا أعتقد ذلك. وهل ستستمر مسألة التطعيم في 2022، أو حتى 2023؟ نعم، أعتقد ذلك. ولكن، ما تمكنا من القيام به حتى الآن علامة على أننا قد نكون في بداية حقبة جديدة".