دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- قبل ثلاثة أيام من الاحتفاء بعيد الشكر الماضي، هبطت طائرة ركاب آتية من جنوب إفريقيا بمدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. إحدى الركاب كانت بالمرحلة الأولى من إصابتها بكوفيد-19، رغم أنها لم تكتشف ذلك إلا بعد أسبوع من وصولها تقريبًا.
تزامن ذلك مع اليوم الذي بدأ فيه العلماء، على بعد 16 ألف كيلومتر تقريبًا في دولتي بوتسوانا وجنوب إفريقيا، تنبيه العالم إلى ظهور سلالة جديدة من فيروس كورونا شديدة التحور، الذي يتسبّب بكوفيد-19.
وكانت ألكساندريا بوم، أستاذة الهندسة المدنية في جامعة ستانفورد، قد قرأت عن نمط الطفرات المعتاد للمتحور الذي لم يعطَ له اسم بعد، وشرعت بالعمل.
ولأكثر من عام، جمعت بوم وفريقها المؤلّف من 45 شخصًا يعملون في شبكة تنبيه فيروس كورونا المعنية بالصرف الصحي، عيّنات من مياه المجاري اليومية في محطات معالجة مياه الصرف الصحي شمال كاليفورنيا، وأخضعوها لاختبارات بحثًا عن أجزاء من فيروس كورونا الجديد.
وكان ثبت أنّ علم الأوبئة المستند إلى مياه الصرف الصحي موثوق للغاية في عشرات المشاريع التجريبية بالولايات المتحدة، حيث استثمرت الحكومة الملايين لإنشاء النظام الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي، وهي شبكة تتألف من 400 موقع اختبار منتشرة عبر 19 ولاية، يتم التنسيق بينها من قبل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها.
وتعد شبكة تنبيه فيروس كورونا المعنية بالصرف الصحي جزءًا من هذا النظام الوطني، التي تعمل بصمت خلف الكواليس، وتنتج البيانات لإدارات الصحة العامة في جميع أنحاء البلاد، منذ سبتمبر/ أيلول 2020.
ولأول مرة، ستنشر المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها بيانات تكشف مقدار انتشار فيروس كورونا في مياه الصرف الصحي في البلاد. وستضاف بيانات الاختبار هذه إلى سجل المعلومات الخاصة بالوكالة حول كوفيد-19.
وأظهرت الاختبارات أن هناك تراجعًا بكمية الفيروس في ثلثي مواقع النظام الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي البالغ عددها 400 موقع، من المستويات التي تم قياسها قبل 15 يومًا، وفقًا لمسؤول لدى الوكالة على دراية بالتخطيط.
وصرحت مراكز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها أنّ أكثر من 500 موقع سيبدأ بإرسال البيانات خلال الأسابيع المقبلة، ومن المقرر عقد مؤتمر صحافي عن نظام المراقبة الجمعة.
بيانات من أي مكان له صلة بالصرف الصحي
يغطي الفيروس المسبب لكوفيد-19، سارس-كوف-2، غلافٌ زيتي.
وبعد أن يغزو جسد الشخص المصاب ويبدأ في استنساخ نفسه بسرعة، ينتهي مطاف بعض هذه النسخ في أمعائه، حيث تلتصق الأجزاء الدهنية من الفيروس بدهون البراز.
عند عملية التغوّط، يتم التخلص من مادة الفيروس الوراثية في المرحاض ثم في مجرى مياه الصرف الصحي، حيث يمكن اكتشافها من خلال أنواع الفحوص ذاتها التي تستخدمها المختبرات لاكتشاف الفيروس على مسحات الأنف: فحوص تفاعل البوليميراز المتسلسل في الوقت الحقيقي، أو ما يعرف بـ RT- PCR.
وهذا النوع من الفحوص حساس للغاية، ويمكن أن يلتقط وجود الفيروس عندما يصاب شخص واحد فقط من أصل 100 ألف في منطقة معينة.
ولأن فحص مياه الصرف الصحي لا يعتمد على إدراك الناس أنهم مرضى ويحتاجون لإجراء فحص كوفيد-19، أو حتى لظهور أعراض عليهم، فغالبًا ما يلعب دور المنبّه المبكر للمجتمع بأن موجة من كوفيد-19 آتية.
وتقدّر الوكالة أنّ الأمر يستغرق بين 5 و7 أيام، بعد دفع مياه المرحاض لنقل بيانات مياه الصرف الصحي إلى نظام متتبع كوفيد-19 الخاص بها، وعادة ما تصبح العينات إيجابية في منطقة ما قبل أربعة إلى ستة أيام من ظهور الحالات السريرية.
من جهتها أوضحت إيمي كيربي، عالمة الأحياء الدقيقة لدى مراكز مكافحة الأمراض التي تقود مشروع النظام الوطني لمراقبة مياه الصرف الصحي: "طالما أن الناس يستخدمون مرحاضًا متصلًا بمياه الصرف الصحي، فيمكننا الحصول على معلومات حول تلك الحالات في هذا المجتمع".
إلى العمل..
وتعد السرعة ضرورية لجعل فحص مياه الصرف الصحي مفيدًا. لذلك باشرت بوم بالعمل لدى سماعها بالخطورة الكامنة وراء تنبيهات متحور جديد يظهر على بعد 16 ألف كيلومتر.
ونبهت فريقها الإثنين، قبل عيد الشكر الفائت إلى المتحور الجديد. ونزّلوا الثلاثاء عدد قليل من التسلسلات الجينية للمتحور الجديد الذي تم إرساله إلى موقع إلكتروني يستخدمه الباحثون في جميع أنحاء العالم لمشاركة المعلومات حول فيروس كورونا الجديد.
وبدأوا بتصميم اختبار يمكنه التقاط العديد من التغييرات المنبهة، بينها الأحماض الأمينية التي تم حذفها من مجموعة من المواقع في البروتين الشائك للفيروس (الخاصة بمتحورات سابقة)، وإضافة ثلاثة أحماض أمينية في مكان آخر على البروتين الشائك.
وطلبت بوم إمدادات مثل المسابير الكيميائية التي سيحتاجون إليها لإجراء اختبارهم الجديد. وكانت تعلم أن التسليم قد يستغرق أسابيع، لكنها تقول إنّ الحظ حالفهم وحصلوا على المواد الكيميائية الجديدة خلال سبعة أيام فقط.
وفي انتظار الإمدادات، نفضت بوم الغبار عن فحص قديم كان استخدمه فريقها للعثور على مؤشر لمتحور ألفا.
وإسوة بأوميكرون، يفتقد متحور ألفا بعض الأحماض الأمينية من موقع رئيس على البروتين الشائك.
وتسبّبت عمليات الحذف هذه بنمط في الفحوص المختبرية يعرف بفشل استهداف الجين S.
وقالت: "كنا نعلم أن ألفا قد اختفى بشكل أساسي. وانقرض في منطقتنا". وهذا يعني أن أي نتائج ناجحة في اختبارات متحور ألفا كانت على الأرجح للمتحور الجديد.
وحصلوا على أول نتيجة إيجابية الخميس، يوم عيد الشكر، من عينة في مدينة ميرسيد بولاية كاليفورنيا من خلال الفحص القديم.
يوم الجمعة، أطلقت منظمة الصحة العالمية اسم أوميكرون على المتحور قيد البحث، وأدرجته رسميًا على أنه متحور مثير للقلق.
في الأيام التي تلت ذلك، زادت العينات الإيجابية في مدينة سكرامنتو.
وما بدأ كتقطير في العينات الإيجابية سرعان ما أصبح موجة ثابتة.
في 16 ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، استضافت إدارة الصحة في مقاطعة سانتا كلارا مؤتمراً صحفياً حذر خلاله الجمهور، ممّا رأوه في بيانات مياه الصرف الصحي.
محدودية فحوص الصرف الصحي
وقالت كيربي من مراكز مكافحة الأمراض إن هذا النظام كان فعالًا وأنبأنا بوصول أوميكرون إلى كاليفورنيا، وكولورادو، وهيوستن، ومدينة نيويورك. ونشرت لمحة سريعة عن تلك الجهود في التقرير الأسبوعي للإصابة بالأمراض والوفيات الصادر في 21 يناير كانون /الثاني الماضي.
وأشارت كيربي إلى أنّ هذه الوسيلة تعتبر مفيدة للسماح للمقاطعات والمدن بمعرفة مكان توجيه الموارد المحدودة.
هناك بعض نقاط الضعف في النظام، فرغم اتصال 80% من المنازل في الولايات المتحدة بالمجاري، إلا أنّ نسبة 20% الأخرى من المنازل تعتمد على أنظمة مختلفة من الصرف الصحي.
ولن يشمل الفحص هذه المنازل، التي يقع معظمها في المناطق الريفية.
يصعب أيضًا تفسير فحص مياه الصرف الصحي في المناطق التي يرتادها الناس، مثل الوجهات السياحية.
من الصعب أيضًا مقارنة البيانات بين مستجمعات الصرف الصحي لأن المناطق المختلفة تستخدم طرقًا مختلفة لأخذ العينات.
أخيرًا، لا يمكن لهذا النوع من الفحص الإشارة إلى وقت خلو المجتمع من الفيروس لأن عتبة الاكتشاف، مثل عدد الأشخاص الذين يجب أن يكونوا إيجابيين في منطقة ما للظهور في عينة المياه، ما برح مجهولًا.
لهذه الأسباب، تقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إن أفضل استخدام لهذه الأداة أن تترافق مع المراقبة المستندة إلى عد الإصابات.
لهذا السبب لا يجب الاستهانة بمتحور "أوميكرون"