دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عَثَر علماء الآثار على عظام لشخص يافع مدفونة بمقبرة ضحلة في أعماق كهف إندونيسي منعزل، قالوا إنه يمكنها إعادة كتابة التاريخ الطبّي.
وباستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع، يقدّر العلماء أن الجسد رقد داخل كهف "ليانغ تيبو" بمقاطعة كاليمانتان الشرقية في بورنيو لـ31 ألف عام، وفقًا لبحث نُشر في مجلة "Nature" الأربعاء.
ولكن كان الأمر الأكثر لفتًا للانتباه في هذا الاكتشاف أن الشخص، الذي قد يكون شابًا، أو امرأة، فَقَد الجزء السفلي لساقه اليسرى، مع وجود علامات لخضوعه لعمليّة بتر بعناية عندما كان في سن ما قبل المراهقة، أو في سن المراهقة المبكّرة، وذلك قبل وفاته لأسباب غير معروفة بين الـ19، أو الـ21 من العمر، وفقًا للباحثين.
وعُثر على الهيكل العظمي السليم بشكلٍ ملحوظ في عام 2020 من قبل علماء آثار أستراليين، وإندونيسيين، والذين يقولون إن عمليّة البتر تكشف عن مهارة جراحية كبيرة، وأشاروا إلى أنها المثال الأول لذلك في السّجل الأثري، ما أدى إلى زعزعة فهمنا لتطوّر البشر في العصر الحجري.
وقال الأستاذ في مركز جامعة "جريفيث" للبحوث الاجتماعية والثقافية في كوينزلاند، ماكسيم أوبيرت، عبر البريد الإلكتروني: "إنه أمر مهم لأنه يدفع معرفة جنسنا البشري حول الجراحة، والطّب المعقد، إلى وقتٍ أبكر بكثير".
وكتب أوبيرت: "كان يجب أن يتمتّعوا بمعرفة عميقة بالتشريح البشري، وكيفيّة منع تدفق الدم، والتخدير، والتعقيم. وكل هذه الأمور لم تصبح معياريّة إلا مؤخرًا".
واعتقد الخبراء أن البشر افتقروا إلى الخبرة اللازمة لأداء العمليّات الصعبة مثل البتر حتى ظهور الزراعة، والمستوطنات الدائمة، والتي غيّرت المجتمع البشري خلال الأعوام الـ10 آلاف الماضية.
الرعاية المجتمعيّة
وبحسب البحث، بُترت قدم الشخص عندما كان طفلاً، كما أنه بقي على قيد الحياة لمدة 6 إلى 9 أعوام بعد العمليّة، ولم يكن هناك أي أثر لوجود عدوى في العظام.
وتشكّل نمو جديد للعظم فوق المنطقة المبتورة، الأمر الذي يستغرق وقتًا طويلاً.
وأُجريت العملية على الأرجح باستخدام السكاكين، والمشارط المصنوعة من الحجر.
ويُفترض أن الجرّاح الذي أجرى العملية قبل 31 ألف عام تمتّع بمعرفة تفصيلية عن التشريح، والأنظمة العضلية، والأوعية الدموية للكشف عن الأوردة، والأوعية، والأعصاب، والتعامل معها، ومنع فقدان الدم المُميت، والعدوى، بحسب ما ذكرت الدراسة.
وقال باحث في جامعة "جريفيث"، وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، تيم مالوني: "أعتقد أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن هذا دليل حقيقي، وملموس من حيث وجود درجة عالية حقًا من الرعاية المجتمعية"، إذ كان الشخص بحاجة إلى الكثير من المساعدة، والرعاية المستمرة في مجتمعه، حتى يعيش لأعوام مع ساق مبتورة بين التضاريس الجبلية.
منطقة مثيرة للاكتشافات
وتم تأريخ بقايا الطفل من خلال الاعتماد على طريقتين، وهما التأريخ بالكربون المشع لبقايا الفحم في طبقات الرواسب فوق الهيكل العظمي، وعنده، وأسفله، بالإضافةً إلى تأريخ أحد الأسنان عن طريق قياس التحلل الإشعاعي لنظائر اليورانيوم، وهي عناصر كيميائية موجودة في مينا الأسنان.
وتُعتبر المنطقة أيضًا أقدم موقع معروف للدفن المُتعمّد في جزر جنوب شرق آسيا، مع استخدام علامات مصنوعة من الحجر الجيري فوق موقع الدفن، ووضع الجسد في وضعيّة الجنين.
واكتُشف الهيكل العظمي في منطقة أصبحت وجهة مثيرة لعلم الإنسان القديم، أي كهف "ليانغ تيبو".
و"ليانغ تيبو" عبارة عن كهف كبير من الحجر الجيري يقع في منطقة جبلية نائية، ولا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق القوارب في أوقاتٍ معينة خلال العام.
وتم العثور على أقدم عمل فني صخري تصويري بالعالم في كهوف موجودة بأماكن أخرى في إندونيسيا، كما تم العثور على أنواع بشرية منقرضة مثل "إنسان فلوريس"، و"إنسان كالاو" بجزر متعددة في المنطقة ذاتها.