دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- كشف تقرير جديد عن أنّ مياه المحيطات العميقة في القطب الجنوبي تسخن وتتقلّص، وقد يترتب على ذلك عواقب بعيدة المدى تؤثر على تغير المناخ والنظم البيئية في أعماق المحيطات.
ومن المعلوم أنّ "مياه قاع القطب الجنوبي" تُعتبر من الأبرد والأكثر ملوحة على هذا الكوكب. وتؤدي هذه المياه دورًا مهمًا في قدرة المحيط على العمل كحاجز مقاوم لتغيّر المناخ من خلال امتصاص الحرارة الزائدة والتلوث الكربوني الناتج عن الإنسان. كما تقوم أيضًا بتوزيع العناصر الغذائية عبر المحيط.
وأشارت الدراسة التي نشرتها هيئة المسح البريطانية في القطب الجنوبي (BAS) إلى أنه في بحر ويديل الواقع شرق شبه جزيرة أنتاركتيكا، تشهد هذه الكتلة المائية الحيوية تراجعًا بسبب التغيرات طويلة المدى في الرياح والجليد البحري.
واستخدم العلماء بيانات سجلتها السفن على مرّ عقود، وكذلك بواسطة الأقمار الصناعية، بغية تقييم حجم ودرجة حرارة وملوحة هذا الجزء من أعماق المحيط المتجمد الجنوبي.
وأفاد بوفل أبراهامسن، عالم المحيطات الفيزيائي لدى BAS والمؤلف المشارك، ببيان أنه "تمت زيارة بعض هذه الأقسام لأول مرة منذ عام 1989، وأخذت عينات منها، ذلك أن بحر ويديل يُعتبر بين أكثر المناطق شمولاً".
ووجد العلماء أن حجم مياه القاع الباردة قد تقلّص بنسبة فاقت 20٪ خلال العقود الثلاثة الماضية. ووجدوا أيضًا أن مياه المحيطات التي يزيد عمقها عن 2000 متر (6600 قدم) قد ارتفعت درجة حرارتها أربع مرات أسرع مقارنة مع باقي المحيطات العالمية.
وأوضح أليساندرو سيلفانو من جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، والمؤلف المشارك في الدراسة، ببيان، "أننا كنا نعتقد أنّ التغيرات في أعماق المحيطات لا يمكن أن تحدث إلا على مدى قرون. لكن عمليات الرصد الرئيسية هذه في بحر ويديل أظهرت أنّ التغييرات في الأعماق المظلمة قد تحدث خلال بضعة عقود فقط".
ووجدت الدراسة أنّ سبب تقلّص هذه المياه العميقة مردّه إلى التغيرات في تكوين الجليد البحري بسبب ضعف الرياح. إذ تميل الرياح القوية إلى دفع الجليد بعيدًا عن الجرف الجليدي، ما يترك مناطق من المياه مفتوحة لتكوين المزيد من الجليد. وبحسب الدراسة، فإن ضعف الرياح يعني أن هذه الفجوات أصغر ما يؤدي إلى تباطؤ في تكوين الجليد البحري.
ويعتبر تكون الجليد البحري الجديد أمرًا حيويًا لإنشاء مياه بحر ويديل شديدة البرودة والملوحة. وعندما تتجمد المياه، فإنها تدفع الملح إلى الخارج، وبما أن المياه المالحة أكثر كثافة، فإنها تغوص في قاع المحيط.
ويمكن أن يكون للتغييرات في المياه العميقة عواقب بعيدة المدى. وأشار سيلفانو إلى أنها جزء حيوي من حركة المحيطات العالمية، إذ تنقل التلوث الكربوني الذي يسببه الإنسان إلى أعماق المحيطات حيث يبقى لقرون عدة. وقال سيلفانو لـCNN إنه "إذا ضعف هذا الدور لحركة الأعماق، تقل كمية امتصاص أعماق المحيط للكربون، الأمر الذي يحد من قدرة المحيط على التخفيف من ظاهرة الاحترار المناخي".
وامتصت المحيطات أكثر من 90٪ من الحرارة الزائدة في العالم منذ سبعينيات القرن الماضي، وتمتص ما يقرب من ثلث التلوث الكربوني الناتج عن الإنسان.
وتلعب هذه المياه الباردة الكثيفة أيضًا دورًا حيويًا في إمداد مياه المحيطات العميقة بالأكسجين. وأضاف سيلفانو أنه "ما زال من غير الواضح، كيف وما إذا كانت النظم البيئية العميقة يمكن أن تتكيف مع كمية أقل من الأكسجين".
واعتبرت هولي أيريس، الباحثة في قسم الأرصاد الجوية بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة، غير المشاركة في الدراسة، أن بحث BAS خطوة إلى الأمام في معرفتنا بمياه المحيطات العميقة في القطب الجنوبي.
ولفتت أيريس في حديث لها مع CNN إلى أنّ "الجمع بين عقود من عمليات الرصد المستندة إلى السفن وبيانات الأقمار الصناعية يمثل قفزة كبيرة في فهمنا لعملية التكوين، وقد يكون مفيدًا في فهمنا لكيفية تشكل مياه قاع القطب الجنوبي مستقبلًا".
وفي حين أنّ التغييرات التي حددتها الدراسة تُعد نتيجة لتقلّب المناخ الطبيعي، فإن تغيّر المناخ له أثر أيضًا على المياه العميقة في القارة القطبية الجنوبية.
وكان علماء توصلوا في دراسة أجريت في مارس/ آذار، إلى أنّ ذوبان الجليد يخفّف من ملوحة المحيط ويبطّئ حركة تنقل مياه المحيطات العميقة في القطب الجنوبي. وخلص التقرير إلى أن الفشل في الحد من التلوث الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب قد يتسبب بتراجع حركة تنقل مياه المحيطات العميقة، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المناخ والحياة البحرية.
ورأى شنيجي زو عالم المحيطات لدى BAS، والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة في حديث له مع CNN أن الدراسة تعتبر بمثابة "تحذير مبكر". وخلص إلى أن "التغييرات الجارية في طبقة المياه العميقة بالقطب الجنوبي تحدث بالفعل ولا تسير في الاتجاه الذي نريده".