دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عالمنا مبني من الخرسانة، ولكن يعني انتشارها في كل مكان أنّها تتمتّع بتأثير بيئي هائل.
وتُصنع الخرسانة من المياه الممزوجة بالركام، مثل، الرمل، والحصى، ومن ثم يجعلها الأسمنت متماسكة، وهو العنصر الذي يُعتبر أكبر مساهم في البصمة الكربونية للخرسانة.
ويُعد الأسمنت البورتلاندي (Portland cement) النوع الأكثر شيوعًا، ويتم إنتاجه عبر خبز الجير في الفرن.
وتم إنتاج أكثر من 4 مليارات طن من الأسمنت في عام 2021، ما يساهم بـ 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وفقًا لما ذكره مركز "Chatham House" للأبحاث.
وفي ظلّ الضغوطات التي تواجهها صناعة البناء لإزالة الكربون، يسعى الباحثون للعثور على طرق لجعل الخرسانة أكثر صداقة للبيئة.
وقال طالب الدكتوراه في جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، سام دريبر إن "الخرسانة مادة رائعة وموثوقة لدرجة أننا سنعاني حقًا لإزالتها في كل مكان".
وأضاف دريبر: "يمكننا التّحول إلى المباني الخشبية حيثما أمكن ذلك، ولكن تحتاج الكثير من البنى التحتية خاصتنا إلى الخرسانة"، موضحًا: "ولصنع الخرسانة، نحتاج إلى نوع من أنواع الأسمنت".
وتوصّل دريبر وزميله في البحث، بارني شانكس، إلى طريقة لصنع أسمنت يستطيع إنتاج خرسانة خالية من الكربون.
وتبدأ عمليتهما بمعدنٍ شائع يُسمّى الزبرجد الزيتوني (olivine)، والذي ينقسم إلى مغنيسيوم، وسيليكا.
ويتم استخدام السيليكا مباشرةً لتستبدل ما يقرب من 35% إلى 40% من الأسمنت البورتلاندي المستخدم في الخرسانة، بينما يُدمج المغنيسيوم مع ثاني أكسيد الكربون لصنع كربونات المغنيسيوم، ويمكن استخدامه بعد ذلك لمواد البناء، بما في ذلك بدائل الطوب الطيني، واللوح الجصي.
ونظرًا لإمكانية التقاط ثاني أكسيد الكربون المُستخدم في العملية من مداخن النفايات لمصانع الأسمنت، والتي كانت ستتّجه إلى الغلاف الجوي لولا ذلك، يعني الأمر أنّ الخرسانة المصنوعة بهذه الطريقة محايدة للكربون، وفقًا لما أوضحه دريبر، وتُعتبر كربونات المغنيسيوم مخزنًا مستقرًا للكربون.
وبعد بدء الاختبارات في عام 2020، أطلق دريبر وشانكس شركة تُدعى "Seratech" في عام 2021.
ولا يفصلهم الآن سوى أسابيع قليلة عن مغادرة جامعة "إمبريال كوليدج لندن"، وإدارة الشركة رسميًا، والقدرة على جمع الأموال الخاصة من أجل منشأة تجريبية أكبر قادرة على إنتاج بضعة أطنان من الأسمنت في الأسبوع.
"يجب أن يكون متطابقًا"
وقال دريبر إنّ أسمنت شركة "Seratech" يعمل مثل الأسمنت البورتلاندي الذي يُعتبر "المعيار الذهبي"، مضيفًا أنّ هذا أمر أساسي لتقبّله صناعة البناء. وشرح دريبر: "يجب عليه أن يكون متشابهًا من ناحية الشكل، والملمس.. ويجب أن يكون متطابقًا، وإلا فلن يستخدمه الأشخاص في العالم الحقيقي. ويسعدني القول إنّني أعتقد أننا حققنا ذلك بشكلٍ جيّد".
وفي العام الماضي، فازت الشركة بجائزة "Obel"، وهي جائزة دولية "تروِّج للهندسة المعمارية التي تخدم الأشخاص والكوكب على حدٍ سواء".
ويقرّ دريبر أنّ الأسمنت مكلِّف للغاية في المرحلة البحثية الحالية، ولكن ستكون كلفته مشابهة للأسمنت البورتلاندي عند توسيع نطاق إنتاجه.
وتُخطّط شركة "Seratech" لاختبار الأسمنت في مبانٍ حقيقية بحلول أوائل عام 2025، والحصول على منشأة صناعية تجريبية واسعة النطاق بحلول عام 2027.
من الماء المالح إلى الأسمنت
وفي دولة الإمارات، يعمل الباحثون على تطوير عملية لخفض البصمة الكربونية للخرسانة أثناء معالجة مشكلة بيئية أخرى.
وتعتمد دولة الإمارات على تحلية مياه البحر لغالبية مياه الشرب، ولكن هذه العملية تُنتج محلولاً ملحيًا كمنتجٍ ثانوي، ويتم ضخّه مرّة أخرى إلى المحيط، ما يزيد من ملوحة المياه بصورة قد تضر بالحياة البحرية.
ووجد الأستاذ المساعد في الهندسة المدنية والحضرية في جامعة "نيويورك" بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، كمال جليك، أنّ المحلول الملحي يحتوي على معادن مفيدة، بما في ذلك تركيزات عالية من المغنيسيوم.
وقال جليك: "ما نقوم به هو استخدام محلول ملحي من محطة تحلية المياه وإضافة مواد كيميائية بسيطة للغاية".
وطوّر فريقه عملية لفصل المكونات الصلبة والسائلة عن المحلول الملحي، ومن ثم استخدام المغنيسيوم لصنع الأسمنت.
وأوضح جليك: "الأسمنت القائم على المغنيسيوم ليس نوعًا جديدًا من الأسمنت.. ولكن تكون صناعة التعدين مصدر كربونات المغنيسيوم عادةً".
ويتطلّب إنتاج الأسمنت التقليدي القائم على المغنيسيوم التسخين، وينبعث من العملية ثاني أكسيد الكربون، بحسب ما ذكره.
ولكن إنتاجه من محلول ملحي مأخوذ من النفايات يُعد فعالًا من حيث التكلفة، كما أنّه صديق للبيئة.
ولا يزال بحث جليك في مرحلة إثبات المفهوم حاليًا، ولكنه يتطلّع إلى إنتاج المواد على نطاقٍ كبير بما يكفي للعمل مع سوق صناعة البناء.