دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- شخَّص علماء بأستراليا أول حالة إصابة بمرض الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن ( CTE) في العالم لدى رياضية محترفة، وتداعياته على ملايين الفتيات والنساء اللواتي يمارسن رياضات الاحتكاك المباشر.
وقد اكتشف الباحثون أنّ اللاعبة هيذر أندرسون في دوري كرة القدم الأسترالية (AFL)، كانت في المراحل الأولى من الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، وذلك أثناء عملية تشريح خضعت لها من قبل علماء في بنك الدماغ الرياضي الأسترالي، ونُشرت نتائج الدراسة التي راجعها الأقران، الأسبوع الماضي في المجلة الطبية "Acta Neuropathologica".
والاعتلال الدماغي الرضحي المزمن، عبارة عن مرض تنكسي عصبي يمكن أن ينجم عن إصابات الدماغ الرضحية المتكررة أو الضربات على الرأس، مع أو من دون ارتجاج، ولم يتم تشخيصه حتى الآن إلا لدى الرياضيين الذكور المحترفين.
وذكر الباحثون أن ارتفاع مشاركة النساء في الرياضات عينها خلال العقدين الماضيين، يعني أنهن أصبحن عرضة للإصابة أيضًا، لا سيما أنّ الأبحاث تشير إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالارتجاج مقارنة بالرجال.
وأوضح مايكل بوكلاند، عالم الأمراض العصبية والمؤلف المشارك في الدراسة المنشورة، أن "الزملاء ما وراء البحار يراقبون أثر احتراف رياضات الاحتكاك المباشر على النساء خلال السنوات العشر الماضية، وزيادة شعبيتها، وارتفاع نسبة مشاركة النساء في هذا النوع من الرياضات التي تتطلب احتكاكًا جسديًا مباشرًا، لذلك كنا جميعًا نفكر نوعًا ما أنه عاجلاً أم آجلاً، سيتفشى هذا المرض بينهنّ".
وتابع بوكلاند، وهو الأستاذ المساعد السريري في جامعة سيدني أن "الحال يُشبه التدخين وسرطان الرئة نوعًا ما. في وقت مبكر كان سرطان الرئة يشخص بكثرة لدى الرجال.. ثم بدأت النساء بتدخين السجائر. وبعد 20 عامًا، سجّل ارتفاع كبير بمرض سرطان الرئة لدى النساء".
ويعتقد بوكلاند أن "هذه المراحل الأولى من رؤية تبعات الزيادة في المشاركة (في هذه الرياضات)، على مستوى الهواة والمحترفين".
وفاة لاعبة محترفة في الـ28 من عمرها
وبدأت أندرسون بلعب كرة القدم حين كانت في الخامسة من عمرها واستمرت بممارسة رياضة الاحتكاك المباشر لمدة 18 عامًا في إطارين، دوري كرة القدم الأسترالية ودوري الروغبي، قبل وفاتها انتحارًا في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وشملت مسيرتها الاحترافية 8 مباريات خلال موسم 2017 مع AFL Club the Adelaide Crows، قبل أن تتعرض لإصابة في الكتف أنهت مسيرتها الرياضية. وعملت أيضًا كمسعفة طبية في قوة الدفاع الأسترالية.
وتعود جذور أندرسون إلى مدينة داروين عاصمة الإقليم الشمالي الأسترالي، واشتهرت بارتداء خوذة وردية زاهية على أرض الملعب كي تتمكن والدتها التي تعاني من ضعف النظر من رؤيتها وهي تلعب. ولفت العلماء إلى أنّ الخوذات وعصابات الرأس قد تمنع كسور الجمجمة، لكنّها لا تحد من حركة الدماغ داخل الجمجمة عند إصابة شخص ما.
وخلال حياتها المهنية، أصيبت أندرسون بإصابة واحدة مؤكدة، وعانت من أربع إصابات أخرى يشتبه بها، وفقًا لما ذكرته عائلتها، الذين تبرعوا بدماغها لبنك الدماغ الرياضي الأسترالي للحصول على مزيد من الإجابات حول سبب وفاتها.
وبحسب ما أشارت إليه الدراسة، لم تتعاط أندرسون الكحول، أو العقاقير التي لا تتطلب وصفة طبية، ولم تظهر عليها أي علامات اكتئاب أو سلوك غير عادي في الأشهر التي سبقت وفاتها.
وقال بوكلاند إن تشخيص أندرسون يظهر أن الرياضات التي تتطلب احتكاكًا جسديًا للسيدات تحتاج أيضًا إلى خطط تقليل الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن من خلال خفض تعرض اللاعبات لإصابات الرأس التراكمية، ويجب أن تبدأ هذه الخطط على مستوى الناشئين.
وأوضح: "لا أعتقد أن أي طفل يجب أن يلعب أي نوع من رياضة الاحتكاك المباشر قبل المدرسة الثانوية". وأضاف أن الطرق الأخرى لتقليل التعرض تشمل تقييد الاحتكاك خلال التدريب، ولعب رياضة احتكاك واحدة فقط، وأخذ إجازة بعد المباراة، حين يعاني اللاعب من ضربات.
مجموعة متنامية من الأبحاث
ويتزايد الوعي من مخاطر إصابات الرأس خلال ممارسة الرياضة في العقدين الماضيين، ولا يزال العلماء يعملون على فحص أثر الضربات المتكرّرة على الدماغ.
وأفادت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها أنّ "الأبحاث التي أجريت حتى الآن تشير إلى أن الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن ناتج جزئيًا عن إصابات الدماغ الرضحية المتكررة، ضمنًا الارتجاج، والضربات المتكررة في الرأس، التي تسمى تأثيرات الرأس تحت الارتجاج".
وقد تؤدي الضربات المتكررة إلى تدهور أنسجة الدماغ، وتراكم غير عادي لبروتين تاو، المرتبط بأعراض مثل فقدان الذاكرة، والارتباك، ومشاكل التحكم في الانفعالات، والعدوانية، والاكتئاب، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، والسلوك الانتحاري.
وأوضح بوكلاند أنّ أكثر ما نحتاجه هو تغيير المواقف، بحيث لم يعد مقبولًا حتى تشجيع تعريض الأطفال للأنشطة التي تكون فيها إصابات الرأس المتكررة جزءًا من اللعبة.
وخلص إلى "أنها أكثر من مجرد مشكلة طبية، إنها مشكلة اجتماعية أيضًا. كيف نغير المجتمع؟ أعتقد أنه على المدى الطويل سيكون الأمر إسوة بالتدخين. (التوقف) عن التدخين أدى إلى تغير الأجيال، وأعتقد أن هذا ما نتطلّع إليه".