دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- رصد علماء الفلك بقعة مظلمة كبيرة وغامضة داخل الغلاف الجوي لكوكب نبتون، وبجوارها بقعة مضيئة بشكلٍ غير متوقع.
ورُصِد الاكتشاف باستخدام التلسكوب الأرضي "التلسكوب الكبير جدًا" (Very Large Telescope) التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في دولة تشيلي.
واكتشفت المراصد الفضائيّة، مثل تلسكوب "هابل" الفضائي، عواصف شبيهة بالدوامة، تظهر على شكل بقع مظلمة تحوم في الغلاف الجوي للكوكب الأزرق من قبل، ولكنّها المرة الأولى التي يرصد فيها تلسكوب أرضي عواصف على كوكب نبتون.
يلقي هذا الاكتشاف الجديد المزيد من الضوء على هذه الظاهرة، وفقًا لبحث جديد نُشر الخميس في المجلة العلميّة "Nature Astronomy".
وفي بيان، قال باتريك إروين، المؤلف الرئيسي للدراسة، وأستاذ العلوم الكوكبية في جامعة "أكسفورد"، في بيان: "منذ أول اكتشاف لبقعة داكنة، لطالما تساءلت حول هذه المعالم المظلمة العابرة وقصيرة الأمد".
عمالقة غازية وبقع مظلمة
وتشتهر الكواكب العملاقة الغازية في نظامنا الشمسي، من بينهم كوكب نبتون، بالبقع المظلمة التي تظهر في أغلفتها الجوية، مثل "البقعة الحمراء العظيمة" على كوكب المشتري، وهي عبارة عن عاصفة عمرها قرون.
وتعرّض كوكب نبتون، وهو عملاق جليدي، لعواصف متعدّدة رصدها تلسكوب "هابل" على مر الأعوام.
ويبدو أنّ جميع العواصف تتّبع نمطًا مع ظهورها واختفائها على مدار عامين، ما يجعل دراستها أمرًا صعبًا.
كما رصد المسبار الفضائي "فوياجر 2"، الذي أطلقته وكالة "ناسا" في السبعينيّات، عاصفتين مظلمتين على نبتون أثناء دورانه حول الكوكب في عام 1989، لكنهما اختفتا قبل أن يتمكن تلسكوب "هابل" من رصدهما عند التقط صور لنبتون في عام 1994.
وكانت "البقعة المظلمة العظيمة" على نبتون، وهو اللقب الذي أُطلق على أكبر عاصفة شهدها مسبار "فوياجر 2"، كبيرة بما يكفي لاحتواء الكرة الأرضيّة.
تتصرّف العواصف على نبتون بشكلٍ مختلف عن تلك الموجودة على الأرض.
وتُعتبر البقع المظلمة بمثابة نُظُم ذات ضغط عالي تبدأ بشكلٍ مستقر وتدور في اتجاه عقارب الساعة، بينما تكون الأعاصير في النصف الشمالي من الكرة الأرضية عبارة عن نُظُم ذات ضغط منخفض تدور عكس اتجاه عقارب الساعة.
ويسعى إيروين وفريقه إلى اكتشاف كيفية تشكّل هذه العواصف الضخمة على كوكب نبتون في المقام الأول.
سمة نبتون المكتشفة حديثًا
ويُعد نبتون، المتميّز بلونه الأزرق بسبب وجود غاز الميثان في غلافه الجوي، كوكبًا متجمدًا يبلغ متوسط درجة حرارته 235 درجة مئوية تحت الصفر، وترسل رياحه العاتية سحب الميثان المتجمدة عبر الكوكب بسرعة 1,931 كيلومترًا في الساعة.
وهو أبعد كوكب في نظامنا الشمسي، فهو أبعد عن الشمس بحوالي 30 مرة مقارنةً بالأرض، وتجعل هذه المسافة وقت الظهيرة على نبتون يبدو مثل فترة الغسق على الأرض.
وعندما اكتشف تلسكوب "هابل" بقعًا مظلمة جديدة على نبتون في عام 2018، انتهز فريق إيروين الفرصة لإجراء عمليات رصد من الأرض باستخدام "التلسكوب الكبير جدًا"، وأداة مستكشف الأطياف متعدد الوحدات (MUSE).
وتسمح الأداة لعلماء الفلك بمراقبة الجسم الفلكي بأكمله مرّة واحدة بأطوال موجية مختلفة من الضوء، وفقًا للمرصد الأوروبي الجنوبي.
ويميل الغلاف الجوي للأرض إلى خلق تأثير مشوِّه للتلسكوبات الأرضية، إلا أن أداة مستكشف الأطياف متعدد الوحدات تعتمد على تقنية تسمح لها بالتقاط صور واضحة.
ويمكن لمرايا التلسكوب، التي يتم التحكم فيها بواسطة الحواسيب، إجراء تعديلات في الوقت الحقيقي لتصحيح أي تشوهات يسببها الغلاف الجوي للأرض، والاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة للأجرام السماوية.
وساعدت البيانات، التي التُقِطت بواسطة "التلسكوب الكبير جدًا"، علماء الفلك على تحديد أن البقع المظلمة ليست ناجمة عن فجوات في السحب.
وبدلاً من ذلك، تقترح عمليات الرصد أنّ البقع تظهر عندما تتجمع جزيئات الهواء المظلمة أسفل الطبقة الجوية البارزة لكوكب نبتون، حيث يمتزج الضباب والجليد معًا.
التقطت أداة مستكشف الأطياف متعدد الوحدات طيفًا ثلاثي الأبعاد من الضوء لكوكب نبتون وبقعته المظلمة، ما سمح لعلماء الفلك بدراسة العاصفة بالتفصيل، وحتى عمل ملاحظة مفاجئة.
وفي بيان، قال المؤلف المشارك في الدراسة، مايكل وونغ، وهو عالم كواكب في جامعة "كاليفورنيا" في بيركلي: "اكتشفنا في هذه العملية نوعًا نادرًا من السُّحُب الساطعة العميقة التي لم تُرصد من قبل، حتّى من الفضاء".
وظهرت السحابة غير العادية في عملية الرصد كبقعة مضيئة أصغر بجوار البقعة المظلمة الأكبر، مع تواجد كلاهما على المستوى الجوي ذاته. وأشار علماء الفلك إلى شعورهم بالحماس لهذه السمة المكتشفة حديثًا، كما أنّهم يأملون معرفة المزيد من خلال عمليات الرصد المستقبلية التي يمكن إجراؤها من الأرض.
وقال وونغ: "هذا تقدّم مذهل في قدرة البشريّة على مراقبة الكون".
وتابع: "في البداية، لم نتمكن من اكتشاف هذه البقع إلا عن طريق إرسال مركبة فضائية هناك، مثل مسبار فوياجر. ثم اكتسبنا القدرة على رصدها عن بُعد باستخدام تلسكوب هابل. وأخيرًا، تطورت التكنولوجيا لتمكين ذلك من الأرض".