الموافقة على علاجين لمرض فقر الدم المنجلي يعطي آملًا لآلاف المرضى

علوم وصحة
نشر
9 دقائق قراءة
الموافقة على علاجين لمرض فقر الدم المنجلي.. لكن الأسعار مليونية!
Credit: Gary Gershoff/Getty Images for Children's Hospital of Philadelphia

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، على علاجين جينِيَّيْن لمرض فقر الدم المنجلي، من بينهما العلاج الأول الذي يستخدم تقنية تحرير الجينات كريسبر، ما يفتح حقبة جديدة من علاجات الحالات الوراثية.

ويُعد عقارا "Casgevy" و"Lyfgenia"، من العلاجات المحتملة للأشخاص الذين يعانون من فقر الدم المنجلي، وهو اضطراب وراثي في ​​خلايا الدم الحمراء، يؤثر بشكل غير متناسب على الأمريكيين من أصل إفريقي.

وعقار "Casgevy" هو العلاج القائم على "CRISPR" الذي تصنّعه شركتا "Vertex Pharmaceuticals" و"Crispr Therapeutics". أما عقار "Lyfgenia" الذي تصنعه شركة "بلوبيرد بيو"، فيعتمد على أسلوب قديم للعلاج الجيني. وأعطي العلاجين إذن الاستخدام على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا  وما فوق، والذين لديهم تاريخ من أزمات انسداد الأوعية الدموية، وهي أحداث مؤلمة ناجمة عن المرض.

وقالت الدكتورة نيكول فردان، مديرة مكتب المنتجات العلاجية التابع لإدارة الأغذية والعقاقير داخل مركز التقييم والأبحاث البيولوجية التابع لها إن "مرض الخلايا المنجلية يُعد اضطراب دم نادر ومنهك ومهدد للحياة مع حاجة كبيرة لم تتم تلبيتها".

وأضافت: "نحن متحمسون لتطوير هذا المجال خصوصًا بالنسبة للأفراد الذين تعطلت حياتهم جدًا بسبب المرض، من خلال الموافقة على علاجين جينيين قائمين على الخلايا اليوم".

وأفادت شركة "Vertex" في بيان تنظيمي أن عقار "Casgevy" سيكلف 2.2 مليون دولار للعلاج لمرة واحدة، في حين أنّ عقار "Lyfgenia" سيكلف 3.1 مليون دولار، بحسب ما ذكرت "بلوبيرد" في بيان صحفي.

واقترحت مجموعة تحليل تسعير الأدوية، معهد المراجعة السريرية والاقتصادية، أن سعرًا يتراوح بين 1.35 و2.5 مليون دولار لكل علاج كان سيجعلهما يتمتعان بالفعالية من حيث التكلفة، وشجعت الشركات على النظر في تسعير الأدوية عند الحد الأدنى من ذلك السعر.

بالنسبة لكثر في مجتمع الخلايا المنجلية، كانت منح الضوء الأخضر يجب أن يحصل منذ فترة طويلة. ويصيب هذا المرض حوالي 100 ألف شخص في الولايات المتحدة، أي بمعدل واحد من كل 365 طفلاً أسود اللون، وفقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها.

وقد اعتُبر منذ فترة طويلة مهملاً من قبل صناعة الأدوية. ويُعتقد أن حوالي 20 ألف شخص في الولايات المتحدة يعانون من شكل حاد من المرض بدرجة كافية للتأهل لعلاج مثل هذا.

وأشارت ميغان أليس، خبيرة الأخلاقيات الحيوية لدى "Mayo Clinic"  إلى أن الوصول إلى مثل هذا العلاج المتطور، والذي يبلغ سعره الآن أكثر من 2 مليون دولار، لا يزال سؤالًا رئيسيًا.

أول "مرض جزيئي"

لقد تم فهم أسس مرض فقر الدم المنجلي منذ نحو 75 عامًا. وفي عام 1949، نشر الكيميائي لينوس بولينغ ورقة بحثية في مجلة "ساينس" يصف فيها كيف يختلف بروتين الهيموغلوبين الحامل للأكسجين لدى الأشخاص المصابين بالخلية المنجلية، معلنًا أن هذا المرض هو أول "مرض جزيئي". كان ذلك قبل أربع سنوات من اقتراح البنية الحلزونية المزدوجة الشهيرة للحمض النووي.

وقال الدكتور لويس هسو، كبير المسؤولين الطبيين في جمعية مرض فقر الدم المنجلي في أمريكا، والطبيب الذي يعالج الأطفال المصابين بالخلية المنجلية: "كنا ننتظر هذا الأمر منذ اكتشاف الحمض النووي لأول مرة.. لقد مر وقت طويل جدًا".

تنتج الخلايا المنجلية عن طفرة جينية تؤدي إلى تشوه خلايا الدم الحمراء التي تحتوي على الهيموغلوبين ونقل الأوكسجين حول الجسم، مثل الهلال أو المنجل. يمكن أن تعلق هذه الخلايا المشوهة في الأوعية الدموية، ما يتسبب بتلف الأعضاء، وهي السمة المميزة للخلايا المنجلية، ونوبات ألم فظيعة يمكن أن تستمر لأيام، وتُسمى أزمات الألم الانسدادي للأوعية الدموية.

حتى الآن، كان الأمل الوحيد لعلاج الأشخاص المصابين بالخلايا المنجلية هو زرع نخاع العظم، أو الخلايا الجذعية. لكن أكثر من 80% من مرضى فقر الدم المنجلي، لم يتمكنوا من العثور على متبرع مناسب.

أداة جديدة لتحرير الجينات

وتسمح تقنية "كريسبر" لتحرير الجينات للعلماء بإجراء قطع دقيق في الحمض النووي. نُشرت أول ورقة علمية حول هذا الموضوع في عام 2012، وفاز تطوير العملية بواسطة جنيفر دودنا وإيمانويل شاربنتييه، بجائزة نوبل للكيمياء بعد ثماني سنوات فقط.

بالنسبة للخلايا المنجلية، تتم إزالة خلايا المرضى من الجسم، ويُستخدم "كريسبر" لإجراء تعديل يعيق إنتاج الهيموغلوبين الجنيني، وهو أحد أشكال البروتين الذي يصنعه الأطفال في الرحم. وأوضحت الدكتورة مونيكا بهاتيا، رئيسة قسم زراعة الخلايا الجذعية للأطفال في مركز تقديم الرعاية الصحية نيويورك-بريسبيتيريان/مركز إيرفينغ الطبي بجامعة كولومبيا، التي ساعدت في إجراء التجربة، أنه بمجرد إرجاع الخلايا المعدلة، يمكن للهيموغلوبين الجنيني أن يعوض الهيموغلوبين المتحور الذي يسبب الخلايا المنجلية.

وقالت بهاتيا: "نحن نعلم أن الهيموغلوبين الجنيني يتمتع بقدرة أعلى على حمل الأكسجين مقارنة بالهيموجلوبين البالغ أو الهيموغلوبين المنجلي".

وأوضحت بهاتيا أن تصنيع الهيموغلوبين الجنيني مع الهيموغلوبين المنجلي يجعل المريض مشابهًا لشخص مصاب بسمة الخلية المنجلية؛ وذلك عندما يرث شخص ما جينًا واحدًا للخلية المنجلية وجينًا طبيعيًا واحدًا، ولا يعاني من أي من مضاعفات المرض، على حد قولها. وعلقت قائلة إن "الأمر أكثر من مقبول".

وبالفعل، أشار الدكتور ديفيد ألتشولر، كبير المسؤولين العلميين في شركة "فيرتكس" للأدوية، إلى أن بعض الأشخاص لديهم بشكل طبيعي طفرات جينية تحافظ على ارتفاع الهيموغلوبين الجنيني، موضحًا: "لا تظهر عليهم أعراض، حتى لو كانت لديهم إصابة بالمرض".

وقال: "لقد كان الأمر بمثابة مقاربة فسيولوجية مثبتة من شأنها أن تنجح إذا تمكنت من تشغيل الهيموغلوبين الجنيني".

وأكدت نتائج التجارب السريرية، بحسب البيانات التي استشهدت بها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قبل اجتماع اللجنة الاستشارية بشأن العلاج في أكتوبر/ تشرين الاول، أن 29 من 30 مريضًا حققوا  الهدف الرئيسي للتجربة: التحرر من أزمة الألم لمدة 12 شهرًا بالحد الأدنى بعد العلاج.

أما أطول فترة من دون التعرض لأزمة كانت 45.5 شهرًا، أي قرابة أربع سنوات، وسيستمر الباحثون في متابعة المرضى.

وأوضحت بهاتيا: "ليس لدينا الكثير من البيانات طويلة المدى كما هي الحال بالنسبة لزراعة الخلايا الجذعية"، لافتة: "لكن هذا هو الأمل، أن يكون هذا مشابهًا لعملية زرع الأعضاء وأن يستمر".

وكان من المتوقع أن تتم الموافقة على العلاج الثاني الذي تمت الموافقة عليه يوم الجمعة، أي "ليفجينيا"، بعد بضعة أسابيع. وينطوي على تقنية قديمة، ويستخدم فيروسًا لتوصيل نسخة سليمة من الجين الذي ينتج الهيموغلوبين البالغ لتعويض الجين الذي ينتج الشكل المنجلي. ويتضمن أيضًا إزالة خلايا المريض ثم إعادتها.

وقال أندرو أوبنشاين، الرئيس التنفيذي لشركة "بلوبيرد": "كلاهما يجلب فائدة هائلة للمرضى".

الأسعار بملايين الدولارات

لكن هل يكون لدى الناس القدرة على تحمل تكاليف هذه العلاجات والوصول إليها، يبقى السؤال الرئيسي. وبالإضافة إلى أسعار العلاجات ذاتها التي تقدر بملايين الدولارات، فإنها تتطلب بنية تحتية لأنظمة طبية كبيرة. وقال هسو: "لا أعرف إذا كان سيتم تغطيتها ودفع ثمنها".

وأكدّت "بلوبيرد" يوم الجمعة أنها تجري "مناقشات متقدمة" مع أكبر مقدمي خدمات التأمين الصحي التجاري في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أكثر من 15 وكالة "Medicaid"، تمثل 80% من الأشخاص المصابين بالخلية المنجلية في البلاد. وأشارت الشركة إلى أنها صممت خيارات عقود "قائمة على النتائج" لشركات التأمين التي تربط دفع ثمن العلاج بمدى نجاحه مع مرور الوقت. وأعلنت "بلوبيرد" أن الدواء سيكون متوافرًا في أوائل العام المقبل.