دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- واجه عبدالله دياباتي نوبة ملاريا مُهدِّدة للحياة عندما كان في الخامسة من عمره فقط. ونجا دياباتي بصعوبة من المرض الذي ينتقل عبر البعوض، ولكن لم يكن أقاربه، الذين تراوحت أعمارهم بين 3 و4 سنوات، محظوظين بما فيه الكفاية.
ويرأس دياباتي الآن قسم علم الحشرات الطبية وعلم الطفيليات في معهد أبحاث العلوم الصحية في بوركينا فاسو، ويعمل على تطوير تقنية مبتكرة من المحتمل أن تقضي على أنواع البعوض الناقلة للملاريا عبر تعديل جيناتها.
سبب رئيسي للوفاة
والملاريا هو السبب الرئيسي للوفاة في وطن دياباتي، حيث يتعرض جميع سكان الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، ويبلغ عددهم 22 مليون نسمة تقريبًا، لخطر الإصابة بالمرض، وخاصةً الأطفال، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO).
وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن مكتب منظمة الصحة العالمية الإقليمي لإفريقيا أنّ مرض الملاريا قتل نحو 19 ألف شخص في بوركينا فاسو، عام 2021.
ويُعد المرض أيضًا أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في المنطقة الإفريقية الأوسع نطاقًا، والتي تتحمل أكبر عبء للملاريا في العالم.
ولأعوامٍ عديدة، ساهمت التدخلات الخاصة لمكافحة الملاريا، بما في ذلك استخدام الناموسيات المُعالَجة بالمبيدات الحشرية، في الحد من الوفيات و انتقال العدوى في البلدان المتضررة.
ومع ذلك، أشارت منظمة الصحة العالمية في أبريل/نيسان إلى أنّ "الوفيات الناجمة عن الملاريا لا تزال مرتفعة بشكلٍ غير مقبول، واستمرت حالات الإصابة بالملاريا في الزيادة منذ عام 2015"، مضيفةً أنّ ارتفاع معدلات العدوى يرجع إلى ارتفاع كلفة توفير تلك الإجراءات التدخلية، بالإضافة إلى "التهديدات البيولوجية" التي تُمكِّن مقاومة الأدوية، وتساعد البعوض الناقل على تطوير مناعة ضد المبيدات الحشرية.
وقال دياباتي لـCNN إنّ ابتكار الأدوات للسيطرة على الملاريا هو الطريقة الوحيدة للتغلب على المرض، وأوضح: "رُغم أنّ الناموسيات تقوم بعملٍ رائع، إلا أننا نواجه الآن مقاومة واسعة النطاق للمبيدات الحشرية في الأنواع المختلفة من البعوض، وخاصةً الناقلة للملاريا منه".
وأضاف: "يُصعِّب ذلك من هزيمة الملاريا بهذه الأدوات التقليدية".
"مُغيِّر لقواعد اللعبة"
أفاد دياباتي أنّه متفائل بشأن كون أداته الخاصة لمكافحة ناقلات الملاريا "مُغيِّرة لقواعد اللعبة" عند طرحها.
وينتقل مرض الملاريا عبر لدغة أنثى بعوض الأنوفيلة المصابة بالمرض الطفيلي.
وذكور حشرات البعوض لا تلدغ، ما يجعلها غير قادرة على نقل الملاريا.
ومن خلال تقنية محرّك الجينات، تُمنَع إناث أنواع البعوض الناقلة للمرض من إنتاج ذرية جديدة من الإناث عبر إطلاق ذكور تم تعديلها وراثيًا يصبحون عقيمين في البيئة.
وقال دياباتي إنّ أعداد إناث البعوض ستتناقص، وسيتوقف انتقال الملاريا.
وعند إطلاق البعوض (المعدّل جينيًا) في الميدان، أوضح دياباتي أنّه "سينتشر بين مجموعات البعوض كلها، ويحد من انتقال الملاريا على الفور"، مضيفًا أنّ تقنية محرك الجينات عبارة عن وسيلة أكثر استدامة وميسورة التكلفة لمكافحة الملاريا.
وأكّد دياباتي: "البعوض المعدل وراثيًا هو الذي يقوم بهذه المهمة نيابةً عنك.. على عكس التدخلات الأخرى (لمكافحة الملاريا) حيث يهرع البشر من مكان إلى آخر لتطبيقها".
ومع ذلك، قال دياباتي إنّ طرح تقنية محرك الجينات في إفريقيا قد يستغرق بضعة أعوام أخرى.
وطُبِّقت مشاريع مماثلة تستهدف الحمض النووي للبعوض بالفعل، ولكن يبدو أنّ عمل دياباتي يُعَد من أول الأبحاث التي استخدمت تعديل الجينات لاستهداف ذكور البعوض.
مخاوف بيئية
ورحّبت السلطات الصحية خارج بوركينا فاسو بتقنية محرك الجينات التي ابتكرها دياباتي، ولكن لا تزال هناك تساؤلات حول تأثيرها على البيئة عند إطلاقها بالكامل.
وقال مدير البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا بملاوي، لومباني مونثالي، لـCNN، إنّه رُغم كون تقنية محرك الجينات "ابتكارًا جيدًا يأتي في الوقت المناسب"، إلا أنّ تأثيرها البيئي غير معروف.
وقامت منظمة Save Our Seeds، ومقرها ألمانيا، بحملة قوية ضد تقنية محرك الجينات، مشيرةً إلى أنّه لا يمكن التنبؤ بتأثيرها على الأنظمة البيئية.
وكتبت المنظمة عبر موقعها الإلكتروني: "يؤدّي كل كائن حي، حتى لو بدا خطيرًا أو ضارًا للإنسان، واجبات مهمة في بيئته"، وأضافت أنّ "إبادة نوع ما، أو حتّى التلاعب به، ستعود بعواقب على النظام البيئي بأكمله".
وأكّد دياباتي لـCNN أنّ "المخاوف المحددة" بشأن هذه التقنية "ستؤخذ في عين الاعتبار في عملية تطوير" المشروع.
وتواصلت CNN مع المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها للتعليق على سلامة هذه التقنية.