8.5 مليون طفل عربي خارج المدرسة.. والسعوديات أكثر تعلماً من الذكور

اقتصاد
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير دارين العمري
8.5 مليون طفل عربي خارج المدرسة.. والسعوديات أكثر تعلماً من الذكور
طالب سعودي يخضع لإمتحانات نهاية العام الدراسي في إحدى المدارس في مدينة جدة السعودية في 19 حزيران/يونيو العام 2010Credit: AMER HILABI/AFP/Getty Images

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- ثمانية ونصف مليون طفل مهمشون تعليميا في العالم العربي. وهذا العدد لا يتضمن مليونين طفل إضافي سوري والذين هم خارج المدرسة بسبب العنف في بلادهم. هل يشكل الخبر صدمة، أم أنه قد يكون مجرد خبرعادي أمام المجازر والجرائم التي ترتكب يوميا، والأزمات التي تعصف بالبلدان العربية، حيث يتم التركيز على قضايا أخرى لا صلة لها بالتعليم. وماذا عن فئة الشباب التي تشكل أكثر من 30 في المائة من التعداد السكاني، وخصوصاً أن ضمان حصول هذه الفئة على المهارات التعلمية سيضمن التطور الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، ما يتطلب - بحسب الخبراء - أن يكون التعليم أكثر ارتباطا بسياسات التوظيف المحلية والسياسات التعليمية التي ترتبط بمبادرات خلاقة للنمو الاقتصادي وفرص الأعمال.   

أما التقرير الذي حمل عنوان "الشباب العربي: فقدان أساسيات التعليم لحياة مثمرة" والذي صدر مؤخراً عن معهد "بروكينغز" الدولي فيسلط الضوء على جودة وتوفر التعليم في العالم العربي، وفتح حوار حول هذه القضية المحورية. وأشار التقرير إلى وجود فجوات نقص في البيانات التعليمية، حيث أن مجموعة قليلة من البلدان العربية تعمد بشكل منهجي لقياس أميّة القراءة والكتابة والحساب في كل من المراحل الابتدائية والإعدادية، موضحاً وجود رابط بين التعليم من أجل حياة منتجة وتوظيف الشباب، حيث أسهم افتقاد المهارات الأساسية المناسبة في أزمة التوظيف في المنطقة العربية.

ورغم أن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس انخفض بنسبة 3.1 مليون طفل منذ عام 2002 في المنطقة العربية، إلا أن التقرير أشار إلى أن 8.5 مليون طفل بعيدين عن التعلم في المنطقة العربية، والكثير من هؤلاء هم فتيات في المجتمعات الفقيرة والريفية في المناطق المتضررة من الصراعات.

وتشكل اليمن والمغرب والكويت مصادر قلق فيما يرتبط بالنتائج المرتبطة بالتعليم حيث يفشل بين 30 و90 في المائة من التلاميذ في المرحلة الابتدائية في التعلّم، بينما أكثر من 60 في المائة من التلاميذ لا يتعلمون في المرحلة الإعدادية في المغرب وعمان.

وقالت الزميلة في معهد «بروكينغز» والمختصة بقضايا التعليم وأحد كتاب التقرير ميساء جلبوط لشبكة CNN بالعربية إن "هناك أزمة تعليم في البلدان العربية، إذ أن نصف الطلاب في المدرسة لا يكتسبون المهارات الأساسية ومستوى التعليم الجيد، التي يحتاجها هؤلاء لقيادة حياة مثمرة، وبالتالي لا يحققون الحد الأدنى لمحو الأمية وتعليم الحساب، بناء على تقييم عالمي في الصفين الرابع والثامن."

وأضافت جلبوط أن "البلدان التي لدينا قلق حيالها هي: جيبوتي، وموريتانيا، واليمن، بما أن هذه البلدان لديها أدنى مستويات تسجيل في المدارس، رغم أنها يجب أن تعتمد على القدرة لتقديم التعليم النوعي لأطفال وشباب اليوم، بما خص توازنها السياسي، والتقدم الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية"، لافتة إلى أن هناك ثلاثة بلدان التي تتواجد فيها النسبة الأعلى من التلامذة والذين لا يتمتعون بالتعليم الأساسي في المراحل الابتدائية وهي: اليمن بنسبة91 في المائة، والمغرب بنسبة 74 في المائة، والكويت بنسبة 70 في المائة."

ورغم أن عدد الأطفال الذين ينهون مرحلة التعليم الابتدائي ارتفع، إلا أن هناك الكثير من البلدان العربية التي زاد فيها عدد الشباب المتسربين من المدرسة في المرحلة الإعدادية مقارنة بالعقد الماضي. أما فيما يرتبط بتعلم المهارات الأساسية، فأوضح التقرير أنه بناء على استخدام تقييم التعليم المتاح في 13 دولة عربية، فيبلغ متوسط معدل الأطفال الذين لا يتعلمون أثناء وجودهم في المدرسة 56 في المائة في المرحلة الابتدائية و48 في المائة في المرحلة الاعدادية.

وقال نائب رئيس وحدة التعليم العالي والتعليم التطبيقي في مؤسسة "بيرسون" في المنطقة، فادي عبد الخالق، لشبكة CNN بالعربية إن "هناك مشاكل أساسية يبرزها التقرير فيما يرتبط بارتفاع نسبة التسرب المدرسي، وإعادة المراحل، نتيجة مستوى التعليم المنخفض وعدم اكتساب المهارات، بالإضافة إلى عدم المساواة في فرص التعلم في بعض المجتمعات".

وأضاف عبد الخالق أن هناك أسباب عدة تؤدي إلى عدم قدرة بعض الطلاب ونسبتهم حوالي 50 في المائة، من تحقيق مستويات مقبولة في الكتابة والقراءة والحساب، ومن بينها مناهج دراسية دون المستوى، وسوء نوعية الطاقم التعليمي، والمناهج التربوية القديمة، ما يؤدي إلى تراجع التحفيز لدى الطلاب، والإحساس بالمشاركة، وكلها أسباب لديها تأثير مباشر على آداء الطلاب الكلي."

ورغم أن التقرير لا يخوض في الأسباب الكامنة وراء ظاهرة التسرب من المدرسة في المرحلة الثانوية، إلا أن السبب بحسب الخبراء قد يعود إلى درجات تحفيز أقل بين الذكور الشباب لإكمال تعليمهم إذا لم يؤمنوا أن التعليم سيساعدهم على ايجاد وظيفة، فضلاً عن حالة الفقر، واضطرار الأطفال إلى العمل لتأمين مصدر إضافي للدخل، والعنف الذي يضرب المنطقة.

واعتبر عبد الخالق أن حافز الطلاب بدءا من مرحلة الحضانة إلى الصف التاسع ينخفض من نسبة 95 في المائة إلى 37 في المائة، ما يعتبر مشكلة عالمية لا ترتبط فقط بالدول العربية، لافتاً إلى أن النقص في تحفيز الطلاب هو سبب أساسي لهذه الظاهرة، فضلاً عن الظروف الاقتصادية القاسية.

وكشف التقرير عن أنه رغم أن الإناث أقل التحاقا بالمدارس مقارنة بالذكور، إلا أنهن أكثر نجاحا في الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى الاعدادية والثانوية، فضلاً عن أنهن يتفوقن على البنين من حيث التعلم. ولكن، تبقى الفتيات أقل حظاً في ايجاد فرصة عمل مقارنة بالذكور. وفي المراحل الابتدائية، فإن السعودية أظهرت أكبر تفاوت، حيث أن نصف الذكور لا يتعلمون، فيما أن أقل من ثلث الإناث لا يتعلمن.

وفي هذا السياق، اعتبرت جلبوط أن "أحد الاكتشافات المفاجئة في التقرير هي أن الأزمة التعلمية تؤثر على الذكور أكثر من الإناث، فيما أن نسبة الإناث اللواتي يقابلن الدرجات التعلمية تعتبر أكبر من الذكور في تسع بلدان عربية. وتجدر الإشارة إلى أنه في المرحلة الثانوية، في ثلاثة بلدان عربية وهي، البحرين والأردن وعمان فإن نسبة الذكور، الذين لا يتعلمون، كانت على الأقل 20 في المائة أكثر من نسبة الإناث اللواتي لا يتعلمن.

ولكن في ظل هذه المعطيات، تشكل النساء العاملات العربيات نسبة فقط 18 في المائة، ما يظهر برأي جلبوط الصعوبات بأن يتخطى هؤلاء العوائق الاجتماعية والاقتصادية، والتقاليد العائلية، والثقافة، وتلاءم مهارتهن مع احتياجات القطاع الخاص.

من جهته، رأى عبد الخالق أن "تفوق الإناث على الذكور خلال سنوات الدراسة، يعني أنهن أكثر تحفيزا للتعلم، والمشاركة."

وتعتبر الجغرافيا أيضا عاملاً أساسياً،  إذ أن التفاوت بين المناطق الريفية والحضرية من حيث إقبال الشباب على التعلم، تظهر في المرحلة الثانوية، حيث أن نسبة الشباب الذين لا يتعلمون ترتفع بنسبة 10 في المناطق الريفية.

وقالت جلبوط إن "الاختلاف يظهر في دولة الإمارات، حيث أن 46 في المائة من الشباب في المناطق الريفية لا يتعلمون، مقابل 27 في المائة من الشباب في المناطق الحضرية"، لافتة إلى أن المنطقة تواجه أزمتها التعليمية الأكبر، بسبب وجود مليونين طفل سوري خارج المدرسة، ما يتطلب المزيد من التجاوب الإنساني، ومقاربة تنموية طويلة الأمد لدعم تعلم الأطفال الذين يعتبروا لاجئين في مناطق قريبة، وخصوصا في لبنان والأردن.

ويبقى أن برأي الخبراء أن الحل الجذري يكمن بتجديد النظام التعليمي، والحوار المستمر بين أصحاب القرار في القطاعين الخاص والرسمي.