بقلم ليلى سلامة
(CNN) -- عندما كنت حامل للمرّة الأولى، راودتني الكثير من الأفكار الجميلة حول دوري كأم والعلاقة التي سوف أبنيها مع أطفالي. ولطالما كنت أتأثر بالمشاهد الدرامية التي يظهر فيها دور الأم وهي تغنّي وتروي حكايات ما قبل النوم لتهدئة طفلها ومساعدته على النوم.
واعتقدت بأنّ تلك اللحظة ستجعل أطفالي يحلمون أحلاماً سعيدة حقيقية.
ولكن أطفال اليوم، والذين لم يبلغوا من العمر سوى عاماً واحداً، أصبحوا مخدرين بأدوات التسلية الرقمية، ما جعل فرصة تنمية العلاقة بيني وبين أطفالي تقتصر على إطعامهم، والأمور الأخرى التي ترتبط بالعناية بهم. وبينما اصطدم بالواقع المرير، بدأ ينتابني شعور باليأس والحزن، إذ أني اعتقدت خطأً بأن حكايات المكتبة الخضراء ستسعدهم، وأصبحت عدم رغبتهم في الاستماع، تولّد لدي مخاوف عديدة حول مستقبلهم الفكري والواقعي. والجدير بالقول، إنّ أشدّ ما يقلقني هو أننا أسرة نووية "عن غير قصد"، أي عائلة صغيرة وعلاقاتنا الاجتماعية محدودة جداً. نعيش في بلد أصبح الناس فيه مصابون بالتوحد.
ومثل العادة، يبدأ روتيني اليومي كل صباح، بوصل الجهاز اللوحي بالشاحن المتصل دائماً بمقبس الكهرباء تحسباً للحالات الطارئة. وبمجرّد أن تستيقظ طفلتي، التي لا تبلغ من العمر سوى ثلاثة أعوام، تبادرني بالسؤال عن جهازها اللوحي، ثم تلّح علي بتشغيل التلفاز. وبالنسبة لطفلي الآخر، الذي لم يبلغ من العمر سوى عاماً واحداً، فلجأت إلى استخدام الهاتف المحمول من أجل تسليته، وتشجيعه على تناول الطعام.
وبشكل يومي، تسيطر الأجهزة المسممة بالأشعة العاكسة، والموسيقى المبتذلة، واللغة غير المترابطة، فضلاً عن الصور الوهمية على حياتي اليومية. إنها حالة من الضجيج والتوتر التي سلبتني حقي بأن أكون أماً طبيعية، وأن يمارس أطفالي حقهم بطفولة عادلة من لحظة شروق الشمس وحتى المساء، ثم امتداداً إلى منتصف الليل.
وفي كل ليلة آمل بأن أحتضن طفلي حتى أروي لهما الحكايات السعيدة، ولكن، تعلقهما الشديد بالأشعة العاكسة يشوه لدي معاني الأمومة الخالية من الشوائب. وإذا لم امتثل لرغبتهما تتحول ليلتي إلى دراما سوداء، ولكن، استمر في المحاولة حتى أساعدهما على إفراز هرمون السعادة من خلال حكاياتي الخيالية.
وأصبحت أدرك مدى التأثير السلبي للجهاز اللوحي على طفلتي الصغيرة، عندما بدأت تتحدث في أحلامها، وربما تصرخ أحياناً أثناء نومها لاسترجاعه من شقيقها الصغير، فضلاَ عن سلوكها اليومي الذي يغلب عليه الشعور بالتوتر والعنف في الاستحواذ عليه، وعدم الانتباه والتركيز.
وأما بالنسبة لزوجي، فهمّه الأول أن يشعر ولدانا بالسعادة بغض النظر عن أساليب تنمية السعادة لديهما، ما يشكل عائقاً أمامي في توجيه أطفالي وتربيتهما بأسلوب طبيعي. ولكن تبقى وجهة نظره طاغية في ظل الظروف الاجتماعية والبيئية والاقتصادية للمحيط الذي نعيش فيه.
وفيما يتعلّق بأطفال التقنية الرقمية، فإن الاستماع للحكايات، وقراءة الكتب والقصص، والرسم على الورق، فضلاً عن الاختلاط مع الأطفال الطبيعيين "غير الرقميين" يعد بمثابة تحدٍ نصنعه بأيدينا. وينبغي أن ندرك جميعاً أن الطفل إنسان غير مؤهل عقلياً للعيش في عالم افتراضي لا يمت لواقعه بصلة، وخصوصاً أن إلقاء طفل، لم يتجاوز من العمر سوى ثلاثة أعوام، في عزلة رقمية إنما يعد بمثابة جريمة إنسانية، تمس حقوق الأطفال من شتى الجوانب.
ولا يسعني سوى أن أقول بأن دوري في ولادة وتربية جيل جديد من أطفال الرقمية يتسبب في كارثة أخلاقية وتخلفاً اجتماعياً، وأنّ إهمال زوجي في التعاون معي من أجل تغذية مفهوم السعادة والمعرفة التقليدي والحقيقي في طفلينا، يشوّه المعنى الطبيعي للطفولة والبراءة لديهما. وأريد أن أشير إلى أننا نتشبث بذرائع مشينة حول الأسباب التي تجعلنا نتحول عبيداً لأدوات الترفيه الرقمية التي بدأت تنتشر كالأورام السرطانية.
*المقالة تعبر عن رأي كاتبتها ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.