كاتب المقال: بيتر وارين سينغر، محلل استراتيجي في مركز "New America" ومؤلف للعديد من الكتب منها: "Wired for War: The Robotics Revolution and Conflict in the 21st Century" و "Ghost Fleet: A Novel of the Next World War". (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
إن عملية انخراط الروبوتات في ساحات المعارك الحديثة وقعت بسرعة خاطفة، حبست أنفاسنا، هذا إن لم يكن من يقرأ هذا المقال روبوتاً.
عندما احتل الجيش الأمريكي الأراضي العراقية قبل أكثر من عقد، كان يملك عدداً قليلاً من الآلات ذاتية التوجيه، مثل الطائرات من دون طيار، ولم ترسل أي من القوات البرية.
واليوم تملك القوات الأمريكية أكثر من سبعة آلاف طائرة في الجو، تتراوح أنواعها من طائرتي "Predator" و"Reaper" الشهيرتين بالإضافة إلى أنواع أخرى مثل الإضافة الجديدة للقوات البحرية بطائرة "MQ-8 Fire Scout"، وهي طائرة هليكوبتر من دون طيار، أكملت عدداً من المراحل التجريبية بالإقلاع من قاعدة مضادة للصواريخ والهبوط بالعودة إليها.
وعلى الأرض يتراوح عدد الآليات ليبلغ 12 ألف دولار، منها روبوت "PackBots" الذي صنعته شركة "iRobot" والذي استعمله الجيش الأمريكي لمسح الطرقات والكشف عن القنابل في جوانبها بأفغانستنا، وهنالك أيضاً تجارب للقوات البحرية الأمريكية مع مركز "Qinetiq" للأنظمة الروبوتية المتقدمة، لصنع روبوت مجهز بكاميرات وسلاح رشاش.
وبالطبع فإن هذه الثورة ليست حكراً على أمريكا وحدها، إذ تستعمل 87 دولة على الأقل أنظمة الروبوتات العسكرية إلى حد ما، من بريطانيا وصولاً إلى الصين، التي تمتاز بازدياد متسارع في أسطولها الآلي، وفقاً لما كشفته في معرض أسلحة مؤخراً.
وهنالك الكثيرون ممن لا دولة لهم، قاموا بضم الروبوتات لمستودعاتهم، منهم الطرفان المتنازعان في الحرب الأهلية في سوريا، بالإضافة إلى تنظيم "داعش"، والطرفان في النزاع الواقع في أوكرانيا يتعملانهما أيضاً.
ولكن هذه الروبوتات هي مجرد طرف خيط للبداية، وإن كان ما يحصل الآن قد وقع بالضبط قبل مائة عام، كنا لنقارقنها الآن بأول طائرة قتالية "Bristol TB 8" أو أول دبابة استخدمت بالمعارك المعروفة باسم "Mark I"، هنالك الكثير من المتغيرات التي سنشهدها قريباً، حجم هذه الطائرات وشكل وطريقة حركتها في البرية، والسبب الذي قد يخيف العديد منا، وجهاتها الجديدة.
قد لا نشهد في المستقبل وجود عدد محدد من الروبوتات الشغالة برياً فقط ضمن الأسطول البحري، بل يمكن أيضاً أن يملك طائرته الآلية المصغرة، مثل "PD-100 Black Hornet"، التي يساوي حجمها الصغير حجم الطائر الطنان، وتزن 18 غراماً فقط، وستسمح لعناصر البحرية بالاطلاع بين الزوايا أو اكتشاف قناص ينتظر استهداف المجموعة القتالية من نافذة على ارتفاع خمس طوابق، أو يمكن أن نشهد وجود "Zephyr" بكثرة، وهي طائرة دون طيار تعمل بالطاقة الشمسية، ويزيد عرض جناحيها عن 22 متراً كما يمكنها أن تواصل الطيران على مدى 11 يوماً.
وعلى الأرجح، فإن أكبر تحد يمكن أن يواجهنا قد يكون الذكاء الصناعي وقدرتها على اتخاذ القرارات ذاتياً، إذ أن مفهوم التوجيه الذاتي في البداية كان يتمحور حول عدم وجود إنسان داخل المركبة، وكان يتوجب على البشر التحكم بها وتوجيهها من على بعد خطوة بخطوة، أما النسخ الحديثة تعد أكثر آلية من سابقاتها، إذ يمكنها أن تقلع وأن تهبط وحدها، ويمكنها التحليق لوجهات معينة وحدها، كما تملك أجهزة استشعار تتيح لها التعرف على محيطها وإيصال تلك المعلومات للبشر.
هذا ما يمكن أن نتوقعه مستقبلاً، مرحلة متقدمة من الاعتماد على القرارات الروبوتية المتخذة ذاتياً، يأتي هذا بعد الحوار الذي أجراه الكونغرس العام الماضي حول نظام الرقابة الروبوتي التابع للبحرية الأمريكية ونظام الضربات الجوية، باختصاره "UCLASS"، والذي تمكنت إحدى طائراته الرائدة "Northrop X-47" التجريبية من تنفيذ إحدى أصعب المهام التي تواجه الطيارين على الإطلاق، الإقلاع والهبوط من على حاملة للطائرات، والآن يتم تجربة الطائرة ذاتها لنظام التزود بالوقود جواً، والاشتراك مع طائرات آلية أخرى، إذ يشكل برنامج "UCLASS" المرحلة القادمة من أنظمة أكثر سرعة وتقدماً.
لكن النقطة الأساسية للنقاش لن تتمحور حول ما إذا ستعد هذه الطائرات جزءاً روتينياً من مهام البحرية وحاملات الطائرات، بل حول مدى التقدير والفضل الذي سيعود لها بإنجاز تلك القوات لمهامها، وبالطبع لن يتمحور حول التركيز في التقدم على هام التدمير والتفجير، وإلحاق الدمار بأي عدو يواجهونه، وليس بمجرد الإكتفاء بالمراقبة مثلما حصل في النسخ الأولية لهذه الطائرات قبل حوالي مائة عام.
وبالوضع ذاته، تقوم بريطانيا بتجربة الأنظمة الموجهة آلياً ببرنامجها "Taranis"، الذي لا يكتفي فقط بالسرعة والدقة، بل أيضاً يملك برنامجاً لتحديد الأهداف الجديدة المحتملة.
ورغم أننا لن نعيش قريباً لعالم مشابه لسلسلة أفلام "Terminator" أو "The Matrix"، حيث تتخذ الآلات والروبوتات قراراتها بنفسها، عن توقيت وقوع حرب أو مكان وقوعها، ولن نلعب أيضاً دور البشر الذين يختفون من الحروب أو أن نشهد اختفاء التكنولوجيا التي اعتدنا عليها، فحرب العراق الثالثة الجارية تملك جميع اللاعبين: أمريكا وداعش والقوات العراقية، والتي تستخدم الطائرات بدون طيار والقوات البرية.
لكن ما هو واضح بالفعل هو الضرورة القصوى لأن يكون القرار البشري جزءاً أساسياً من العملية، هذه التكنولوجيا من ابتكارنا، والحرب هي حربنا، لقد تغير دور الإنسان الذي كان "داخل دائرة اتخاذ القرار"، بالتعاون مع الآلات في تنفيذ القرارات الصادرة منا، إلى ما تسميه القوات الجوية الأمريكية "أعلى دائرة اتخاذ القرار"، بأن يكون دور الإنسان هو إدارة العملية التي يتم فيها اتخاذ القرار وليس توجيهها، فالنزاع الإلكتروني هو أحد المجالات التي يعمل فيها الذكاء الصناعي بالتعاون مع خوارزميات البرامج لتنتج معظم القرارات وبسرعة رقمية هائلة.
الجدل الأكبر يتمحور حول احتمالية "الخروج من دائرة صنع القرار" كلياً، والكثيرون يشعرون بالقلق إزاء هذه الرؤية المستقبلية، والكثيرون يجادلون بأهمية وضع هذه النقطة في نخاع القضية، مثلما تمنوا لو أن إتش جي ويلز لم يقدم مبادئه التي مهدت لاختراع القنبلة النووية، إذ بدأوا في تطبيق نظام معين لمنع الأبحاث المتعلقة بالروبوتات المسلحة المستقلة ودعوا إلى اتفاقيات دولية تحظر هذه التكنولوجيا.
لكن أمامنا الزمن فقط ليرينا احتمالية وقوع ما سبق بالفعل، خاصة وأن كلاً من العلم والحروب أثبتوا قدراتهم على تجاوز الحدود، لكن هنالك أمر واحد فقط واضح أمامنا: فالحرب التي نشهدها الآن، ستكون روبوتية بالمستقبل.