دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لدى كل واحد منا فيلمه السينمائي المفضل، وقد نكاد نجزم أن غالبية هذه الأفلام هي أفلام أمريكية طويلة تتضمن قصصاً لشخصيات خارقة، أو ممثلين مشهورين، أو تستوحي أحداثها من مؤلفات أو كتب. ولكن، يبقى هناك عالم ساحر من الأفلام القصيرة التي لا يحبذ كثيرون منها مشاهدتها لأنها "قصيرة".
وفي محاولة منا لـ"رفع بعض من الظلم" الذي تعاني منه هذه الأفلام، اخترنا مجموعة من الأفلام القصيرة التي تابعناها خلال مهرجان دبي السينمائي الدولي، والتي تعد بمخرجين واعدين في أفلامهم الطويلة مستقبلا:
- بونبونة: فيلم فلسطيني يناقش قضية تهريب النطف من السجون الإسرائيلية إلى الخارج وهو من إخراج ركان المياسي، وبطولة صالح بكري ورنا علم الدين. خلال دقائق قليلة، قدم الفيلم صورة مباشرة لعملية التهريب، ولهفة السجين الفلسطيني وزوجته لأن يرزقا بمولودهما الأول. هذه اللهفة بدت صادمة وغير متوقعة أمام المشاهدين، ولكنه بالتأكيد السبب الأول لبراعة الفيلم القصير.
- شارميدير: هذه الكلمة تعني باللهجة المصرية "الرجوع إلى الخلف"، وهو من إخراج نهى عادل، التي تقول إنه فيلمها الأول من دون أي خبرة سابقة في العمل السينمائي. موقف صغير في حارة ضيقة جسد برمزيته مجتمعا كاملا يقوم على السيطرة الذكورية، والصراخ لإثبات وجهة النظر، ولكن هل الصبر في هذه الحالة هو مفتاح الفرج؟ واحد من أجمل الأفلام القصيرة هذا العام.
- حلاوة: المخرجة السعودية هناء الفاسي تقدم هذا العام فيلما يتحدث عن الفتاة السعودية وانتقالها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة. باستخدام الأبيض والأسود فقط، إضافة إلى اللون الأحمر، ترسم الفاسي صورة واضحة لقسوة المجتمع على الفتاة واضطهاده لها، وهذا الاضطهاد للأسف ليس ذكوريا فقط، بل قد يأتي من النساء أيضا. هل تذكرون تشبيه المرأة بقطعة الحلوى التي يجب أن تتغطى حتى لا يتحرش بها الرجال؟ استخدمت الفاسي هذه المقاربة بصورة مباشرة ووضعتها أمام أعيننا، لنتساءل: هل الخطأ في مجتمعنا أم في قطعة الحلوى؟
- موعد صلاة: التجارب الخليجية مثيرة للاهتمام، خصوصا في فيلم مثل "موعد صلاة"، حيث يناقش المخرج البحريني أحمد الكويتي مكانة الرموز المقدسة في حياتنا، من خلال قصة سيدتين تضطران للدخول إلى مسجد للرجال فقط، وتعامل الإمام معهما. الممتع في هذا النوع من الأفلام أنه يترك المشاهد مع تساؤلات عدة، من أبرزها: كيف نعامل المسجد في حياتنا؟ ولماذا نحرم الكثير من الأمور "الاعتيادية" إذا كانت تقام بالقرب من المسجد؟ وفي المجمل، ما الذي تعنيه لنا "قداسة المكان"؟
- العبور: فيلم فلسطيني للمخرج أمين نايفة يحكي حكاية شقيقين وأختهما يعبرون معبرا إسرائيليا للدخول إلى إسرائيل وزيارة جدهم المريض. ولا يمكن إلا للصورة أن تروي معاناة الفلسطينيين في دخول المعابر والخروج منها، ومن خلال لقطات واسعة تعرفنا إلى القيد الذي يفرضه الجدار حول الضفة الغربية، واللقطات القريبة داخل المعبر تكشف لنا عن الضغوطات التي يعيشها الفلسطيني عند الاستجواب أو طلب الإذن للحصول على تصريح. مساحة الصمت في نهاية الفيلم تترك للمشاهد حرية وضع النهاية التي يريدها (والتي بالطبع لن نخوض فيها حتى تبقى مفاجأة للمشاهد).
- رابتشر: فيلم للمخرجة ياسمينا كراجة استعانت فيه بأربعة أطفال سوريين ممن لجؤوا مع عائلاتهم إلى كندا، فكانت تلك قصتهم الحقيقية. اللافت في هذا الفيلم أنه لا يخوض في آثار الحرب السورية على الأطفال من ناحية الدمار والقتل والتهجير، بل باستخدام رموز بسيطة تقدم لنا جانبا آخر من أهوال الحرب، فكيف لهؤلاء الأطفال على سبيل المثال العيش في مجتمع لا يعرفون فيه لغة قاطنيه، وبالتالي لا يمكنهم التواصل معهم؟ مساحة الصمت أيضا خدمت بناء الفيلم وحبكته.
- احتجاز: اللافت هذا العام كان المشاركة السعودية لمخرجات الأفلام القصيرة، ومن بينها فيلم احتجاز للمخرجة هاجر النعيم. يخوض الفيلم في معاناة شابة سورية عاشت الحرب في بلادها، وبعد أن لجأت للولايات المتحدة الأمريكية، تعيش تجربة معاناة أخرى وهي التحقيق معها بسبب علاقتها بأحد منفذي عملية إرهابية. ورغم أن القصة المحكية تستحق فيلماً أطول، إلا أن الفيلم كان مقنعا بصرياً، إضافة إلى أننا كمشاهدين كنا بحاجة إلى عمق أكبر بالشخصيات وبنائها، كشخصية البطلة والمحامية.