دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تجوّل في شوارع دهوك، شمال العراق، وسترى الوجه ذاته يحدق فيك، من خلال صورة شائعة وراء عدادات المتاجر والأكشاك في هذه المدينة، على بعد مسافة قصيرة بالسيارة شمال الموصل.
سمع الجميع في دهوك بقصة الرجل المشهور فاخر برواري، إذ لأكثر من عقد من الزمان، خاطر بحياته لضمان سلامة الآخرين، وهو بطل محلي كان يزيل الألغام الأرضية بسكين فقط.
وحالياً، تُسرد قصته في فيلم وثائقي طويل جديد وُصف بأنه نسخة حقيقية من فيلم كاثرين بيجلو الحائز على جائزة الأوسكار " The Hurt Locker."
وقام برواري للمرة الأولى بنزع الألغام كجندي إلى جانب قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، وذلك عقب غزو العراق في العام 2003. وقد خاطر بالموت لعدة سنوات في الموصل والمناطق من حولها، ونجا من الكثير من الأحداث المأساوية، وفقد ساقه اليمنى في إحدى المناجم في العام 2008. وبعدما وضع أحد الأطراف الاصطناعية، عاد برواري للعمل مع البشمركة الكردية، لنزع الألغام المتفجرة التي خلفها تنظيم داعش.
ورغم أن عدد الألغام التي نزعها برواري، ليست معروفة بالضبط، إلا أنه يُعتقد أنها بالآلاف. ومع ذلك، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2014، دفع بيرواري ثمناً كبيراً عندما قُتل في انفجار أثناء تنظيف منزل مليء بالألغام.
وصُور كل فصل من هذه القصة المؤثرة، وصولاً إلى نهايتها، على الكاميرا. ودون علم عائلته، سُجلت ساعات من لقطات الفيديو من قبل زملائه، ووضعت على أقراص مدمجة، في حقيبة قديمة. وبعد ثلاث سنوات من وفاته، اُكتشفت الحقيبة من قبل ابن برواري عبدالله. والفيديو الذي صور في العام 2014 شكل العمود الفقري لـ "The Deminer" ، الذي شارك في إخراجه هوجير هيروري، المولود في دهوك والذي يعيش الآن في السويد، والمخرج الكردي شينوار كمال.
وينضم الفيلم إلى قائمة الأفلام الوثائقية الحائزة على جوائز عديدة، بما في ذلك "الخوذ البيضاء" و "لا مكان للاختباء" حول الحرب في العراق والنزاع المستمر في سوريا.
وقبل إطلاقه في المملكة المتحدة، تحدثت CNN مع هيروري حول رحلة الفيلم الشاقة إلى الشاشة. وقال هيروري إنه "في العام 2014، كان تنظيم الدولة الإسلامية يهاجم العديد من المناطق في كردستان العراق، كنت هناك أصنع فيلم وثائقي آخر عندما رأيت فخير. كنت أعرف عنه في منطقتنا إذ كان يصور باعتباره بطلاً محلياً. صعدت إليه وسألته عن رأيه بتصوير فيلم عنه، ولكنه قال: "لا، آسف، لا يمكنك ذلك. اقبل بنصيحتي: اذهب إلى السويد حيث تكون بآمان وعش هناك".
ويروي هيروري إنه بعدما أكمل الحديث مع فاخر، قال له الأخير "حسناً ، هناك بالفعل هذا الرجل الذي بدأ مؤخراً في تصوير فيلم عني ويدعى شينوار كمال. إذا كنت تريد أن تفعل شيئاً ما تحدث معه، لأنه لا يمكن وجود فريقين لصنع فيلمين، إنه أمر خطير للغاية."
وأضاف هيروري أن فخير تُوفي بعد ثلاثة أشهر من لقائه به، قائلاً: "عندما توفي أصبحت عملية صنع الفيلم أكثر تعقيداً."
وعُثر على غالبية اللقطات الأرشيفية، في العام 2017، أي بعد ثلاث سنوات من وفاة برواري. وصُورت اللقطات من قبل هواة، بينهم سائق برواري.
وأوضح هيروري أن "الفيلم تطلب الكثير من العمل والوقت للتحدث إلى زملاء وأصدقاء فخير. وقمنا بتحضير 78 نسخة من الفيلم للوصول إلى التعديل النهائي."
وأشار هيروري إلى أن "فاخر أراد وفريقه توثيق ما كانوا يفعلونه حتى يتمكنوا من إظهار عملهم وما يقومون بإنجازه، ويُوجد هدف آخر وراء التصوير، لإظهار ما تتكون منه الألغام، وكيفية إعدادها، ووضعها ونزعها، بحيث يمكن للمجموعات الأخرى تعلم ذلك."
ولفت هيروري إلى أن فخير كان ينزع حوالي مائة لغم يومياً، مضيفاً أن فاخر خلال السنة الأولى في الموصل، تمكن من نزع حوالي 600 لغم، وخلال صراع داعش في العام 2014، تراوح الرقم بين حوالي 3 آلاف و4 آلاف لغم خلال فترة ثلاثة أشهر.
وفي مسقط رأسه لا يوجد أي أحد لا يعرف من هو فاخر، لكن الإرث الذي خلفه فخير بحسب هيروري أنه لم يميز أبداً بين الناس بحسب العرق أو الخلفية، أم الفقر والغنى، أم الهوية والجنسية، إذ كان يفعل هذا لمساعدة الآخرين فقط.