دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) – كان الليل يعانق السماء، عندما اتجهت العالمة الألمانية، أولا لوهمان، برفقة زعيم قبيلة "أنغا"، إلى موقع يظهر أرض القبيلة من جميع الزوايا، لتجذب نظر لوهمان، مجموعة من أجساد الموتى المعلقة على سلسلة صخرية مرتفعة تحيط بالقرية.
وهذه المجموعة هي عبارة عن أجساد محنطة لسكان القرية، حيث يوجه كل هيكل منها نظره إلى الأسفل، وكأنه يراقب القرية، فقال لها زعيم القبيلة، غيمتاسو مويمانغو، إن هذه الأرواح "تحمي القبيلة".
وكانت العالمة الألمانية متجهة في بداية الأمر، إلى بابوا غينيا، لترى البركان المشتعل في المنطقة، ولكن مجرى رحلتها تغيّر بعد أن وجدت كتاب دليل سياحي قديم، يناقش "قصة قبيلة تدخن أجدادها" إذ فهمت من العبارة أن الأمر يرتبط بالتدخين.
استغربت أولا من تفاصيل الكتاب، وتساءلت كيف يمكن لهذا الشيء أن يحصل، فهل يلف السكان رماد موتاهم في لفافات سجائر مثلاً؟ لذا قررت العالمة أن تذهب في رحلة بحث، لتكتشف السر وراء تقاليدهم.
واستغرقت عملية البحث عن القبيلة 3 سنوات، ولكن الرحلة الحقيقية لم تنته مع إيجاد قبيلة "أنجا"، بل بدأت التحديات تنهال على عاتق العالمة، إذ لم يكن من السهل الحصول على مواقة زعيم القبيلة، واستغرق الأمر منها 6 ساعات من السير على الأقدام للوصول إلى القبيلة يومياً، وأسبوعاً كاملاً للتعرّف أكثر على أفرادها، وكسب ثقة القائد.
وبعد عناء طويل وافق جيمتاسو على أن تلتقط لوهمان الصور لمرحلة التحنيط وأصبحت علاقتهم أقوى على مر السنين، حتى تبناها قائد القبيلة كواحدة من أحفاده.
وقالت لوهمان، لموقع CNN بالعربية، إن عملية التحنيط مهمة بالنسبة للقبيلة لكونها تسمح لهم "برؤية" وجه الموتى مما يعتبر شيئاً مهماً بالنسبة لهم. وتبدأ مرحلة التحضير للتحنيط قبل وفاة الشخص، إذ يختار الموقع الذي يريد أن يحنط فيه، وتُزرع الأرض للحصول على النباتات التي يمكن للأشخاص الذين يعملون على التحنيط تناولها.
ويعمل 7 أشخاص تقريباً على عملية التحنيط ويمنعوا من مغادرة البيت الذي تتم فيه التجهيزات حتى اكتمال مرحلة التحنيط الأخيرة، إذ يجب عليهم تناول الطعام والنوم مع الميت في البيت طيلة فترة التحنيط.
وأشارت لوهمان، إلى أنه على الشخص الذي سيُحنَط أن يبني كوخاً دائرياً قبل وفاته، حتى يستطيع الدخان أن يدور في المنزل، بينما تستمر مرحلة التحنيط والحرق بجميع مراحلها.
واستذكرت العالمة الألمانية، تفاصيل حضورها عملية التحنيط الأكثر أهمية بالنسبة لها والتي وثقتها باستخدام عدسة كاميرتها، إذ قالت، إنها بعد عشر سنوات من الاحتكاك بالقبيلة وقائدها التي اعتبرته بمثابة والد بالتبني لها، تلقت خبر وفاته، فعادت إلى ألمانيا دون رؤية جثته.
ولكن الوعد الذي قطعته لجيمتاسو، أعادها إلى القبيلة مرة أخرى، لتوثق مراحل تحنيطه، إذ كان قد قال لها في يوم من الأيام، إن كاميرتها تشبه عملية التحنيط التي يقوم بها، فكلاهما يعملان على التقاط صورة لوجه الميت حتى يستطيع الأحباء رؤيته إلى الأبد.
وبدأت مرحلة التحنيط بعد انتفاخ الجثة، ووضعها بالقرب من النار المشتعلة، حيث يقوم المسؤولون عن هذه التقاليد، بثقب جسد الميت بعصا بامبو صغيرة، حتى تخرج السوائل من الجسم، ويرافقهم الحذر في هذه المرحلة من أن تتساقط أي قطرة من السوائل على الأرض، لذا يقومون بجمعها ومن ثم يضعونها على وجوههم حتى تبقى روح الميت معهم.
ويعمل أعضاء القبيلة الـ7 بعد ذلك على تخفيف وهج النار، وتحريك الجسد بعيداً عن النيران. وبعد انتهاء فترة التحنيط التي قد تستمر لمدة 6 أسابيع، تعلق الجثة فوق مرتفع صخري "لتحمي" القبيلة من فوق.
ولم تكن عملية توثيق هذا الموت سهلة بالنسبة للوهمان، إذ كانت تشعر بالخوف في بداية الأمر، ولكن الخوف تلاشى بعد أن رأت وجه جيمتاسو وهو يرقد بابتسامة. ومن هناك بدأت رحلتها في عالم التصوير بهدف إظهار الحياة بكل جوانبها، حتى إذا كان الموضوع يتطلب توجيه كاميرتها نحو الموت.