دمشق، سوريا (CNN) -- وضع المصور الصحافي السوري عمر صناديقي زوار معرضه الذي انتهى مؤخراً في دمشق القديمة، أمام سياق بصري باعثٍ للدهشة، من حيث بساطته، وعمقه، والتصاقه بمفردات حياتهم اليومية، وربما ذكرياتهم عن الحرب، عنونه "بلا قيد.. بلا عنوان".
فمعظم الجمهور الذي تدفّق خلال 10 أيّام على غاليري "قزح"، توقّع أن يشاهد عن قرب صورة "الطفل النائم بالحقيبة" الشهيرة، التي التقطها عمر لوكالة "رويترز"، في مارس/ آذار 2018، واختارتها CNN أواخر العام الماضي غلافاً لقصتها عن 100 صورة تحدد ملامح العقد الأوّل، من القرن الحادي والعشرين.
لكنّ عمر صناديقي اختار موضوعاً خارج توقعات زوّار المعرض، لأشخاص من فئات عمرية متنوعة، يغلب عليهم كبار السن، تغيب ملامح وجوههم، بينما يعقدون أيديهم وراء ظهورهم، غارقين في لحظات تأمل، انتظار، ألم، أو ذكرى...
ربما هي اللحظة التي تسبق الاستسلام للقيد، ورغم أنّ أبطالها ليسوا مقيدين فيزيائياً، لكنهم "مقيدون بأفكاركم"، كما قال عمر لـCNN بالعربية، وهو يشير مبتسماً لعددٍ من زوّار المعرض الذي يتأملون الصور، وهم يقومون بالحركة ذاتها لا شعورياً.
وروى لنا صناديقي كيف ولدت فكرة المعرض، قائلاً: "الصورة الأولى التي أوحت لي بالفكرة التقطتها لرجل في منطقة (الكلاسة) في حلب منتصف شهر يوليو/تموز 2017، وحينما عدت إلى أرشيفي بدمشق، تذكرت صورة التقطتها لشخص مسن يقف في إحدى المتاجر وهو يتأمل الأسعار مطلع 2016."
وأضاف: "كانت الفكرة الأولية تدور حول المسنين، لكنني حينما قارنت الصورتين بدأت أراقب حركة الناس، وجدت أنّ هذه الحركة شائعة جداً بينهم، لكنّها تأخذ في كل مرة معنىً مختلفاً، وتحمل وراءها الهم، الوجع، التأمل، وربما معانٍ أخرى كثيرة."
وأوضح عمر صناديقي لـ CNN بالعربية بأنّ صور المعرض، هي عبارة عن مختارات من مشروع صحافي-فني، عمل عليه طيلة السنوات الثلاثة الأخيرة، خلال جولاته الصحافية في مناطق النزاع بسوريا، وتطوّر تدريجياً على مستوى الكادر أو التشكيل الفوتوغرافي.
وعن المساحة الفارقة بين الحس الصحافي والفني للمصوّر من وجهة نظره، قال عمر: "كل مصور صحافي فنّان، قد تعطي اللقطة الصحافية الأولوية للحظة الحدث أكثر من التشكيل، لكنّها تكون أكثر قوةّ وتأثيراً حينما تكون ذات بعد تشكيلي فني"، معتبراً أنّ "التصوير الصحافي أصعب بمراحل من أي نوع آخر."
ورغم أنّ عمر صناديقي التقط معظم صور معرضه "بلا قيد... بلا عنوان"، في مناطق النزاع خلال "الحرب السورية"، لكنّه يضعه ضمن سياقٍ إنساني أكبر من انعكاساتها.
ولفت عمر في الوقت ذاته بأنّ "الحرب ضاعفت هموم الناس"، قائلاً: "لاحظت أنّ الأطفال لا يقفون عادةً وهم يقيدون أيديهم إلى الخلف، بل يضعونها في جيوبهم عموماً، لكن اللقطة الوحيدة التي صورتها لطفل بهذه الوضعية من الحركة، كانت في أحد مراكز النزوح وهو يقف بجوار والدته وإخوته، وربمّا إحساسه بالهم لكونه المعيل لعائلته، جعله يعقد يديه وراء ظهره وهو يفكّر في أمرٍ ما..."
وختم عمر صناديقي حديثه حول معرضه، بالكشف عن مشروعٍ معرضٍ مقبل قال إنّه بدأ العمل عليه قبل الحرب، لكنّه أصبح أكثر عمقاً خلالها، وأشار إلى أنّ "الرسالة الحقيقة للصورة، لا تصل مالم يشعر المصوّر بوجع الناس."